ويرى مراقبون أن مهمة البعثة وفق المعلن من جانب مجلس الأمن، هو مساعدة العراق على التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة وحفظ الأمن، وترى بغداد اليوم أنها تستطيع استكمال الطريق بنفسها، بعدما أثير حول اللجنة في الفترات الأخيرة من تدخلات في أمور لا علاقة لها بها، علاوة على أنها لا تمتلك الإرادة الحقيقية لتحقيق الأهداف المكلفة بها نظرا لعدم حيادها إقليميا ودوليا، وهو ما يؤكده عدم قدرتها على معالجة أوضاع النازحين ومعرفة مصير المغيبين وعودة الآلاف من العوائل إلى مناطقهم التي لم تسمح لهم بعض الفصائل والمليشيات المسلحة من العودة إليها.
بداية، يقول المحلل السياسي العراقي، عبد الملك الحسيني، إن "رغبة العراق بإنهاء عمل بعثة "
يونامي" "بعد مضي أكثر من 20 عاما" على بدء مهامها في مساعدة العراق على إحداث تحول ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة، يأتي بناءا على طلب تقدم به رئيس الوزرا السوداني، مبررا بما يشهده العراق من استقرار سياسي وأمني، وما حققه من تقدم في مجالات عدة".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "المهمة الرئيسية للبعثة الدولية كانت تتلخص في إجراء حوار سياسي شامل ومصالحة وطنية وتنظيم الانتخابات وإصلاح قطاع الأمن، وهذه الأمور يجد العراق نفسه قد أحدث تقدما ملموسا وقدرة ذاتية دون الحاجة إلى مساعدة خارجية".
وتابع الحسيني: "من وجهة نظري، فإن مغادرة بعثة الأمم المتحدة للعراق تحمل بعدا إيجابيا، لأنها تحرر العراق من القيود التي تجعل منها دولة منقوصة السيادة، وخاضعة للرقابة الدولية، التي تحاول في بعض الأحيان التحكم في رسم معالم المشهد السياسي والمجتمعي للبلاد".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "البعثة الأممية واجهت انتقادات واسعة من قبل أطراف سياسية ومجتمعية تتهمها بالانحياز وعدم تأدية دورها بمهنية، من شأنها أن تنعكس إيجابا على الوضع في العراق".
وأوضح عبد الملك الحسيني أن "الجانب السلبي لانسحاب "يونامي" من العراق يكمن في غياب الرقابة الدولية عن الأداء الحكومي، وسيبقى الأمر مرتبط بسياسة الحكومة من حيث تطبيقها للمواد الدستورية، التي تضمن التوازن المكوناتي، وإنفاذ سلطة القانون، وتحقيق العدالة المجتمعية، إضافة إلى قدرتها على إجراء انتخابات نزيهة بما يحقق الاستقرار السياسي".
وأكد المحلل السياسي أن "المشكلة التي يواجهها الواقع العراقي لا تكمن بالضبط في حاجة البلاد إلى رقابة دولية من عدمها، بل في وجود دولة قوية توفر العدالة وتضمن الحقوق لشعب متعدد الطوائف والأديان والأفكار، دون محاباة أو تمييز، وإحكام قبضتها على مقدرات وموارد هذا الشعب وحمايتها من عبث الفاسدين".
ولفت الحسيني إلى أنه "بعد هذا القرار، فإن
الحكومة العراقية وضعت نفسها أمام اختبار حقيقي، لإثبات قدرتها في تعزيز دعائم الدولة، المتمثلة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".
من جانبه، يقول المحلل السياسي العراقي، أباد العناز، إن "قرار مجلس الأمن الدولي جاء بعد أن طالبت الحكومة العراقية بإنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة، ولكن هل كان دور البعثة منصفا في تحقيق الرؤية الحقيقية لما يعانيه أبناء الشعب العراقي، وهل تمكنت من إيجاد الحلول المناسبة والمبادرات الإيجابية لأي من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع العراقي… وهل مارست دورها الإنساني الصادق في تنفيذ آلياتها المطلوبة؟".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "البعثة الأممية تغاضت عن العديد من الظواهر والمعايير التي آلت إليها الأوضاع في العراق، فهي لم تمتلك الإرادة الحقيقية بسبب تبعيتها للمصالح الدولية والإقليمية، ولم تتمكن من معالجة أوضاع النازحين ومعرفة مصير المغيبين وعودة الآلآف من العوائل إلى مناطقهم التي لم تسمح لهم بعض الفصائل والمليشيات المسلحة من العودة إليها، ولم تعط أهمية بارزة للأضرار التي يعانيها المواطن من آثار الفساد الاقتصادي وهدر الأموال العامة، وإنما كانت قائمة على بناء علاقات وفق مدلولاتها العامة دون مراعاة لتحقيق العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الإنسان".
وأشار العناز إلى "أنه ورغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي حدد نهاية عام 2025 لإنهاء أعمال البعثة، إلا أنه من الممكن العودة عن قراره، إذا ما رأى أن ذلك فيه فائدة دولية إقليمية تراعي مصالح جميع الأطراف الهيمنة في العراق، أو أي متغيرات قد تشهدها المنطقة أو تتعلق بالمشهد السياسي العراقي".
وتابع المحلل السياسي: "ورغم ما قلناه من تحفظات على آداء البعثة، إلا أن غيابها سيؤدي إلى مزيد من التدخلات الخارجية والعديد من المشاكل الإجتماعية، والخلل في ذلك أن البعثة لم تستطع من إيجاد ركائز وأسس متينة للدور الإنساني بعد انسحابها او إنهاء أعمالها".
وحول تأثير انسحاب البعثة الأممية على الوضع الداخلي، يقول أباد العناز: "على الصعيد الداخلي، فإن قرار مجلس الأمن لم ينه عمل البعثة مباشرة وبقي هناك 18 شهرا، ولكن من الواضح أنه حقق بعض المردودات التي من الممكن أن تتكئ عليها الحكومة العراقية في الاستجابة لطلبها وتعتبره إنجازًا لها بعد عقدين من الزمن، وما آلت إليه نتائج الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني".
وتم إنشاء البعثة "يونامي" في عام 2003، بعد التدخل العسكري الأمريكي البريطاني، وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين.
وتضمنت ولايتها التي تم تعزيزها في 2007 وتجديدها سنويا، دعم الحكومة لإجراء حوار سياسي شامل ومصالحة وطنية وتنظيم الانتخابات أو إصلاح قطاع الأمن.
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قال في وقت سابق إن "قدرات قوات الأمن العراقية تنامت بصورة كبيرة تظهر في مستويات الاستقرار والأمن التي يشهدها العراق في الوقت الحالي".
ولفت السوداني إلى أن "الوضع الأمني في العراق يؤكد أن بغداد حققت تقدما في ملف إنهاء وجود التحالف الدولي بالبلاد"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية "واع".
وأصبح موقف بغداد أكثر وضوحا بالنسبة
لإنهاء مهمة التحالف الدولي بالبلاد منذ تنفيذ واشنطن ضربات جوية على مواقع في سوريا والعراق، قالت إنها كانت مصدرا لاستهداف جنودها في قاعدة عسكرية بالأردن.
وأعلنت بغداد رفضها للقصف الأمريكي، وقالت إن استمرار وجود التحالف الدولي في العراق يزعزع استقرار المنطقة، كما أكد رئيس الوزراء العراقي أن "القوات الأجنبية لم يعد لها دور في البلاد بعدما أصبح العراق يمتلك قدرات أمنية متطورة.