من المرتقب أن تقدم رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، إحاطتها الأخيرة في اجتماع مجلس الأمن الدولي في يوم 16 آيار الجاري عبر دائرة تلفزيونية ثم تغادر العراق بشكل نهائي، لتختتم بذلك مهماتها التي بدأت في شهر كانون الثاني 2018.
ووفقا لتصريحات مصادر في البعثة الدولية ببغداد، تابعها "سنترال"، فأن "البعثة ستغلق بناءً على طلب عراقي مع بقاء المنسق المقيم لعمل الأمم المتحدة، وسيشمل الإغلاق أقسام الانتخابات والشأن السياسي وحقوق الإنسان، وإن جينين بلاسخارت ستغادر العراق بعد يوم 16 من الشهر الجاري".
وأوضحت المصادر، أن "القوى السياسية العراقية تجد أن هناك حاجة لأن يكون العراق تحت إدارة مكوناته السياسية من دون الحاجة إلى ضامن خارجي"، مضيفة: "يبدو أن هذه ليست رغبة جميع القوى، بل إنها رغبة تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الشيعية".
بيان "شديد اللهجة"!
وكان آخر النشاطات الداخلية التي أجرتها بلاسخارت، لقاءها برئيس السلطة القضائية فائق زيدان، لكن بعد أقل من 48 ساعة، أصدر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بياناً حاد اللهجة، وجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، يطالب فيه بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق المعروفة اختصارا بـ"يونامي"، بعد أكثر من عقدين على عملها الذي اضطلع بأدوار سياسية وأمنية وتنموية مختلفة.
وأكد السوداني في الرسالة المنسوبة له أن مسوغات وجود بعثة الأمم المتحدة في العراق "لم تعد متوافرة بعد الآن، بعد الأخذ بالاعتبار التطورات الإيجابية والإنجازات التي حققتها الحكومات العراقية المتعاقبة".
وذكر السوداني في رسالته: "أوضحنا للفريق (الأممي) موقف الحكومة العراقية بشأن عدم الحاجة لاستمرار بعثة يونامي، مع التأكيد على أهمية التعاون مع الوكالات الدولية المتخصصة العاملة في العراق، والبالغة 22 وكالة دولية، وفق آلية المنسق المقيم".
كذلك أشار إلى أنه اطلع على تقرير الفريق المتضمن للرؤية التي بناها بموجب لقاءات مع بعض الشخصيات والأفراد ومنظمات المجتمع المدني وبعض سفراء الدول في بغداد ونيويورك وموظفي بعثة يونامي، وقال إنه "توصل إلى نتيجة بعدم الحاجة لاستمرار البعثة الأممية في العراق، وندعو إلى إنهاء ولايتها بشكل نهائي بتاريخ 31 كانون الأول 2025".
البيت السني "متخوف"
الرسالة العراقية الرسمية الموجهة إلى الأمم المتحدة، لاقت ردود فعل مختلفة، من بينها مواقف متخوفة من إلغاء دور البعثة، وقال حزب "الحل" بزعامة السياسي جمال الكربولي، في بيان، إن "القرار يحتاج إلى تروٍ ومراجعة"، موضحا أن "البعثة الأممية (يونامي) في العراق منحازة وفقا لمصالح سياسية وحزبية وشخصية في بعض الأحيان، وأن ممثلة البعثة الأممية جينين بلاسخارت كان لها دور في حرف بوصلة ومسار البعثة الأممية، إضافة إلى المحاباة للحكومات المتعاقبة"، ودعا الأمم المتحدة إلى "اختيار شخصية دولية محنكة وفاعلة لإدارة البعثة بالشكل الذي يلائم توجهات الشعب العراقي بكل مكوناته".
في حين تضامنت الجهات السياسية الداعمة لحكومة السوداني ضمن تحالف "قوى الإطار التنسيقي" مع القرار، وأيدته. ورحّب عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي رائد المالكي بالرسالة، مبيناً في تدوينة على منصة "إكس"، أن "وجود هذه البعثة يستند إلى قرارات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وأنها شكل من أشكال تقييد السيادة على المستوى الدولي".
وتعمل بعثة الأمم المتحدة في العراق ضمن نطاق مهمات سياسية واجتماعية وتنموية وأمنية مختلفة، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2003 بالتزامن مع احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة.
بلاسخارت.. "عرّابة النظام" أم "الخالة"؟
وكانت بلاسخارت قد تسلمت مهمات عملها في العراق منذ 17 كانون الثاني عام 2018، خلفا لـ"يان كوبيش"، إذ لعبت دوراً كبيراً في الحوارات السياسية والتقت بكافة قيادات الكتل والأحزاب، وتعرضت لانتقادات شعبية كثيرة على خلفية تدخلها بالشأن العراقي الداخلي وقربها من بعض الكتل السياسية لدرجة أنها لُقبت محليا بـ"الخالة".
وفي آخر إحاطة لها في شباط الماضي، قالت بلاسخارت إن "الشرق الأوسط يمر بمنعطف حرج، وينطبق الأمر نفسه على العراق"، مضيفة أن "الهجمات التي تنطلق من داخل العراق وخارجه لن تؤدي إلى تقويض استقرار البلاد فحسب، بل ستقوض أيضا الإنجازات الأخرى التي تحققت في الأشهر الثمانية عشر الماضية".
في السياق، قال رئيس حراك "البيت العراقي" محي الأنصاري، إن "التراجع الحاصل في مستوى الأداء الأممي، والذي انعكس سلباً على واقع الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، كان لمبعوثة الأمم المتحدة دور أساسي فيه، كونها منحت غطاءً ومشروعية دولية لسلوكيات تنافي قيم الدولة، وأثرت بشكل كبير في استمرار هشاشة المؤسسات ورعاية التطبيع والتضليل الملائم للمنظومة الحاكمة، والذي يخالف الواقع المتردي والمتفاقم بكل المساحات، وقد تماهت مع السلطة حتى باتت تلقب شعبياً بأنها عرابة إنقاذ النظام بعد الهزة الكبيرة التي تعرض لها في احتجاجات 2019-2020".
وأضاف الأنصاري، أن "بلاسخارات أفقدت -بسلوكها وسوء إدارتها- بعثة الأمم المتحدة سمعتها الحسنة نسبياً بين العراقيين في موقفها المراد له أن يكون محايداً في تقييم الوضع الإنساني والديمقراطي ومراقبتها الانتخابات، وباتت إحاطاتها مستهلكة ولا قيمة لها سيما مع أثرها السلبي المضلل".
من جانبه، أشار الباحث في الشأن السياسي العراقي غالب الدعمي، إلى أن "بلاسخارت أدت دوراً مهماً، كما هي مكلفة به وفق توجيهات الأمم المتحدة، وكان وجودها جدلياً، فقد ظهرت في أحيان منتقدة للنظام السياسي في البلاد، ثم بدور المؤيد لسلوكيات سياسية"، مؤكداً أن "مهمة بعثة الأمم المتحدة صعبة في العراق، خصوصاً أنها تعرضت إلى انتقادات من معظم الشرائح السياسية، بما فيها الحراكات المدنية والليبرالية"، لكنه شدد على أن العراق سيبقى بحاجة إلى تمثيل ووجود للأمم المتحدة.
وتشكلت بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة عقب غزو العراق في 2003، ومقرها في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، للمساعدة في تطوير المؤسسات العراقية ودعم الحوار السياسي والانتخابات وتعزيز حقوق الإنسان، ومنذ الاحتلال الأميركي بدأت حكومة العراق في اتخاذ خطوات لإنهاء عمل عدة بعثات دولية من بينها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي أنشئ في 2014 للتصدي لتنظيم "داعش"، فضلاً عن مهمة الأمم المتحدة التي تشكلت للمساعدة في تعزيز المساءلة عن جرائم الجماعة المتشددة.