مثل كل مرة… الجماعة بايكين الجوكر

ايزيدي 24
  • منذ 3 شهر
  • أخبار العراق
حجم الخط:

قمااار _”مثل كل مرة… الجماعة بايكين الجوكر!”

صلاح رفو

………………………………………………………………

لا جواب اخر اسمعه من والدي، كلما سألته عن سبب خساراته اليومية في لعب الورق ضد جاره أبو زياد المتمرس في اللعبة، والدي لم يسمح لنا يوما ان نلعب الورق او نتقن الدومنة او الطاولة لسبب بسيط و وجيه، فمعروفٌ عن جدنا الأول انه هاجر من بعشيقة الى سنجار بعد رهانه لقصره الكبير هناك عندما خسر كل املاكه ذات ليلة، يقال في خبر متواتر انه كان سكيراً ليلتها، فوقع على كل الأوراق التي وضعت امامه من قبل احد “الملاجين” في الموصل، القصة كانت حزينة ذات يوم، لكننا نتداولها بعد مضي اكثر من مئتي عام بالكثير من التندر والسخرية، على اية حال فوالدي يلعب مع جاره الورق لقتل الوقت بعدما ان وجدا نفسيهما في خريف العمر في بلادٍ بعيدة مختلفة الاطباع واللغة والنظام، يخرجان برفقة سمو الأصغر منهما ليشرب قهوة كل صباح في مقهى قريب، ينصح والدي رفيقة باستخدام كلمة”  Bitte ” قبل طلب القهوة زيادة في الاحترام، الا ان أبو زياد مصر على ان الجميع يفهم مطلبهم دون حشك كلمة المانية أخرى في جملتهم المعتادة، سمو يهمه امر التدخين اكثر من ذلك السجال،  ولا يأبى  عندما يعنفه رفاقه على عدم التزامه بقواعد التدخين المعمول بها في البلاد…” لا تدخن في الأماكن المغلقة…لا تدخن في غرف منزلنا عندما نلعب الورق…الخ” كأن الكلام والتعنيف لشخص أخرى، فسمو الاسير في ايران لسبعة سنوات وجد نفسه حال رجوعه للبلاد محارباً شرساً للحصار الاقتصادي والجوع، لم يتهن اطلاقا من سقوط نظام صدام، فقريته واقاربه ابيدوا مع دخول د١عش لسنجار ، ووجد نفسه ذات يوم تعيس يركب “قوارب الموت” ليستقر في شقة صغير في المانيا، تدفع له الدولة ايجاره ومصروفه المتواضع من الاكل والسكائر الرخيصة. يزورني والدي كلما شعر بالضجر من خساراته المتتالية وروتين أصدقائه المعتادين، يأتيني محملاً بكيس فيه فطوره الصباحي، فهو لا يستسيغ نظام اكلي شبه المعدوم. يفرغ الكيس في المطبخ، يغلي بيضتان ويحضر اللبن والجبن الأبيض ويفك الجوز من قشرته لياكلها مع العسل، اذ شاهد في اليوتيوب برنامجاً يؤكد ان الجوز ينشط الذاكرة، لكنه ينسى كالعادة اكلها ككل مرة، مع المحاولات الكثيرة تعلم والدي مشاهدة قناة العربية الحدث عبرالانترنيت المرتبط بجهاز التلفاز، حيث اني لا امتلك قنوات عربية. احضر له الشاي وهو يفطر مع الاصغاء لبكاء وانين الناس في غزة… الاخبار تعاد كل نصف ساعة، لا جديد، قتل وانفجار وجرحى و أجساد تحت الركام، ادرك جيدا ان والدي قد ادمن مشاهدة الاخبار دون هدف، فهو الجندي الذي شارك ستة سنوات في حربنا مع ايران وحال تسرحه وبناءه لمنزل لنا بعد سنوات تعب شديد هرب منه الى كوردستان بعد قدوم د١عش وسيطرتها على المنطقة، انتظر هناك  اكثر من سنة حتى تصرف له الدولة راتبه التقاعدي ويهرب رفقة امي بذلك المبلغ من تلك البلاد، ادرك جيدا كم الهزائم والنكسات التي عاناها، لكن هذا لم يمنع ان اساله عن طقوسه التي لا تتغير في مشاهدة الاخبار او سماعها كل هذه السنين، الفضول سأل بلساني وانا اراه يمضغ بعض الجبن الأبيض مع رشفة اخيرة للشاي: ما هو انطباعك بما تفعله إسرائيل بغزة ؟!
مضغ والدي ما تبقى من أكل على المائدة وقال بتهكم وسخرية قلما تفارقه: “مثل كل مرة…الجماعة بايكين الجوكر”.

 

 

 



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>