ترك برس
يرى خبراء ومحللون سياسيون أن تأجيل الميليشيات الانفصالية شمالي سوريا إجراء ما تسميه بالانتخابات البلدية جاء على خلفية تهديدات تركية بشن عملية عسكرية في المنطقة.
وذكرت صحيفة العربي الجديد في هذا الصدد أن تركيا حذّرت أخيراً من التصعيد في سورية مطالبة بتنسيق جهودها مع المحيط الإقليمي، لا سيما العربي منه، لوضع حلول للأزمة السورية المستمرة منذ نحو 13 عاماً، وذلك في ظل التطورات السياسية التي أفضت إلى تقارب عدد من الدول، خصوصاً في الخليج مع النظام السوري تحت إطار عمليات التطبيع.
وجاء التحذير التركي من التصعيد في سورية بالتزامن مع دخول العراق على خط الوساطة لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وفق العربي الجديد.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة خلال الاجتماع الوزاري المشترك السادس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا، والذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة يوم الأحد الماضي، إن "سورية منطقة خطرة أخرى تميل إلى التصعيد".
ولفت إلى أنه "من الضروري اعتماد نهج شامل للتوصل إلى حل مستدام، وأن المجتمع الدولي في سورية يجب أن يكون حذراً بشكل خاص ضد الجهود الرامية إلى تعزيز الأجندات الإرهابية والانفصالية تحت مظاهر مختلفة، مثل القتال ضد داعش أو تنظيم انتخابات مزيفة"، بالإشارة إلى ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سورية، وذراعها العسكرية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي يشكل تنظيم "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي عمودها الفقري.
وأشار فيدان إلى أن الوقت قد حان لجميع أصحاب المصلحة للكشف عن موقفهم المشترك بشأن سورية والعمل بتنسيق أوسع. وقال: "جارنا المشترك العراق، الذي يعد بوابة تركيا إلى منطقة الخليج، يتغلب تدريجياً على المشاكل الناجمة عن الصراعات طويلة الأمد"، مضيفاً أن العراق "مثال جيد على الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها التعاون إلى نتائج هائلة".
وأعلنت ميليشيات "الإدارة الذاتية"، وفي السابع من الشهر الحالي، أنها ستؤجل انتخابات بلدية كانت مقررة في 11 من الشهر الحالي، إلى شهر أغسطس/آب المقبل، وذلك "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية". لكن وفق الوقائع فإنها اتخذت هذا القرار بسبب عدم الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، والتهديد التركي بشنّ عملية عسكرية لتقويض هذه الإدارة.
وانتقدت أنقرة على لسان أكثر من مسؤول فيها الانتخابات، مهددة بالخيارات العسكرية، وهي خيارات دائماً ما تلوّح بها أنقرة في وجه المجموعات الكردية، فيما تطلب من حلفائها المشتركين روسيا والولايات المتحدة، الضغط على تلك المجموعات لإبعادها عن الحدود.
وحول التحذير التركي من التصعيد في سورية وتصريحات فيدان، رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، أن "سورية هي الحلقة الأضعف في المنطقة، بسبب الحرب الداخلية والانقسام، إضافة للتشابك الدولي وتضارب المصالح فيها"، وهي عوامل غير موجودة في دول المنطقة.
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تركيا ترى ذلك، وسط دعوة قسد للانتخابات وغيرها، والتي تعتبرها أنقرة "ترسيخاً للانفصال أو الفيدرالية في سورية"، لافتاً إلى أن "أنقرة توجه رسائل إلى واشنطن مع التلويح بخياراتها العسكرية ضد قسد في حال تمسكت الأخيرة برغباتها السياسية، وبالتالي تريد من الولايات المتحدة الضغط عليها لمنع هذا الأمر".
وبشأن اهتمام أنقرة بالتنسيق مع دول الخليج بشأن سورية، أشار رضوان أغلو إلى أن "تركيا تدرك بأن منطقة الخليج باتت مركز انطلاق الكثير من القرارات الاستراتيجية، بسبب علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة واستقرارها الاقتصادي والسياسي".
وأوضح أن "التنسيق مع الخليج بات حاجة ملحة لتركيا ليكون بوابة للتنسيق مع العرب أيضاً، خصوصاً أن الجامعة العربية تطلب من تركيا احترام سيادة الأراضي السورية والانسحاب"، كما "بات الخليج منفتحاً، لا سيما السعودية، للتقارب مع النظام (السوري)، ولا يمكن أيضاً إغفال الوساطة العراقية، وبالتالي هذه العوامل تتطلب من أنقرة التنسيق مع محيطها العربي والخليجي".
من جهته أشار المحلل السياسي باسل معرواي، إلى أن التحذير التركي من التصعيد في سورية متعلق بالتحديد بمناطق شمال شرق سورية، "لا سيما في ما يخص مسألة الانتخابات وإرجائها بعد تلويح أنقرة بالخيارات العسكرية".
ورجح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "رغم إعلان الإدارة الذاتية تأجيل الانتخابات إلا أن تركيا ستستغل الظروف الدولية لشن عمليتها العسكرية التي دائماً ما لوحت بها في شمال شرق سورية لإبعاد قسد"، مشيراً إلى "صيف ساخن" ينتظر شمال شرق البلاد.
وفي ظل التحذير التركي من التصعيد في سورية أضاف معرواي أن "هناك انشغالا أميركيا في الانتخابات (الرئاسية الأميركية) والوضع في قطاع غزة، بالإضافة إلى أن الأوضاع في المنطقة متشابكة، وسط ضعف روسي واضح، ما ستستغله أنقرة لشن عمليتها، بغض النظر عن تأجيل الانتخابات أو تأجيلها أو دون ذلك".
ونوّه إلى جملة من المؤشرات الأخرى، منها زيارة وفد وزاري تركي إلى بغداد، وزيارة زعيم مليشيا الحشد الشعبي فالح الفياض إلى أنقرة، بالإضافة إلى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، والاتفاق على تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة.
كما من بين المؤشرات "الحديث عن إعطاء ضوء أخضر لتركيا بالتوغل 40 كيلومتراً شمال العراق لحماية حدودها، ما سيقطع الطريق والتواصل الجغرافي بين حزب العمال في العراق وقسد في سورية"، معتبراً أن ذلك "هو الثمن الذي قبضته تركيا للموافقة على مشروع طريق التنمية (مشروع سكك حديد وطرق برية لربط تركيا وأوروبا والخليج)".
ورأى أنه بالإضافة إلى الوضع في شمال شرق سورية، فإن البلاد كلها "على كف عفريت"، خصوصاً "مع استمرار إسرائيل بضرب خطوط الإمداد لحزب الله (اللبناني) في سورية، واغتيال قادة من الحزب والحرس الثوري الإيراني في الأراضي السورية".
وبرأيه، فإنه "مع التلويح الإسرائيلي بشنّ عملية عسكرية ضد حزب الله، فإن ذلك يعني إمكانية اشتعال الوضع في الحديقة الخلفية للحزب، أي سورية، ولا يمكن التكهن بما ستحدثه عملية عسكرية جديدة ضد حزب الله على الوضع في سورية لا سيما جنوبها، وربما يبادر الأردن لاستغلال الوضع وإنشاء حزام أمني لمنع تهريب المخدرات".