"بين مسارين" في ملف سوريا.. هل تصبح بغداد عاصمة "مفاوضات مستقبلية"؟

قناة الحرة

"بين مسارين" في ملف سوريا.. هل تصبح بغداد عاصمة "مفاوضات مستقبلية"؟

  • منذ 4 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:
منذ بداية شهر يونيو وعلى نحو لافت برز اسم العراق ضمن مسارين سوريين، الأول يتعلق بجهود "الوساطة" في عملية بناء الحوار بين أنقرة ودمشق والثاني ذهب باتجاه مسار "اللجنة الدستورية" السورية، بتأكيد الأخير وحليفه الإيراني على ضرورة استئناف جولاتها في العاصمة بغداد، بدلا عن جنيف. 
وفي حين لا تعرف طبيعة الدور الذي قد تلعبه العاصمة العراقية في المشهد السوري في المرحلة المقبلة يوضح خبراء لموقع "الحرة" أن بروز اسم بغداد يسير باتجاه تحويلها إلى "عاصمة مفاوضات مستقبلية"، استنادا لمحددات داخلية وأدوار لعبتها سابقا ضمن هذا الإطار. 
وما يزال مسار الدفع بالحوار بين النظام السوري وتركيا معلقا حتى الآن. 
لكن ووفقا لمصدر حكومي نقلت عنه وكالة "شفق نيوز" العراقية، مطلع يونيو، فإن مساعي بغداد لـ"تذويب الخلافات بين دمشق وأنقرة ومحاولة إعادة العلاقات إلى سابق عهدها أثمرت عن اجتماع سيجمعهما في العاصمة العراقية قريبا". 
وأشارت الوكالة إلى أن "وجود ترحيب كبير من قبل دمشق وأنقرة بوساطة بغداد"، مضيفة أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني وفريقه الحكومي "توصلوا خلال الفترة الماضية إلى نتائج إيجابية بهذه الوساطة عبر اتصالات ولقاءات ثنائية غير معلنة". 
وتحدث السوداني بنفسه عن ذات القضية على قناة "خبر تورك" التركية، مطلع يونيو. 
وشكلت تصريحاته آنذاك "نقلة نوعية بعد أن نجحت حكومته في تحقيق توافق سياسي بين السعودية وإيران مطلع العام الماضي، وكادت أن تحقق ذات الشيء بين إيران والأردن ومصر، لولا تعثر المحادثات بين البلدان الثلاثة"، كما يشير فراس إلياس، أستاذ "الاستراتيجية والأمن الوطني" في جامعة الموصل. 
وفيما يتعلق بمسار "الدستورية السورية" فقد طالب مندوبا النظام السوري وإيران لدى الأمم المتحدة، الأربعاء، بعقد اجتماعاتها مجددا في بغداد. 
وتؤكد المعارضة السورية حتى الآن على رفضها للموقف المذكور على لسان مسؤولي النظام وإيران، ولم يؤيده علنا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، إذ يصر على ضرورة استئناف المسار الدستوري الخاص بالبلاد في جنيف. 

ماذا وراء بروز اسم بغداد؟ 

وترتبط بغداد بعلاقات طيبة مع النظام السوري وإيران، وكذلك مع تركيا. 
لكنها بعيدة عن أطراف المعارضة السورية، ولذلك تسود ضبابية حول إمكانية إحداثها أي خرق يتعلق باستئناف اجتماعات كتابة الدستور السوري على أرضها عوضا عن جنيف. 
ويعتقد المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي، أن "شكل العاصمة العراقية المستقبلي بين سوريا ولبنان وإيران والولايات المتحدة الأميركية سيشابه إلى حد كبير الدور الذي لعبته سلطة عُمان في عملية التوافق بين دول الخليج وإيران". 
ويضيف لموقع "الحرة" أن "سلطة عمان كانت مركزا تفاوضيا بين جميع الخصوم، والآن تأخذ بغداد دورا مشابها في الشرق الأوسط". 
ويعود ذلك لفكرة أن "بغداد هي العاصمة التي يوجد فيها نوعين رئيسيين من النفوذ أو أكثر"، بحسب المحلل الهيتي. 
وعلى أساس أن فيها نفوذا أميركا "هائلا" وكذلك على الصعيد الإيراني، وعلى أرضها جزء لا يستهان به من النفوذ التركي يمكن القول، وفقا للهيتي، إن بغداد "باتت عاصمة تجمع الأجندات المختلفة". 
كما يُنظر إلى بغداد على أنها موقف مناسب لـ"المفاوضات" بسبب موقفها المؤيد لسوريا وإيران، كما يقول الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود البازي. 
ويضيف أن ما سبق "يساعد في تحقيق التوازن في ديناميكيات اللجنة الدستورية التي كانت ترجح لكفة الغرب في تكوينها المتمثل في قوى المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني والحكومة السورية". 
وقد توفر هذه التركيبة "بيئة أكثر دعما للحكومة السورية، التي تتماشى مع المصالح الإيرانية، مقارنة بجنيف، حيث النفوذ الغربي أقوى". 

"دفعة ودعم إيراني"  

وفقا لأستاذ "الاستراتيجية والأمن الوطني" في جامعة الموصل، فراس إلياس تدرك حكومة السوداني أهمية النجاح في تحقيق المسعى السياسي الإقليمي (الوساطة)، لاسيما وأن رئيسها يطمح لتحقيق ولاية ثانية العام المقبل. 
ومن خلال تقديم نفسه "كصانع للسلام الإقليمي" يمكن أن يعطي ذلك للسوداني "دفعة قوية لتحقيق نوع من الدعم الخارجي له"، حسب إلياس. 
ويأتي ذلك في حال تعرض لضغوط داخلية من قبل القيادات السياسية الشيعية المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، والتي قد تنافسه على رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة، بحسب ذات المتحدث. 
ومن ناحية أخرى، يوضح إلياس أن "أي تقارب يحدث بين تركيا والنظام السوري سيمثل جائزة كبرى لإيران، وتحديدا في الساحة السورية". 
كما سيؤدي بشكل أو بآخر إلى إعادة تهذيب الدور التركي، وبالشكل الذي يجعله أكثر توافقا مع الدور الإيراني في الساحة السورية"، بحسب حديثه. 
وعلى أساس ذلك، يشير إلى أن انخراط رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، فالح الفياض في سياق "الوساطة" وكذلك دعم قوى "الإطار التنسيقي" للسوداني "يمثل بشكل آخر دعم إيراني للتحرك العراقي". 
ويرى إلياس أن "ما لم تحققه إيران من تركيا عبر مسار أستانة، قد تحققه عبر الوساطة العراقية"، وأن "نظرة بسيطة لطبيعة المكاسب التي قد تحققها طهران في الساحة السورية من أي تقارب بين تركيا والنظام سيجعلها أكبر الداعمين لمبادرة السوداني". 
ومن شأن التوافق المذكور وفق قوله أن "يجعل دورها الإقليمي أكثر تأثيرا، خصوصا وإنها تطمح لجعل هذه المبادرة بمثابة انطلاقة إقليمية للفوز في قطف المزيد من الاستحقاقات السياسية في سياق مبادرة الحل السياسي للحرب في غزة". 

"بين خصمين والدستورية" 

ورغم أن النتائج ما تزال "صفرية" في العلن على خط بناء الحوار بين أنقرة ودمشق تشهد الأيام الحالية حراكا على صعيد التصريحات وتبادل الأهداف والرؤى. 
وفي حال انخرطت بغداد في العملية المستمرة منذ بداية عام 2022 ستكون الطرف الوسيط الثالث من نوعه، بعد روسيا وإيران. 
لكن على الطرف المقابل وفيما يتعلق بـ"اللجنة الدستورية السورية" تشير تعليقات لأعضاء معارضين فيها إلى حالة من التمسك بانعقاد اجتماعات المسار في جنيف. 
ويعتبر حسن الحريري عضو "الهيئة المصغرة" في اللجنة الدستورية أن تأكيد النظام وحليفه الإيراني على ضرورة استئناف اللجنة في بغداد بمثابة "مناورة"، ومحاولة لإظهار أنهم منسجمين مع العملية الدستورية ومتوافقين معها بالإيجاب. 
ويشير طارق الكردي عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المعارضة لموقع "الحرة" إلى أن المشكلة ليست في المكان، بل في العراقيل التي يضعها النظام السوري، والتي جعلت 8 جولات ماضية دون أي نتائج. 
ويقول: "بالنسبة لنا (كهيئة تفاوض سورية معارضة) ما زالنا نعتبر أن "جنيف هي المقر الرئيسي الأساسي والرئيسي لاجتماعات الدستورية". 
ومن خلال اختيار بغداد تستفيد سوريا (النظام) وإيران من معارضة روسيا لجنيف لتحويل المكان إلى موقع أكثر توافقا من الناحية الجيوسياسية مع مصالحهما والمصالح الروسية، كما يعتقد الباحث السياسي البازي. 
ويمكن اعتبار الدعوة إلى عقد الاجتماعات في بغداد "بمثابة الخطوة الأولى في نقل هذه المناقشات تدريجيا إلى دمشق"، على حد قوله. 
ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز السيطرة على عملية الانتقال السياسي في سوريا. 
ويتابع البازي أن "الأمر مدفوع بالضعف في الموقف الأوربي والأميركي والعربي من التسوية السياسية، حيث تحاول الحكومة السورية تقليل النفوذ الغربي والأميركي". 

"رسائل وعاصمة مفاوضات" 

ويرى الباحث في الشأن الإيراني البازي أن النظام السوري وإيران يحاولون "تحصيل ملعب مبدئي ومناسب لهم (بغداد)، كمقدمة لنقل المفاوضات إلى دمشق". 
ويعتقد أيضا أنهم يحاولون "تحويل بغداد إلى عاصمة مفاوضات مستقبلية لكل الملفات الإقليمية، سواء بين النظام وتركيا أو اللجنة الدستورية"، مستفيدين بذلك من دورها السابق في المفاوضات بين الرياض وطهران. 
ويسلط ما سبق الضوء على "الدور المتضائل لمساحات النفوذ التقليدية التي يهيمن عليها الغرب مثل جنيف لصالح العواصم الإقليمية الأكثر توافقا مع المصالح السورية والإيرانية"، على حد تعبير البازي. 
ورغم أن بغداد "لاعب محوري ليس مؤثر ومغيّر" إلا أنها "مكان مناسب لطرح جميع الأجندات المختلفة، والتوافق على فكرة معينة"، بحسب حديث المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي. 
ويعتبر أنه قد "نرى حلا سوريا أميركيا إيرانيا في بغداد، ومدفوعا بالتخوفات من اندلاع حرب محتملة بين حزب الله وإسرائيل". 

"اعتبارات وراء الانخراط" 

من جهته، يعتقد الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أن بروز دور العراق "كوسيط إقليمي" مدفوع أولا باعتبارات بغداد. 
وأهم تلك الاعتبارات: تحييد العراق عن حالة الاستقطاب الإقليمي وتجاوزها، بما ينعكس إيجابا على الوضع الداخلي العراقي أمنيا واقتصاديا. 
إلى جانب تعزيز هوامش العراق في علاقته مع الدول الإقليمية وأبرزها إيران، وفقا لحديث الدسوقي لموقع "الحرة". 
ويوضح أنه "مما يساعد العراق على تولي دور الوسيط هو علاقته الجيدة مع مختلف القوى الفاعلة في المنطقة وأبرزها إيران". 
ويعتقد أن طهران "لا تمانع في تصدير العراق كوسيط إقليمي، طالما أن هذا الدور يساعدها في الوصول لاختراقات في علاقتها مع الدول العربية، وأبرزها السعودية ومصر والأردن". 
وفي الملف السوري، برز دور العراق كوسيط بين النظام السوري وتركيا بحكم علاقته مع كلا الطرفين، فضلا عن وجود قضايا وتهديدات مشتركة بين هذه الأطراف. 
وبينما لا يستبعد الدسوقي أن يكون لبغداد دورا كوسيط إقليمي بين أنقرة ودمشق لا يرى ذات المشهد على صعيد مسار كتابة الدستور السوري. 
ويشرح بالقول: "إن الغاية من طرح بغداد كمقر لاستضافة اجتماعات (الدستورية) هو إحراج المعارضة وتوتير علاقتها مع بغداد من طرف، وتحميلها مسؤولية الرفض وتعطيل مسار اللجنة من جهة أخرى". 
ومن جانب آخر يشير الأكاديمي العراقي إلياس إلى أن رئيس الحكومة العراقية السوداني "يدرك أهمية سحب ورقة النظام السوري من جانبها الأمني إلى الجانب السياسي، عبر البدء بمسار سياسي يعيد إنتاج تصور جديد للأخير". 
ولن يكتسب الانفتاح السعودي، وكذلك العربي على نظام بشار الأسد دفعة أقوى، "إذا بقيت تركيا خارج معادلة الانفتاح"، بحسب إلياس. 
ويقول في سياق حديثه عن أسباب سير بغداد على طريق الوساطة إن "استمرار التوتر بين (أنقرة ودمشق)، وتحديدا على مستوى الحل السياسي للأزمة السورية، قد يمثل عقدة سياسية تقف عائقا أمام أي مبادرة سياسية للتوافق بين النظام السوري وتركيا والدول العربية". 


عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>