سروار بيداوي: سد الفجوة بين الابتكار والشمول في الشرق الأوسط
يقول الدكتور سروار بيداوي إن الشباب في الشرق الأوسط يمثلون “فرصة تاريخية للنمو إذا استُغِلت قدراتهم بحكمة”. وبصفته مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة نورث لايت القابضة (NorthLight Holding)، يؤمن بيداوي بأن التكنولوجيا والشمولية والاستثمار الاستراتيجي عوامل أساسية لسد الفجوة الاقتصادية ودفع عجلة التنمية المستدامة في جميع أنحاء المنطقة. ويؤمن بيداوي بالتمكين من خلال الابتكار من رحلة شخصية اتسمت بالمرونة. فبعد فراره إلى هولندا كلاجئ عام 1980، طوَّرَ اهتماماً عميقاً بأنظمة الاتصالات الغربية ودَور الاتصال في إعادة بناء المجتمعات. وبعد خدمته كنقيب في سلاح المهندسين بالجيش الملكي الهولندي خلال حرب الخليج، تابع دراسات تقنية صقلت فهمه للبنية التحتية والأنظمة الرقمية. وقال: “بُنيت شركة نورث لايت برؤية سد الفجوة التكنولوجية وتطبيق المعايير الغربية في منطقتنا. التكنولوجيا حافز للتمكين، فهي تربط المجتمعات المحرومة بالتعليم والتمويل والأسواق، مما يسمح للأفراد بالمشاركة الكاملة في الاقتصاد الحديث”.
وعندما عاد بيداوي إلى كردستان أواخر التسعينيات، كان قطاع الشركات في الإقليم لا يزال في بداياته. وقال: “إذا استطعتَ تقييم المخاطر، والتصرف بحزم، وبناء الثقة في بيئة مضطربة، سوف تكون لديك فرصة جيدة للنجاح”. وانبثق مشروعه الأول، “كاني ووتر” (Kani Water)، من رحم الحاجة، حيث وفر مياهاً صالحة للشرب في أماكن كان الوصول إليها نادراً. وأدى نجاح المشروع إلى شراكة حصرية مع شركة كوكاكولا، ممهداً الطريق للنمو المستقبلي. وتأسست شركة نورث لايت القابضة لتعزيز الابتكار الإقليمي وسد الفجوات التكنولوجية. وركزت المجموعة في البداية على الاتصالات، وسرعان ما نوّعت أعمالها لتشمل السلع الاستهلاكية والبنية التحتية والمشاريع القائمة على الاستدامة. ويشير بيداوي إلى إطلاق شركة تارين نت (TarinNet) في عام 2005 كنقطة تحول – أول شركة تقدم أنظمة شبكات لاسلكية في إقليم كردستان.
وبعد عقد من الزمان، وتحديداً في عام 2018، أعاد هيكلة استثماراته، محتفظاً بشركتي تارين نيت وكيتس (KITS) تحت مظلة نورث لايت لتسهيل النمو والإدارة/الحوكمة. وتمتد محفظة الشركة اليوم لتشمل العراق والإمارات العربية المتحدة، وتشمل منتجات معفاة من الرسوم الجمركية، وأنظمة متطورة لمراقبة الجودة، وقطاعات ناشئة مثل الطاقة النظيفة وإعادة التدوير. وبالنسبة لبيداوي، التكنولوجيا أكثر من مجرد أداة عمل، إنها مُعادل اجتماعي. وأوضح قائلاً: “نضمن حصول المجتمعات الريفية والحضرية على فرص وصول متساوية، مما يمنع تركيز المزايا في عدد قليل من المناطق الحضرية.
ومن خلال ربط البنية التحتية ببرامج تدريبية مستهدفة، يمكن لجميع الفئات الاجتماعية المشاركة في التحول الرقمي”. ويعتقد بيداوي أن التطبيق الشامل للتكنولوجيا يمكن أن يساعد في تقليل التفاوت في توزيع الثروة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأضاف: “يمكن للابتكار السريع أيضاً أن يُحدِث تغييراً جذرياً في الصناعات التقليدية إذا كان الوصول غير متكافئ. ولهذا السبب يعطي نموذج أعمالنا الأولوية للتدريب على المهارات، والمعايير الأخلاقية، والاستثمار الاستراتيجي في المجتمعات المهمّشة”. وتتجاوز قيم نورث لايت الربح.
فقد خصصت الشركة مؤخراً 13 مليون دولار لبناء مساكن لطلاب الجامعات، وهو مشروع مصمم لتعزيز فرص الحصول على التعليم ودعم التنمية الوطنية. وقال بيداوي: “إن بناء أساس تعليمي أقوى يعود بالنفع على البلد بأكمله، وعلى أعمالنا في نهاية المطاف، من خلال توسيع قاعدة الخريجين المؤهلين”. كما ينظر إلى التطوير العقاري كمسعى اجتماعي. وقال “المشاريع المخططة جيداً لا تُنشئ مبانٍ فحسب، بل تعزز مجتمعات متماسكة تشجع النشاط الاقتصادي والتبادل الثقافي والاندماج الاجتماعي”.
وأضاف أن الحفاظ على النسيج الاجتماعي للأحياء التاريخية يتطلب دمج الشوارع الملائمة للمشي مع عناصر التراث ووسائل الراحة الحديثة لتحسين جودة الحياة. وقال بيداوي: “نحن نتجاوز معايير الصناعة في المساواة بين الجنسين والشمول والمزايا، ونعزز ثقافة يقوم فيها التقدم على الجدارة ويعكس المجتمعات التي نخدمها”. وتلتزم الشركة أيضاً بمعايير حوكمة صارمة، حيث دخلت في شراكة مع شركة تدقيق عالمية منذ إنشائها لدعم الشفافية والامتثال الداخلي.
وأشار إلى أن “النجاح المستدام يعني مواءمة مصالح المجموعة مع طموحات موظفينا”، مؤكداً أن مكافآت الموظفين لا ترتبط فقط بالأداء، بل أيضاً بالالتزام بقيم الشركة. ويرى بيداوي أن المرحلة التالية من النمو ترتكز على الطاقة النظيفة، وإعادة تدوير النفايات، ومشاريع البنية التحتية، بما في ذلك خطط لمحطة طاقة صديقة للبيئة تهدف إلى دعم أهداف الاستدامة الإقليمية.
وقال: “نهدف إلى المساهمة في التقدم المستدام، وليس فقط النمو الاقتصادي”. وفي معرض حديثه عن رحلته، أعرب بيداوي عن امتنانه لكل من هولندا، لترحيبها به كلاجئ، وللحكومة الكردية، لتهيئة الظروف التي تسمح بازدهار ريادة الأعمال.
وقال “لقد وفرت الحكومة الكردية بيئة آمنة على الرغم من كونها في منطقة صعبة”. ورسالته لرواد الأعمال الشباب هي المثابرة والهدف: “ابدؤوا برؤية واضحة، تحلوا بالصبر، وتقبّلوا الفشل كجزء من الرحلة. كونوا فضوليين، وأَحِيطوا أنفسكم بأشخاص مُلهِمين، ولا تنسوا أبداً من أين بدأتم”.