10 سنوات على فتوى الجهاد الكفائي.. كيف أسهمت في دحر الإرهاب عن العراق وتحقيق السلم المجتمعي؟
شكلت فتوى الجهاد الكفائي والتي أطلقتها المرجعية الدينية العليا في العراق عام (2014)، ضد ارهاب داعش، منعطفًا مهمًّا في تاريخ العراق، أعادت إلى الأذهان الفتوى الّتي أطلقها علماء النّجف في عام (1921) ضدّ الاحتلال البريطانيّ لتنطلق بها ثورة العشرين الّتي كان لها الفضل في تأسيس الدّولة العراقيّة الحديثة.
وإذا كانت الفتوى الأولى ضدّ قوّات نظاميّة هي الجيش البريطاني، فإنّ الفتوى الثّانية كانت ضدّ قوّات غير نظاميّة استخدمت الإرهاب وسيلة للوصول إلى أهدافها ولكن الاستجابة لكلا الفتوتين كانت واحدة، فقد اندفع آلاف الرّجال من مختلف الأعمار للقتال في ساحات المعارك معبّرين عن تأييدهم لنداء المرجعيّة الدّينيّة ومجسّدين في الوقت ذاته درجة تلاحمهم كجماهير مع مرجعيّتهم.
وكانت الفتوى سببًا رئيسًا للتعبئة الاجتماعيّة والجماهيريّة الواسعة التي تمثّلت ليس فقط بالمتطوّعين الّذين تطوّعوا للدّفاع عن المناطق الّتي احتلّها داعش وساهموا على مدى ثلاث سنوات في تحريرها، وإنّما مساهمات الشّعب العراقي والمؤسّسات والمنظّمات كانت متعدّدة.
10سنوات على هذه الفتوى، التي أطلقها المرجع السيد علي السيستاني، لم ينس فيها العراقيون تلك اللحظات العصيبة التي مرت بها البلاد، بعد أن احتلت عصابات الموت السوداء جزءاً من أرض الحضارات، واستباحت قدسية هذا الوطن بعد أن عاثت فسادا وقتلا، سنوات لم تمح من ذاكرة الوطن بسبب بشاعتها.
ويؤد العراقيون، أنه لولا تلك الفتوى العظيمة التي أطلقها المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، لما تغيرت معايير المعركة وما كان لمعطيات الحرب أن تتحول بدرجة أذهلت العالم، بعد أن رسم أبناء الوطن ملحمة بطولية قل نظيرها.
ووضعت هذه الفتوى أسسا جديدة لقواعد القتال بعد أن توحدت القوات المسلحة مع الحشد الشعبي تحت راية واحدة، وساهمت بشكل مباشر في تعزيز الأمن وخلق بيئة اجتماعية داعمة للقوات الأمنية العراقية وتحقيق الاستقرار وتعزيز القوات الوطنية وتوفير الدعم والإسناد والمعدات الضرورية لها.
كما وضعت الفتوى القيادات السياسية في العراق أمام مسؤولية وطنية وشرعية كبيرة ووحدت الموقف، وحظيت في حينها بتأييد رسمي وشعبي، وكان لها دور كبير في الحفاظ على سيادة واستقرار البلد وتحريره من الاحتلال الداعشي.
وعلى صعيد المنجزات العسكرية والأمنية، فقد جاءت نتيجة ملاحم بطولية محت صورة الانتكاسة التي حصلت عندما احتلت الجماعات الإرهابية أجزاء من البلد وكان من الضروري استنهاض الشعب العراقي. هذه الفتوى المباركة والملحمة الكبيرة بين العراقيين والمنجز ما كان ليتحقق لولا تضافر الجهود لكل الأجهزة الأمنية ولكل أطياف الشعب العراقي التي استنهضها نداء المرجعية سواء من الشباب أو كبار السن وحتى النساء كان لهن الدور الكبير في تقديم الدعم اللوجستي وحتى الواجبات الإنسانية والنفسية الكثير من النساء دفعت أولادها للدفاع من البلد العزيز.
غير أن ما حصل في العراق بالعام 2014 وسقوط عدد من المحافظات العراقية بيد العصابات الإرهابية أحدث وضعاً صعباً للغاية وجاءت فتوى الجهاد الكفائي لتحيي وتستنهض الهمم بعد أن وصل العراق على شفير الهاوية، حيث رصت صفوف الشعب ولمّت شمله وأعادت هيكلة المجتمع بشكل عام ونجحت نجاحا باهرا في هذا الأمر.
وبالإضافة إلى فتوى الجهاد، أطلقت المرجعية الدينية العليا في العراق، توصيات عدة، نصت على احتضان الأسرى وأبناء المناطق المحررة، كما قدمت عبر معتمديها البالغ عددهم نحو 400 بمختلف المحافظات مساعدات إغاثية، وأسبوعياً تتم زيارة جبهات القتال ومحطات اللاجئين والنازحين، إلى جانب استقبال نحو 14 ألف أسرة في محافظة كربلاء المقدسة.
كما أوصى السيد علي السيستاني بأُسر الشهداء، إذ إن من بين الأعمال التي حققتها المرجعية بناء ما يقارب الـ1000 منزل لأسر الشهداء من قبل لجنة إسكان أسر الشهداء، فضلا عن الأعمال التي تؤديها العتبات ومنها العباسية ومؤسسة العين لرعاية أبناء الشهداء وتوفير المستلزمات الضرورية لعلاجهم.
هذا، وافتتحت العتبة العباسية مؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات، حيث صدرت توصيات المرجعية بكتابة التاريخ وعدم السماح بضياعه”، في حين أن موسوعة الدفاع المقدس، وثقت محطات مهمة من تاريخ العراق لكي تطلع عليها الأجيال القادمة.
وجاءت فتوى الدفاع جاءت في ظرف شهد صعود هيمنة الظاهرة الإرهابية وتحول مشروعها من إطار التهديد إلى إطار التنفيذ، حيث أسقطت هذا المشروع التكفيري وشحذت الهمم من خلال تطوع مئات آلالاف من الناس وفي مختلف المدن والمحافظات وشرائح المجتمع لاسيما الشباب وأبناء العشائر والقوى الاجتماعية والسياسية. كما وأوجدت كياناً عسكرياً قوياً هو الحشد الشعبي، استطاع ان يقهر العصابات الإجرامية وأعطت دافعا لأبناء القوات المسلحة بمختلف صنوفها في مطاردة هذه العصابات وطردها من مختلف المدن.
ومنحت الفتوى منحت الثقة والحماية لأبناء المناطق التي سيطرت عليها العصابات الإرهابية ودعتهم إلى مساندة القوات العراقية، كما ومثلت حالة من الوحدة الوطنية من خلال استجابة واحترام جميع مكونات المجتمع لفتوى المرجعية.
كما تضمنت الفتوى أبعاداً سياسية مهمة من خلال التأكيد على أن حالة عدم الاستقرار السياسي قادت في النهاية إلى صعود العصابات الإرهابية، إلى جانب أبعاد اجتماعية، وأهمية الفتوى في الدعوة للتماسك والاندماج الاجتماعي بين مختلف المكونات، ما أعطى قوة و هيبة للعراق في مواجهة التحديات والتهديدات.
واستطاعت الفتوى في نهاية المطاف، أن تقوي من عزيمة المؤسسة العسكرية بعد أن شابها الخلل، ولم تقتصر أهميتها في تحقيق النصر فحسب، بل امتدت إلى توحيد الصف العراقي وحفظ السلم المجتمعي.