“اسرائيل” تسأل العالم: كيف نخلع نكبتنا؟
لنعد قليلاً إلى الطوفان. طوفان المقاومة في فلسطين الذي استيقظنا عليه في السابع من تشرين الأول/اكتوبر. في لحظاته الأولى، حسبناه حلماً، لا لأنه كبيرٌ على واقع غزة وأهلها، لطالما كانوا دهشة ذلك الصراع المستمر منذ عام 1948، في وعي الصديق، والعدو الذي حرص على تحويل قطاع لا تتعدى مساحته الـ 365 كيلومتراً مربعاً إلى سجن كبير، وممارسة كل أنواع القتل والارهاب بحق قاطنيه، حسبناه (الطوفان) حلماً لأنه كان بالنسبة لنا كخيط النور الفاصل بين المخيلة والواقع.
في تلك الصبيحة كان الواقع خيالاً، فنحن عندما نريد الحديث عن روعة أمر ما نقول إنه “أشبه بالخيال”. كنا نرى كل شيء بأمّ العين وفي اللحظة نفسها نتساءل، ما الذي يحدث؟ كيف استطاعوا العبور؟ كيف كسروا الحصار؟ كيف تحايلوا على ذلك الجيش بكل عتاده وأجهزة المراقبة؟ كيف ساروا في تلك الأرض وكانت يدهم هي الطولى؟ كيف أذاقوهم قهراً وذلاً لا يُنسى؟ كيف قالوا بالصوت والصورة “اسرائيل سقطت”؟
اليوم، يطلع علينا من الذاكرة تاريخ الخامس عشر من أيار/مايو 1948، بداية مسار الخذلان. وما تسمية “النكبة” إلا انعكاس الأخير. إنه قاموس المستسلمين، المهزومين، الذين باعوا تلك الأرض ثم بكوا عليها وقالوا إنها نكبتنا التي لا يقظة منها. لكن قلة تحرروا من ثقلها ومضوا خفافاً في الطريق الصعب، مشوها شوكة شوكة منتصرين بالحق، والتحق بهم جمعٌ آخرين، ومضوا، مرهبين أعداء الله.
ستةٌ وسبعون، لم تترك فيها “اسرائيل” شيئاً إلا وقامت به. ثلةٌ من القتلة، عصابات، حملت سلاحاً ومالاً ودعماً غربياً مطلقاً، مرتكبة إبادات وإبادات. ظنت أن الهوية تباد ايضاً. لكن الأخيرة راسخة في نفوس الأحرار الأعزاء، تتوالد معهم من جيل إلى جيل. بنوا أسواراً حتى لا تبتلعهم، لكنها قفزت إليهم في القدس والضفة وفي كل مكان. وبقي الاستقرار وهماً عظيماً، وبقيت الدولة أكذوبة ولو أقرّ بها العالم، لو طبعت مع أكثر العرب. ما الجديد في الأمر؟ هم أنفسهم، هؤلاء العرب، كانوا شركاء في صنع نكبة فلسطين، كل ما في الأمر كان قوننة هذه الشراكة.
ليس مصطلح “الكيان المؤقت” الذي برز إلى العلن مؤخراً مجرد شعار رومنسي. هو نتاج تراكم فعل المقاومة لعشرات السنين، هو مصطلح عابر لفلسطين، من لبنان إلى سوريا والعراق وايران واليمن. هو الذي استشعره العدو نفسه في السابع من تشرين الأول، طارحاً على نفسه السؤال الكبير: كيف سنستعيد هيبة ردع بنيناه بالارهاب عام 1948؟ كيف سنخلع نكبتنا؟ طوفان الأقصى نكبتنا أيها العالم، فأغيثونا. هنا كل الحكاية: جيشٌ كان يوصف منذ ستة وسبعين عاماً بأنه “لا يقهر”، “يحتل بلداً بفرقة موسيقية”، يخوض وحده حرباً بجبهات ثلاث، هو نفسه ظل يتضاءل مع كل طلقة وحجر، حتى بات جنوده يُسحلون بثياب نومهم، وجيشه عالق في أزقة غزة، يخرج إليه أبناء الأرض من تحت الأرض ومن مسافة صفر، يقولون له، لقد هُزمت، الهوية لا تباد، والنكبة وهم المستسلمين، وحقيقةٌ لمن باتت تستنفر معه جيوشٌ ثلاث لرد مسيرات وصواريخ قادمة من طهران.