هديّة مقتدى الصدر

العربي الجديد

هديّة مقتدى الصدر

  • منذ 4 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:

بسبب غياب التيّار الصدري عن المسرح السياسي العراقي، حتى مع لحظةٍ مُغرية، مثل انتخابات مجالس المحافظات في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فإن حالة "الانفراد" السياسي لطرفٍ واحد تبدو غير مسبوقة.
في مجالس المهتمين بالشأن السياسي (وكثير منهم يتجنّب طرح آرائه على العلن في هذه الأيام) هناك من يقول إن هذا جيّد؛ أن يستفرد طرفٌ واحد، لأول مرّة منذ 2003 وبهذا الوضوح. سيشعر هذا الطرف بعدم التهديد، ويتيح له العمل وتنفيذ وعوده من دون عوائق، بالإضافة إلى ما هو متوقّع؛ استمرار الفساد والسرقات، وخنق هامش الحريّات.
حسب هذه الرؤية، عند رئيس وزراء العراق، محمد شيّاع السوداني، والطرف السياسي الداعم له، فرصة للعمل وتكريس نفسه كي يعبر إلى مراحل مقبلة، من دون التحجّج بأن هناك طرفاً معارضاً، من داخل العملية السياسية، يضع العصيّ في عجلات مشاريعه، كما كان يشكو نوري المالكي سابقاً من الدور المعرقل للتيار الصدري ضد مشاريعه المفترضة. وربما كانت هذه الفكرة في رأس زعيم التيار الصدري، حين قرّر سحب أعضاء كتلته البرلمانية الفائزة، ولم يكتف بمجرّد تخليهم عن مشروع تشكيل الحكومة العراقية العام الماضي. إنه يريد إسقاط حجّة معارضة التيار الصدري مشاريع الطرف الآخر، الذي يضمّ كل خصومه السابقين. الطريق سالكة أمامهم لتنفيذ وعودهم للجمهور من دون عائق المعارضة.
إنها مجازفة كبيرة، إن صدقت التخمينات بنيّات الصدر، فمن الممكن أن ينجح السوداني وفريقه السياسي الداعم، على وفق معايير النجاح العراقية، التي تتوافق مع مزاج سائد في المنطقة، وربما العالم، حين يتم ترضية الجمهور العام بفوائص عائدات النفط، عند حدّ معين، واختلاق أعداء وقضايا للإلهاء العام، أو الانخراط في قضايا المنطقة، وتقديمها معياراً لتحديد الوطنيين والخونة، كما حصل مع اندلاع الحرب على غزّة، فهذه قضية إلهاء عام جيّدة، وفرصة لإعادة تقسيم الساحة العراقية إلى وطنيين وخونة. وتلميع صورة السياسيين الذين لم يقدّموا منجزاً حقيقياً حتى الساعة، سوى الخطب والكلام المثالي الرنّان.
كان الانفراد السياسي ناجعاً مع العقد الأول من حكم نظام صدّام حسين مثلاً، أواخر سبعينيات القرن الماضي، لأن عدد السكان كان قليلاً، ما بين 14 إلى 16 مليون نسمة، وكانت أسعار النفط عالية، وهناك علاقة جيّدة للعراق مع المعسكر الاشتراكي الذي يضمّ دولا متقدمة نسبياً كما هي ألمانيا الشرقية مثلاً، بالاضافة إلى تخادم مع دول من المعسكر الغربي تحكمها حكومات يسارية، مثل فرنسا، التي اعتمد عليها العراق بشكل كبير في تدعيم طيرانه العسكري.
انفراد صدّام الذي قضى، منذ وقت وجيز، على آخر فصيل سياسي يمكن أن يشارك "البعث" في الفضاء الاجتماعي والسياسي والثقافي، وهو الحزب الشيوعي، وخنق الحريات إلى حدود غير مسبوقة، كان يمنح باليد الأخرى منافع الازدهار النفطي، ويوصل الكهرباء إلى القرى الريفية البعيدة، والسلع الرخيصة في الأسواق، والتوظيف بمرتباتٍ عالية لجميع العراقيين. كان الناس يمكن أن يمدحوا صدّام في تلك الأجواء، ويغضّوا الطرف عن غياب الحريّات. ويعتبرون هذه مقايضة مناسبة للاستمرار بالحياة وتربية الأولاد والعيش.
ولكن، هل السوداني يملك فرصة مشابهة؟ زاد عدد السكّان ثلاثة أضعاف عن ثمانينيات صدّام، وكوادر الدولة متخمة بالبطالة المقنّعة، من موظفين لا يفعلون شيئاً سوى أنهم قبلوا برشوة الدولة لتهدئتهم. بالإضافة إلى أضعاف مضاعفة تنتظر عند الباب من خرّيجي الجامعات الجدد الذين يتدفقون بموجاتٍ جديدة كل عام، باحثين عن عملٍ ووظيفة. كما أن حلفاء السوداني وداعميه من الجماعات المسلّحة يستولون على كل مساحات نشاط القطاع الخاص، ويبتزّونها أو يستولون عليها، ويشيعون أجواء مسمومة أمام أي استثماراتٍ خارجية كبرى، يمكن أن تجعل الاقتصاد العراقي يتنفس قليلاً.
يمكن أن يستفيد السوداني من "هدية الصدر" جيّداً، ولكن من خلال انقلاب داخل النظام نفسه، يصحّح المسارات، ويمنع تشكل كتلة غضبٍ شعبي جديدة، على التراجع الاقتصادي، وهذا، حسب المراقبين، أمرٌ صعب بل شبه مستحيل، حسب المعطيات والتوازنات السياسية العراقية. ولهذا، هناك احتمالٌ حاضرٌ دائماً، أن يرى الصدر على رأس موجة الغضب والاحتجاج المقبلة، وقد جدّد مصداقيته الشعبية، وجاء بزخمٍ أكبر مما حصل في انتخابات أكتوبر 2021.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>