يأتي هذا بعد سنوات من الجمود والتوتر الدبلوماسي الذي ظل يخيم على البلدين بسبب قضية اختفاء الإمام موسى الصدر وما تبعها من ملفات سياسية وقضائية شائكة.
قال وزير الدولة للاتصال بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي، في تصريحات لوسائل إعلام، إن ما حدث يُعد إنجازا للدولة الليبية والدبلوماسية الليبية أكثر من كونه إنجازا لحكومة بعينها، مؤكدا أن الإفراج عن هانيبال القذافي يمثل نجاحا وطنيا يعكس حضور ليبيا الإيجابي في الساحة الدولية.
وأوضح اللافي أن
حكومة الوحدة الوطنية أخذت على عاتقها متابعة ملف المواطنين الليبيين الموقوفين في الخارج، وقد تمكنت خلال هذا العام من تأمين الإفراج عن 35 موقوفا في عدد من الدول، في إطار جهودها لحماية مواطنيها وتعزيز دور الدبلوماسية الإنسانية.
ونفى الوزير وجود أي صفقات أو تفاهمات غير معلنة بين ليبيا ولبنان بشأن القضية، مشددا على أن ما تحقق هو نتيجة مباشرة للتحركات الدبلوماسية الليبية، واستغلال الظروف الإقليمية المتغيرة والعلاقات الإيجابية التي بنتها الحكومة خلال الفترة الماضية لتحقيق هذا الاختراق.
وأضاف اللافي أن الرئاسة اللبنانية أبدت تجاوبا كبيرا، وأظهرت رغبة حقيقية في تطوير العلاقات الثنائية مع ليبيا، لافتا إلى أن ما جرى يمثل اختراقا مهما في علاقة شهدت توترا لأكثر من أربعة عقود وأثّرت سلبا على مصالح البلدين، مؤكدا أن هذا الإنجاز هو نجاح مشترك لليبيا ولبنان.
كما أوضح الوزير أن قاضي التحقيق اللبناني قرر تخفيض
قيمة الكفالة الخاصة بالإفراج، والتي بلغت 900 ألف دولار، وأن حكومة الوحدة الوطنية تكفلت بدفعها بالكامل.
وأكد الليبي على أن ليبيا ترحب بعودة هانيبال القذافي إلى وطنه إذا رغب في ذلك، مبينا أن كافة الإجراءات تمت بمتابعة مكتب النائب العام الليبي، وهو الجهة المخولة قانونا بالنظر فيما إذا كانت هناك قضايا أو إجراءات قانونية تخصه داخل ليبيا.
قال المحلل السياسي اللبناني المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور جمال واكيم، في تصرح خاص لـ"
سبوتنيك" إن العلاقات بين ليبيا ولبنان، بشكل عام، وبعد سقوط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بملف هانيبال القذافي.
وأوضح واكيم أن الإفراج عن هانيبال قد يفتح الباب أمام تحسن العلاقات الثنائية وتطبيعها بصورة أفضل، مشيرا إلى أن هانيبال مواطن ليبي، ولا ينبغي أن يُربط اسمه أو مصيره بأي معايير قانونية تتجاوز نطاق قضيته، خاصة أنه قضى أكثر من عقد في الاحتجاز دون محاكمة، وهو ما شكّل عامل ضغط أخلاقي وقانوني على السلطات اللبنانية.
وأضاف أن الوساطات لم تكن العامل الحاسم في الإفراج، بل إن الإحراج الذي شكلته القضية على الساحة اللبنانية، إلى جانب دور السلطات الجديدة في لبنان، كان له الأثر الأكبر في اتخاذ قرار إطلاق سراحه.
وفي ما يتعلق بقضية
الإمام موسى الصدر، أكد واكيم أنها ما تزال عالقة إلى حين الكشف الكامل عن ملابساتها، مشيرا إلى أنه رغم ضرورة التحقيق في دور النظام الليبي السابق في هذه القضية، فإن هانيبال كان في ذلك الوقت طفلا صغيرا، ومن غير المنطقي الاعتقاد بأنه يمتلك أي معلومات تتعلق بها. وشدد على ضرورة حل هذه القضية بما يضمن العدالة ويطوي صفحة الخلافات القديمة.
وختم واكيم قائلا إن العلاقات اللبنانية الليبية تاريخيا لم تقتصر على مستوى الحكومات، بل اتسمت بالتشعب وتعدد القنوات، موضحا أن القذافي دعم فصائل لبنانية كانت تقاوم إسرائيل، ما جعل العلاقات تتجاوز الطابع الرسمي إلى مستوى أوسع من التعاون والتنسيق. وبالمجمل، يرى واكيم أن العلاقات بين البلدين تبقى قوية ومتجذّرة على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية.
قال المحلل السياسي اللبناني أمين بشير: إن العلاقات بين لبنان وليبيا تسير في الاتجاه الصحيح وتشهد تطورا إيجابيا واضحا، تجلّى في الإفراج عن هانيبال القذافي بعد سنوات من التوقيف، معتبرا أن هذا الملف سياسي بامتياز وليس قانونيا.
وأوضح بشير في حديثه لـ"سبوتنيك"K أن "هذا التحول في الموقف اللبناني يعكس تغيرا إيجابيا في طريقة التعاطي الرسمي مع القضية، ويشير إلى أن لبنان بدأ يتحرر تدريجياً من قبضة الثنائي الإيراني، ما أتاح للشرعية اللبنانية أن تستعيد زمام سلطتها، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا على الصعيدين القضائي والسياسي".
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتّسم بمزيد من الانسجام مع القوانين والدستور، وهو ما يمنح الشرعية اللبنانية مساحة أوسع للتحرك داخليا وخارجيا، بعد أن كانت الحدود بين الدولة وبعض القوى السياسية، ولا سيما حزب الله، غير واضحة. وأضاف أن
الدولة اللبنانية بدأت فعليا تستعيد موقعها الطبيعي ومكانتها في العلاقات الخارجية.
وأكد بشير أن زيارة الوفد الليبي إلى بيروت تشكل محطة مهمة في مسار إعادة بناء العلاقات الثنائية، مشدداً على ضرورة العمل وفق أسس قانونية ومصالح مشتركة بين البلدين، معتبرا أن هذه الخطوات تمثل مؤشرا إيجابيا نحو مرحلة جديدة من التعاون بين ليبيا ولبنان.
من ناحيته، قال المحلل السياسي الليبي محمد الناكوع إن الإفراج عن هانيبال القذافي ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على العلاقات الليبية اللبنانية، بعد سنوات من القطيعة بين البلدين، مشيرًا إلى أن عودة التواصل الرسمي بين طرابلس وبيروت من شأنها تعزيز التعاون وتوثيق العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
وأوضح الناكوع في حديثه لـ "سبوتنيك" أن لدى الدولة الليبية أموالًا مجمّدة واستثمارات وعقارات في لبنان، ومن المرجّح أن يتم العمل على استردادها أو تفعيلها مجددًا، مضيفًا أن لبنان دولة سياحية تمتلك فرصًا واعدة يمكن من خلالها إحياء مشاريع استثمارية واتفاقيات اقتصادية وأمنية جديدة بين الجانبين.
وأكد أن الوساطة لعبت دورًا حاسمًا في إنهاء قضية هانيبال القذافي، مشيرًا إلى ما ورد في صحيفة النهار العربي اللبنانية حول الدور البارز للائتلاف الليبي الأمريكي برئاسة فيصل الفيتوري، والذي عمل على فتح قنوات تواصل مباشرة مع عائلة الإمام موسى الصدر، إلى جانب تنسيق الفيتوري مع جهات أمريكية داعمة. كما أشار الناكوع إلى وجود تأكيدات من أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ الأمريكي لضمان تسوية القضية وعدم استغلالها سياسيًا داخل لبنان.
وأضاف الناكوع أن الحكومة الليبية أوفدت وفدًا رسميًا إلى بيروت من أجل إنهاء القضية بشكل نهائي، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية على نحو متين ومثمر.
مؤكدا إن استئناف العلاقات بين البلدين سيسهم في تفعيل العمل الدبلوماسي وفتح خطوط الرحلات الجوية بين طرابلس وبيروت، فضلًا عن تبادل الزيارات الرسمية بين الحكومتين والمبعوثين الدبلوماسيين، مما يعزز العلاقات بين البلدين الشقيقين ويحقق منافع متبادلة ذات جدوى للطرفين.