يتواصل منذ أيام في العراق الجدل الحقوقي والسياسي بشأن تعديلات قانونية تفرض عقوبات مشددة بالسجن ودفع غرامات مالية على من يُمارس البغاء أو المثلية الجنسية. إذ صادق البرلمان في 27 إبريل/نيسان الماضي، على تعديلات على قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، عبر تضمينه بنوداً اعتبرت غير مسبوقة، من بينها معاقبة تغيير الجنس بالسجن المشدد، والسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لمن يُمارس "التخنث".
واعتبر البعض أن التعديلات حملت تنكيلاً بأشخاص، علماً أنها لاقت ردود فعل دولية مستنكرة أبرزها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما جعل محامين وقانونيين عراقيين يتوقعون أن يلجأ عدد ممن يُمكن أن يُطبق القانون عليهم إلى دول غربية للإقامة فيها، خصوصاً أن البلدان الغربية، وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي، لم تعد تربط منح اللجوء للعراقيين بالظروف الأمنية السائدة في بلدهم، والتي تحسّنت في السنوات الأخيرة.
ليست شريحة المثلية الجنسية خافية في العراق، وتعرّض أفرادها لعمليات تنكيل وخطف وقتل مارستها مليشيات مسلحة في السنوات الماضية، لكن عضوا في نقابة المحامين العراقيين رفض كشف اسمه يقول لـ"العربي الجديد" إن "القانون قد يخلق فرصاً جديدة للجوء إلى دول غربية، فهو فضفاض وقد يوجه اتهامات لأشخاص يُفهم بأنهم مدرجون في خانة الشذوذ، لذا هناك مخاوف من تطبيق مزاجي أو انتقائي للقانون ضد شريحة تعيش داخل المجتمع العراقي وتتعامل معه بشكل ظاهر جداً".
ويعاقب القانون رقم 8 الذي صادق 170 نائباً على تعديلاته "بالسجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات كل من استبقى شخصاً للبغاء أو الشذوذ الجنسي في محل ما، وذلك بالخداع أو بالإكراه أو بالتهديد، وكان عمر المجني عليه أكثر من 18 سنة. أما إذا كان عمر المجني عليه دون 18 سنة فيعاقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن 15 سنة". ويشير القانون إلى أن "المحكمة تقرر قيمة التعويض العادل للمجني عليه أو المجني عليها".
كما يفرض القانون عقوبة السجن مدة لا تقل عن 10 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة على كل من أقام "علاقة شذوذ جنسي". وأورد: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات وبدفع غرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار (7550 دولاراً) ولا تزيد عن 15 مليون دينار (11300 دولار) كل من روّج للبغاء أو الشذوذ الجنسي بأي وسيلة كانت، مع مصادرة الوسيلة المستخدمة للترويج". وهو ينص أيضاً على أن "كل من ارتكب ممارسة مقصودة للتخنث أو الترويج له يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد عن ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تقل عن 5 ملايين دينار (3750 دولاراً) ولا تزيد عن 10 ملايين دينار.
وقال نائب رئيس مجلس النواب محسن المندلاوي: "لا مكان للمثليين في العراق الذي يحتضن الأنبياء والأئمة الصالحين"، أما البرلمان فقال في بيان: "يحمي القانون المجتمع العراقي من الانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي الذي يغزو العالم، وإقرار تعديلات فيه يتزامن مع عدم وجود عقوبات في القوانين المعمول بها في العراق للحدّ من تصرفات المثليين".
وبعد ساعات من المصادقة على القانون، شددت وزارة الخارجية الأميركية في بيان على أنه "يشكل خطراً على أشخاص يواجهون في الأساس مخاطر داخل المجتمع العراقي، وقد يؤثر بشكل كبير على حرية التعبير ودور منظمات المجتمع المدني في العراق". واعتبرت أن "تمرير هذا القانون خطر على حقوق الإنسان والحريات، ويمكن أن يُضعف قدرة العراق على تعزيز المصادر الاقتصادية وجذب الاستثمارات".
وكتبت السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانسكي، على "إكس": "تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من تعديلات القانون التي أقرّها مجلس النواب العراقي، والتي تهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية المحميّة دستورياً، وأيضاً الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي. وترى أنه يمكن استخدام التشريع لعرقلة حرية التعبير والتعبير الشخصي، وهو يُضعف قدرة العراق على تنويع اقتصاده وجذب الاستثمارات الأجنبية. ونشدد على أن احترام حقوق الإنسان والاندماج السياسي والاقتصادي أمران أساسيان لأمن العراق واستقراره ورخائه".
من جهته، يقول القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" النائب عامر الفايز، لـ"العربي الجديد: "يملك النواب حق التصويت لما يطلبه الشعب، والقانون أقرّ لحماية الأسر، وينسجم مع طبيعة الهوية الإسلامية والأخلاقية للشعب، وستكون آثاره إيجابية على المجتمع، لا سيما أن العراق تعرّض لغزو فكري وثقافي من جهات خارجية تريد أن تجعل المجتمع يخضع لأفكار مسمومة".
من جهتها، ترى المحامية والناشطة نور العمران لـ"العربي الجديد" أن "مكافحة البغاء أمر مهم، وأن وضع أسس وحدود قانونية له من المطالب الأولى للمجتمع المدني، لكن التعامل مع مفاهيم غير واضحة واعتبارها أساسيات في العقاب أمر غير واقعي، مثل مفردة أو مصطلح التخنث، خصوصاً أنها باب لمعاقبة كثيرين لا علاقة لهم بمفاهيم المثلية الجنسية. فهناك أشخاص يعانون من مشاكل أو خلل في الهرمونات قد تطاولهم العقوبات، وهذا تصرف تعسّفي مرفوض. المثلية الجنسية لديها تعريفات وتفسيرات علمية كثيرة كان يجب أن يفهمها البرلمان من أجل تفادي إطلاق أحكام دون التعرف على المشكلات الصحية الكثيرة التي قد تواجه الإنسان".
وتلفت إلى أن "الجميع يفكر في المصلحة العليا للبلد وحماية المجتمع، لكن في الوضع الحالي بات أفراد شريحة المضطربين جنسياً أو المصابين بمشاكل صحية وجنسية يفكرون جدياً في الهجرة، لأنهم يشعرون بالخطر في بلد يُقتل فيه المختلفون وتحاصرهم السلطات بعقوبات". وتوضح أن "الاعتراض على التعديلات لا يهدف إلى إشاعة الانحلال في البلاد، بل لفت النظر إلى أنها غير واضحة، وتحتمل الكثير من الانتقائية في التعامل معها، وأنه لا بدّ أن يكون أداة جديدة بيد السلطة لمواجهة المختلفين".