موسكو-سانا
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العالم تغير ووصل نقطة اللاعودة إلى ما كان عليه في السابق على الساحة الدولية وعلى مستوى الاقتصاد والمنافسة، مبيناً أن واشنطن تواصل تقويض الأمن العالمي بسبب خروجها من اتفاقيات الأسلحة.
وأوضح بوتين خلال لقاء اليوم مع الكوادر القيادية في وزارة الخارجية الروسية بحضور وزير الخارجية سيرغي لافروف أن انهيار “النموذج الغربي” للأمن العالمي أوصل العالم إلى نقطة اللاعودة، ولذلك حان الوقت لإجراء نقاش موسع بشأن نظام أمني جماعي بديل يقوم على الضمانات الثنائية ومتعددة الأطراف.
وقال بوتين: “إن تعدد القطبية واحترام القانون الدولي تسمح بحل أعقد القضايا لمصلحة الجميع وبناء العلاقات ذات المصلحة المتبادلة وضمان الأمن للشعوب، وروسيا مهتمة بإنشاء نظام أمني غير قابل للتجزئة عبر الحوار، بما في ذلك داخل أروقة الأمم المتحدة.
وانتقد الرئيس الروسي الجوهر الأساسي في دبلوماسية حلف الناتو مع الدول التي يريد التدخل في شؤونها الداخلية وقال: “إن المبدأ الرئيسي لدبلوماسية الناتو العقيم في حل النزاعات الداخلية المعقدة، هو اتهام أحد الأطراف، ممن لا ينالون لسبب ما إعجاب الحلف، بكل الذنوب والهجوم عليه بكل القوى السياسية والعسكرية والعقوبات والقيود الاقتصادية”، مشيراً إلى أنه لا توجد دولة في العالم محصنة من الانضمام إلى قائمة ضحايا الدبلوماسية الغربية.
وأضاف: “تدخل الناتو في العراق وسورية وليبيا وأفغانستان، وغيرها، لم يجلب أي شيء سوى تفاقم المشاكل القائمة، وتدمير دول بأكملها، وانتشار بؤر الكوارث الإنسانية والاجتماعية والجيوب الإرهابية”.
وشدد بوتين على أن أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون مستعدون لحل المشكلات الأساسية للنظام الأمني العالمي غير القابل للتجزئة، كما أن روسيا مستعدة لإجراء حوار جدي وحقيقي مع جميع الدول حول كل القضايا المتعلقة بالأمن الدولي انطلاقاً من وثيقة الأمن التي تقدمت بها نهاية عام 2021.
وأعلن الرئيس الروسي أن بلاده تقدم اقتراح سلام حقيقي للنظام في كييف والغرب، وهي جاهزة للجلوس حول طاولة المفاوضات بشرط أن تنسحب القوات الأوكرانية من دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيه وخيرسون، وأن يتم ترسيم الحدود الجغرافية فيها وأن توافق على الحيادية ونزع السلاح واجتثاث النازية.
وقال بوتين: “عندما تعلن كييف موافقتها على ذلك وبقاءها دولة حيادية وعدم الدخول في حلف “الناتو” سيتم من جانبنا فوراً إعطاء الأوامر بوقف إطلاق النار وسحب القوات العسكرية من جبهة القتال وإجراء الحوار”.
وأضاف بوتين: “إذا كانوا في كييف سيرفضون المقترح الروسي فهذا شأنهم، لكن الواقع الحالي سيتغير فيما بعد ليس في صالح كييف، فالظروف سوف تكون مختلفة، ولن نوافق على وقف مؤقت لإطلاق النار كما يريد الغرب لأن ذلك يعني إعطاء نظام كييف فرصة لإعادة تموضع قواته”.
وتابع بوتين: “نريد أن يكون نزع السلاح مكتوباً وواضحاً بما في ذلك عدد الدبابات وموضع القوات وبذلك نطوي صفحة المأساة الأوكرانية”.
ولفت بوتين إلى أن سكان مقاطعتي خيرسون وزابوروجيه وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عبروا عن موقفهم بشكل واضح خلال الاستفتاءات وأصبحوا جزءاً من روسيا الاتحادية، وهذه القضية باتت مغلقة إلى الأبد ولم تعد محل نقاش بتاتاً.
وأكد الرئيس الروسي أن محاولات عزل روسيا فشلت، ولكن الغرب حاول تجاوز ذلك من خلال عقد مؤتمر سويسرا والذي هو عبارة عن محاولة خداع جديدة لإضفاء الشرعية على السلطة الحالية في أوكرانيا.
وقال بوتين: “هناك محاولات لخلق أجندة لمؤتمر سويسرا وتوجيه الاتهامات لروسيا وجذب أكبر عدد من الدول ليبدو وكأن الحلول الغربية مقبولة من المجتمع الدولي بأجمعه، وعلى روسيا أن تقبل ذلك بدون شروط”، مضيفاً “لم تتم دعوتنا ما يعني أن هذه ليست مفاوضات، وإنما نية مجموعة من الدول لفرض وإملاء مسارها، من دون مشاركة روسيا ومن دون حوار ومباحثات ومفاوضات نزيهة، لا يمكن أن يدور الحديث عن تسوية الأزمة الأوكرانية وحل أزمة الأمن العالمي”.
واعتبر الرئيس الروسي أن السلطة في أوكرانيا يتم اغتصابها كما حدث في 2014 وقال: “إن المرحلة المأساوية الحالية في تاريخ أوكرانيا بدأت بالاستيلاء بعنف على السلطة والانقلاب غير الدستوري في عام 2014، وبالتالي فإن منشأ نظام كييف الحالي هو انقلاب مسلح، واليوم فإن السلطة التنفيذية في أوكرانيا تم اغتصابها بشكل غير قانوني وغير شرعي”.
وكانت فترة ولاية فلاديمير زيلينسكي انتهت في الـ20 من أيار الماضي وتم إلغاء انتخاب رئيس أوكرانيا في عام 2024 على خلفية الأحكام العرفية والتعبئة العامة.
وحذر الرئيس الروسي الغرب من الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة أو أرباحها، وشدد على أن أية محاولة لاستخدام هذه الأصول ستكون بمثابة سرقة ولن تمر دون عقاب.
وقال بوتين: “إن الغرب بعد تجميد أصول واحتياطيات النقد الأجنبي لروسيا يبحث عن طريقة لإيجاد غطاء قانوني من أجل الاستيلاء عليها، لكن السرقة ستبقى سرقة رغم الخداع ولن تمر من دون عقاب”.
وأضاف بوتين: “إن الغرب من خلال سرقة الأصول الروسية سيتخذ خطوة أخرى نحو تدمير النظام الذي أنشأه بنفسه، حيث يزداد انعدام الثقة في العملات الغربية بسبب قيودها، وبالتالي العالم يدرك أن أي شخص يمكن أن يكون التالي عندما يستولي الغرب على أصول دولته.
وأكد الرئيس الروسي على الدور المتنامي لمجموعة “بريكس” مبيناً أن إمكاناتها ستسمح لها بأن تصبح واحدة من المؤسسات التنظيمية الأساسية لنظام عالمي متعدد الأقطاب.
ورحب بوتين بمسألة انضمام أعضاء جدد إلى المجموعة التي تضم 10 دول بينها 3 دول عربية وقال: “في إطار رئاسة روسيا لمجموعة “بريكس” هذا العام، ستسهل الانضمام السلس لأعضاء جدد إلى المجموعة، وستتخذ القرارات اللازمة لقمة المجموعة في قازان”.
وأكد الرئيس الروسي أن احترام الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل يعد من المبادئ الأساسية في مجموعات مثل “بريكس” التي تمثل الآن 45 بالمئة من سكان العالم، و36 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يتجاوز مساهمة مجموعة السبع البالغة 30 بالمئة.