ترك برس
تحت عنوان "سياسة تركيا تجاه سوريا.. حيثيات موقف لم يتغير"، تناول تقرير لموقع الحرة الإخباري تطورات الموقف التركي تجاه الملف السوري على خلفية تصريحات هامة أدلى بها وزير الخارجية هاكان فيدان، خلال مقابلة تلفزيونية.
وأشار التقرير إلى أن تصريحات فيدان ضربت على وتر "حساس" لدى الكثير من المعارضين السوريين لكنها لم تحمل جديدا على صعيد سياسة بلاده تجاه الملف السوري بحسب خبراء ومراقبين، وإنما على العكس أعطت صورة أوضح لخارطة طريق طويلة يتطلب المضي بها اتخاذ "خطوة تلو خطوة".
وخلال لقاء متلفز على قناة "خبر تورك"، مساء الاثنين، قال فيدان إن تركيا تريد من النظام السوري استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار الحاصل "لحل المشكلات الدستورية" و"تحقيق السلام مع معارضيه".
وبعدما أشار إلى أن أنقرة لا ترى أن النظام "يستفيد من ذلك بما فيه الكفاية" أكد على أهمية "توحيد سوريا حكومة ومعارضة"، "من أجل مكافحة الإرهاب في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني".
وذكر التقرير أن الموقف التركي الجديد يأتي في ظل انسداد أفق التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد، وبالتزامن مع إصرار الأخير على شرط مسبق لدفع عملية الحوار، يتمثل بانسحاب ما يعتبره "الاحتلال التركي من البلاد".
ولا تزال أنقرة ترفض انسحاب قواتها من سوريا، وتقول إن وجودها في البلاد يرتبط بدفع الخطر الذي يشكله "حزب العمال الكردستاني" على أمنها القومي.
ورغم انخراطها في سلسلة لقاءات استخباراتية ودبلوماسية سابقة مع نظام الأسد لم يتمخض عن تلك الخطوات خلال السنوات الماضية أي نتائج، وأشارت تصريحات المسؤولين الأتراك مؤخرا إلى غياب أي تطور يذكر.
ويؤكد تقرير موقع الحرة أن روسيا وإيران هما الراعيتان لمسار "بناء الحوار" بين أنقرة ودمشق.
وأعلن العراق قبل أسابيع نيته الدخول على الخط، لكن حتى الآن لم يتضح ما إذا كانت بغداد ستحدث انعطافة في الطريق الذي بدأه حلفاء الأسد، وفشلوا في الدفع به إلى الأمام.
ومع ذلك، يشير الجو العام السياسي والإعلامي على خط أنقرة-دمشق إلى وجود تحركات لا تعرف ماهيتها، سعيا لإعادة استئناف مسار "بناء الحوار" كما يطلق عليه الجانب التركي.
وبينما يصر النظام السوري على شرطه المسبق، وتؤكد أنقرة على رؤيتها للحل في سوريا ككل، تثار تساؤلات عما ستؤول إليه العلاقة في المرحلة المقبلة، وعن الأسباب التي دفعت بأنقرة، للمرة الثانية، للتأكيد على "توحيد الحكومة والمعارضة" أو بمعنى آخر "تحقيق المصالحة".
"بين جاويش أوغلو وفيدان"
وسبق أن أثار سلف فيدان، وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو، ذات الفكرة في أغسطس 2022، مما أشعل في تلك الفترة حالة غضب واسعة في شمال سوريا، وتمت ترجمتها بمظاهرات شعبية.
جاويش أوغلو اعتبر حينها أنه "من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، بطريقة ما"، وقال إنه "لن يكون هناك سلام دائم في سوريا دون تحقيق المصالحة".
وعاد فيدان، الاثنين، ليشير إلى النقطة ذاتها لكن بتركيبة أخرى.
وأوضح بالقول: "ما نريده أن يقيّم النظام السوري هذه الفترة من حالة عدم الصراع بعقلانية، وأن يستغل كل هذه السنوات كفرصة لحل مشكلاته الدستورية".
كما تابع: "وتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة الملايين من اللاجئين السوريين الذين فروا إلى الخارج أو غادروا أو هاجروا من جديد إلى بلدهم، ليعيدوا بناء بلادهم وينعشوا اقتصادها".
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي، عمر كوش، أن التصريحات التركية الحديثة المطلقة تندرج في الإطار العام للسياسة التركية، والنهج الذي تتولاه "الخارجية"، وتحديدا مع الجانب الروسي.
وكان فيدان التقى قبل أيام بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في العاصمة الروسية موسكو.
ورغم أن تصريحاته ذهبت باتجاه التأكيد على "استغلال النظام السوري لحالة وقف إطلاق النار من أجل تحقيق السلام مع معارضيه" فقد أشارت إلى وجود "شرط"، بحسب كوش، يتمثل بـ"الورقة الكردية".
ومنذ قيام "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) لم يعد إسقاط النظام السوري أو "حتى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254" أولوية لدى أنقرة، كما يوضح المحلل السياسي لموقع "الحرة".
وفي مقابل ذلك وضعت تركيا "الورقة الكردية" وضرورة منع إقامة أي كيان لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" والميليشيات التابعة له ومخرجاته المدنية على قائمة الأولويات.
وعلى أساس ذلك، يتابع كوش، أن "توحيد المعارضة والنظام يعني مكافحة قسد ومنشئها الأساسي، وهو حزب العمال الكردستاني الذي له تأثير كبير على التشكيلات العسكرية والمدنية بشمال شرق سوريا".
"الموقف لم يتغير"
وتنظر أنقرة منذ سنوات إلى "قسد" على أنها ذراع مرتبط بـ"العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب في تركيا ودول أوروبية.
وأطلقت سلسلة عمليات عسكرية ضدها خلال السنوات الماضية.
وكانت قد اتجهت مؤخرا إلى تنفيذ استهدافات جوية عن طريق الطائرات من دون طيار، مما أسفر عن مقتل الكثير من قادة "قسد" وآخرين يتبعون لـ"العمال الكردستاني" في شمال شرق سوريا.
ولتركيا قوات كثيرة في الشمال السوري، وتنتشر في محافظة إدلب وأرياف حلب وصولا إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين، بعدما أطلقت عملية "نبع السلام" في 2019.
وحتى الآن تؤكد أن وجودها خارج الحدود مرتبط بـ"منع التهديدات ومكافحة الإرهاب"، الذي تراه مرتبطا بـ"وحدات حماية الشعب" (عماد قسد العسكري) و"حزب العمال الكردستاني".
كما تدعم أنقرة تحالف "الجيش الوطني السوري" الذي يعتبره النظام السوري "منظمة إرهابية"، يجب تفكيكها.
ويرى النظام أيضا أن انتشار الأتراك في سوريا يعتبر "احتلالا"، بينما يؤكد على ضرورة "إنهائه" كخطوة أولى للمضي بعملية "التطبيع".
ويوضح الباحث السياسي التركي، الزميل غير المقيم في "المجلس الأطلسي"، عمر أوزكيزيلجيك، أن "الموقف التركي من العلاقة بين نظام الأسد والمعارضة السورية لم يتغير وهو على حاله منذ سنوات".
وتريد تركيا حلا سياسيا في سوريا، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما يقول الباحث لموقع "الحرة".
وينص هذا القرار على تشكيل حكومة انتقالية ومصالحة بين نظام الأسد والمعارضة السورية.
لكن، وحتى الآن، لا يرغب نظام الأسد في الدخول في أي حوار بنّاء مع المعارضة السورية.
وقد ذكر وزير الخارجية التركي هذه النقطة (سلام النظام مع معارضيه) "ليؤكد أن تركيا بنّاءة وداعمة للحل السياسي، لكن المشكلة في دمشق"، وفق أوزكيزيلجيك.
"المصالحة جزء من التسوية"
ويشير الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، إلى وجود "3 أهداف وضعتها تركيا لسياستها الحالية في سوريا، من بينها دفع عملية التسوية السياسية للصراع".
ويرى في حديثه لموقع "الحرة" أن "فكرة المصالحة بين النظام والمعارضة تنسجم مع مبدأ التسوية، التي تتطلب من منظور تركي خطوات مُتعددة، مثل إجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، وإعادة تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية".
وسبق أن تبنت أنقرة النهج المذكور، منذ أن شرعت في حوار مع النظام قبل أكثر من عام ونصف، بحسب علوش.
ويمكن تلخيص السياسة التركية تجاه سوريا في 3 فئات رئيسية، كما يشرح الباحث التركي أوزكيزيلجيك.
الفئة الأولى هي السعي إلى حل سياسي في سوريا، إذ تريد تركيا أن ينتهي الصراع هناك، وتعتقد أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للمضي قدما.
أما الفئة الثانية فتتعلق بـ"مكافحة الإرهاب".
ويقول الباحث التركي إن بلاده "لن تسمح بإقامة دويلة للعمال الكردستاني في سوريا"، وتعتقد أن "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا الحالية تشكل تهديدا لسلامة الأراضي السورية".
كما تعتقد تركيا أيضا أن "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية سيضمن الأمن القومي التركي"، وفق أوزكيزيلجيك.
ويشير إلى أن الفئة الثالثة تتعلق بـ"تركيز تركيا على الهجرة"، ومساعيها لمنع موجات جديدة من سوريا، و"تسهيل العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم".
"التسوية تكمن عند النظام"
وتتلقى "قسد" دعما من الولايات المتحدة الأميركية، ولم يبد النظام السوري أي بادرة خلال السنوات الماضية لمحاربتها انسجاما مع الإرادة التركية.
وكان المسؤولون في دمشق يصرون على ضرورة انسحاب القوات التركية والإيذان بذلك قبل البدء بأي عملية بناء حوار مع أنقرة.
ويرى الباحث علوش أن "استمرار الصراع السوري أصبح يُشكل عبئا كبيرا على تركيا على مستوى ملفي الأمن واللاجئين".
ويقول إن أنقرة "تُدرك أن إنهاء هذا الصراع يتطلب في نهاية المطاف تسوية سياسية، وهذا ما لا يُمكن تحقيقه من دون أن يقبل النظام بمبدأ التسوية والانخراط في هذه العملية".
وتكمن مشكلة التسوية السياسية في النظام وليس في المعارضة، والأتراك يعرفون ذلك تماما، بحسب علوش.
وبينما تريد تركيا تركيز أولوياتها في سوريا الآن على مكافحة الإرهاب تعرف أن "مُعالجة هواجسها الأمنية إزاء الوحدات الكردية لا يُمكن أن تتحقق تماما دون معالجة الأسباب الجوهرية التي خلقت هذه المشلكة وهي الصراع السوري".
ولا يزال النظام السوري يتهرب من دعوات الدول الغربية، ودول الجوار، للانخراط في قرار مجلس الأمن الخاص بالحل السياسي في سوريا، المعروف برقم 2254.
ورغم أن عملياته العسكرية انحسرت خلال العامين الماضيين، لا تزال نبرة التهديد قائمة لديه، خاصة ضد إدلب التي تضم أكثر من 4 ملايين مدني، ومناطق ريف حلب الشمالي والشرقي.
ويعتقد المحلل السياسي كوش، من جانب آخر، أن "كلام فيدان الجديد موجه بالصورة العامة للأسد والنظام، وبشكل مبطن للروس".
ويبدو أن حديثه وتصريحاته تصب في إطار التحضير للقاء المرتقب في شنغهاي بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
ووفقا لوسائل إعلام تركية فإن "الملف السوري سيكون أحد الملفات الرئيسية على طاولة الرئيسين".