نتانياهو يبحث عن”اليوم التالي”، وقد لا يراه أبداً…
أمين أبوراشد
استقالة المسؤول عن السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي “الإسرائيلي” يورام حمو منذ أيام، بصفته المسؤول عن متابعة سياسة “اليوم التالي في غزة”، على خلفية عدم اتخاذ أي قرار سياسي بشأن قضية “اليوم التالي”، هذه الإستقالة بَدَت أقسى على بنيامين نتانياهو من استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، على خلفية الفشل في كشف عملية “طوفان الأقصى”، وبقدر ما جاءت استقالة حاليفا اعترافاً بخيبته الشخصية، جاءت استقالة حمو وكأنها خيبة نتانياهو الشخصية في ابتداع أفكار عملية لإدارة قطاع غزة في “اليوم التالي”.
ربما تُجمِع الأطراف الغارقة في رمال قطاع غزة ( أميركا و”إسرائيل” ومحور “الإعتدال العربي”) على ضرورة إنهاء حكم حماس في غزّة، والتخلّص من السلاح والمقاومة الفلسطينيّة، لكنّ الإختلاف ما زال يدور بينها على ما يُعرَف باليوم التالي للحرب على غزّة، مَن سيحكم القطاع سياسياً وإدارياً؟ ومَن سيسيطر عليه أمنيّاُ بعد الحرب؟ وكيف سينعكس ذلك على القضيّة الفلسطينيّة برُمَّتها ولكن، لغاية الآن، لا جواب عند هؤلاء الأطراف، خاصة بعد أن تشظُّوا جميعهم من العدوان على غزة، وبات “يومهم التالي” تائهاً ما بين أنفاق القطاع ومحور فيلادلفيا، لتتشظى معهم مؤخراً إتفاقية “كامب دايفد”، بعد أن بلغت الأمور حول معبر رفح مرحلة قرع الطبول، وأصدر الإتحاد الأوروبي بياناً يشجب فيه ما يحصل في رفح ويُعلن أن تمادي إسرائيل هناك قد يقوِّض علاقات الإتحاد معها.
صمود المقاومة الفلسطينية والى جانبها جبهات الإسناد من محور المقاومة، خَلَط أوراق المراهنين على إنهاء موضوع غزة عسكرياً بالمناورات البرية للجيش الصهيوني، مدعوماً بترسانات الأسلحة الأميركية والغربية، والجسر الجوي المفتوح بين واشنطن وتل أبيب، لكن الدعم العسكري الذي تتباهى به أميركا، لم يسعفها في ضبط تهوُّر بنيامين نتانياهو، وإصراره على اجتياح رفح، وكأن أنفاقها بانتظاره لتقديم الرهائن له مع قادة المقاومة على طبق من ذهب.
العدوان على غزة جعل “اليوم التالي” الذي يسعى إليه الأميركي والصهيوني ركاماً تحت ركام القطاع، وارتدَّ على عقر دار الكرسي الرئاسي الأميركي ورئاسة الحكومة الصهيونية، واستطلاعات الرأي الأخيرة، لكل من “نيويورك تايمز” في الشارع الأميركي، و”معاريف” في الشارع “الإسرائيلي”، أظهرت لغاية الآن مصير جو بايدن وبنيامين نتانياهو.
إستطلاع نيويورك تايمز، أعطى الرئيس السابق دونالد ترامب 303 نقاط مقابل 235 نقطة للرئيس جو بايدن، علماً بأن المطلوب للفوز بالمجمع الإنتخابي 270 نقطة.
وأظهر الإستطلاع تقدُّم ترامب في خمس ولايات متأرجحة: بنسلفانيا، ميشيغن، جورجيا، أريزونا ونيفادا، فيما سجَّل بايدن تقدماً في ولاية ويسكانسن، لكن اللافت في السباق المحموم إلى البيت الأبيض، بين المرشح السيء والمرشح الأسوأ، أن جو بايدن يقول في مجالسه: عندما ألتقي بزعماء وقادة العالم، يقولون لي: يجب أن تنتصر، في إشارة لعدم رغبتهم بعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وأظهر استطلاع صحيفة “معاريف” العبرية، ارتفاع شعبية وزير مجلس الحرب وزعيم حزب “المعسكر الوطني” بيني غانتس وحزبه بشكل كبير على منافسيه، وبشكل خاص على رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحزبه “الليكود”.
ووفقاً لنتائج الاستطلاع الذي أجرته الصحيفة، بالتعاون مع معهد “لازار” للبحوث، إذا جرت الانتخابات اليوم، سيحصل حزب “المعسكر الوطني” على مقعدين إضافيين في الكنيست، ما يخوله الوصول إلى 41 مقعداً، ويحصل حزب “الليكود” على 18 مقعدا بدلا من 32 حالياً، بينما سيحصل حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل) بقيادة زعيم المعارضة يائير لبيد على 12 مقعدا بدلاً من 24.
ومع أرجحية رحيل بايدن عن البيت الأبيض وقدوم ترامب، فإن المؤكد أن نتانياهو راحل إلى منزله أو إلى المحاكم التي بانتظاره، ولذلك، يُعتبر أي بحث بأمر “اليوم التالي” لقطاع غزة سابق لأوانه، وقد لا يأتي هذا اليوم في زمن نتانياهو، لأن الحرب على غزة قد أخذت منذ نحو أسبوع منحى آخر، استنفار عسكري مصري على الحدود مع فلسطين المحتلة، وتلويح بإلغاء اتفاقية كامب دايفد وقطع العلاقات، ووقف كل أشكال التنسيق المصري في شأن المعابر مع قطاع غزة ما دام الجيش الصهيوني مسيطراً عليها، إضافة الى إعلان مصر انضمامها إلى دولة جنوب إفريقيا في الدعوى المُقامة لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمةالإبادة الجماعية.
أمام الواقع الذي ولَّدته في الشرق الأوسط عملية “طوفان الأقصى” باستعادة القضية الفلسطينية وهج الحق الضائع، الذي غدا من اهتمامات الدول والحكومات، وحرَّك في الغرب الشوارع والجامعات، وهزّ كراسي حُكم الطُغاة، بات للبندقية المقاوِمَة كلامها على الجميع، وباتت هي من ترسم الشرق الأوسط الجديد، وهذا ما لم يحصل خلال الخمسة وسبعين عاماً من تواجد الكيان الصهيوني المحتل.
وبصرف النظر عن الأشخاص، هذا يأتي وذاك يرحل، فإن تاريخاً جديداً يُكتب بأحمر الشهادة ويتجاوز كل الخطوط الحُمر، وساذج مَن يعتقد أن التطبيع مع هكذا كيان يخدم القضية الفلسطينية، أو أن تطبيعاً جديداً قد يحصل على حساب القضية، لأن لا اتفاقيات تورَّط بها بعض العرب وقد يتورَّط بها آخرون، أقوى من اتفاقية كامب دايفد التي اهتزت، والشرق الأوسط على موعدٍ مع قراءة جديدة، عندما تُعلن قيادات محور المقاومة تلازم بندقيتها الإقليمية مع البندقية في غزة، تُطلِق النار معها وتتوقف معها، وعندما تعجز الأساطيل والبوارج عن مواجهة صاروخ يمني، ويُصاب الإقتصاد العالمي بشلل نصفي بسببه، وتتفوق قدرات المقاومة سواء في العراق ولبنان والداخل الفلسطيني على رتابة القرارات الأممية العاجزة عن إحقاق الحق، و على بيانات القمم العربية ذات الشبهة الموصوفة بالشجب الذي لا طائل منه، فطويلة هي الأيام التي تفصلنا عن “اليوم التالي”.
في هذا السياق، أبدى اللواء إحتياط في الجيش الإسرائيلي “اسحق بريك” آخر انطباعاته منذ ساعات قائلاً: الجيش لا يملك القدرة على هزيمة حماس حتى لو طال أمد الحرب، ولا يستطيع إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني.
وأضاف بريك: دخول رفح سيكون آخر مسمار في نعش قدراتنا، واستمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار جيش الإحتياط والإقتصاد، وعدم اتخاذ قرار بشأن “اليوم التالي” في غزة سيؤدي إلى المزيد من القتلى في صفوف الجيش، ومع تصريح “بريك” نختم بالقول: توقيت اليوم التالي ليس بمتناول نتانياهو، وقد لا يراه أبداُ لأنه أبعد من كل حساباته…