ترك برس
قدم مقال للكاتب والخبير السياسي التركي نيدرت إيرسانال، تحليلا للتوجهات الجديدة في العلاقات الدولية لتركيا، بما في ذلك انضمامها المحتمل إلى منظمة شنغهاي للتعاون وإقامة علاقات مع مجموعة بريكس، مقارنة بالعلاقات التقليدية مع الناتو والولايات المتحدة.
وتناول المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق دور تركيا في السياسة العالمية وتحولاتها الداخلية والخارجية، مشيراً إلى التحديات والفرص التي تواجهها في سياق التعددية القطبية العالمية الحديثة.
وفيما يلي نص مقال إيرسانال بعنوان "كيف يمكن التوفيق بين منظمة شنغهاي والناتو؟":
في الواقع هناك منظمة ثالثة أيضا، وهي منظمة الدول التركية. وإذا قمتم بالعد هناك منظمة رابعة، الاتحاد الأوروبي. وخامسة، وهي مجموعة بريكس. ولا أحسب حتى المشاركة في المنظمات الدولية القائمة في الشرق الأوسط والبلقان وبحر قزوين وأفريقيا.
ومع اقتراب الذكرى السنوية ال75 لتأسيس لحلف الناتو، إذا كان يتم التقاط صور مصافحة أردوغان وبوتين بل وحتى مع علييف وشي جين بينغ… وبعد بضعة أيام ستلتقط صورا مماثلة لبايدن مع قادة دول الناتو مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا. بل وحتى في حال تضمن البيان المشترك الذي سيصدره الناتو، عبارات تهاجم روسيا والصين، وكان توقيعكم أسفله.
وحتى لو لم يجرؤ أحد من أطراف التعددية القطبية على مساءلتكم على ذلك، قائلا: "أنقرة، يا أنقرة الجميلة، كيف يحدث ذلك؟". ألا تتساءلون أنتم أيضا: "كيف يحدث ذلك؟"
جاءت صور تركيا من قمة منظمة شنغهاي للتعاون، بالتزامن مع الرابع من يوليو، وهو تاريخ الاستقلال، أهم مناسبة وطنية أمريكية. طبعا لم يكن اختيار هذا التاريخ مقصودا، بل كان محض مصادفة، لكن الإجابة الرمزية للسؤال "كيف ذلك؟" تكمن هنا نوعا ما.
بدأت العديد من الدول، بفعل كوابيس علاقاتها مع الغرب، بالبحث عن طرق للخروج أو الهروب. وبالنسبة لتركيا فأحد الأسباب الخاصة بها هو "عملية قلنسوة" التي وقعت في الرابع من يوليو 2003م. وبسبب هذه الحادثة، وعشرات الحوادث الخطيرة المماثلة، دخلت أنقرة في "عصر الغموض الاستراتيجي".
"ليسقط من في القمة".
لم يعد من الضروري الالتزام بالمعنى المعروف بتلك المعاهدات الدولية التي يتجاهل فيها أصحابها النظام الحالي وينتهكون التزاماتهم الدولية التي وقعوا عليها بأنفسهم.
"القوة هي القدرة على تنفيذ ما تقوله." إذا أصبحت الآن عاجزا عن القيام بذلك، وقوتك العسكرية تقتصر على إرسال حاملات طائراتك إلى السواحل الإسرائيلية ليتعرض الأطفال للإبادة الجماعية، وإذا كانت أبرز وسائل الإعلام تغطي رئاستك بوضع شارات الرئاسة على المشايات، فإن حلفاؤك الذين تخدعهم باستمرار سيطبقون العدالة بأساليبهم الخاصة.
نحن لا نتحدث هنا عن الولايات المتحدة فقط. هذا ينطبق أيضا على دول مثل إنجلترا وفرنسا، وألمانيا التي ستشارك في قمة الناتو.
إذا نظرت إلى الانتخابات التي أجريت والتي ستجرى في هذه الدول، وإلى من جاء وغادر من القادة، يمكنك أن تلاحظ مدى انحدار جودة القيادة في الغرب. ما عليك سوى إلقاء نظرة على آخر خمسة رؤساء وزراء لإنجلترا، وستجد أن إرثهم السياسي معدوم، ولن نتذكر حتى أسماءهم. لأن إرث أسلافهم الذين نتذكر أسماءهم كان سفك الدماء. لقد أصبحت العواصم متدنية المستوى لدرجة تجعلنا نفكر في أن قوى أخرى تتدخل لضبط النظام العالمي الجديد.
الإعلان الرسمي لـ "التعددية القطبية"
عند النظر إلى الجلسات التي عقدت في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والتصريحات الصادرة عن الاجتماعات الثنائية والمتعددة، وقراءة البيان الختامي، يستحيل عدم رؤية مشاعر العداء الشديدة للغرب. لكن سيكون من الخطأ فهم هذا الموقف على أنه دعوة لـ "سقوط الغرب". فما يسعون إليه هو العدالة والمشاركة، مما يعني تقليص "حصة الأسد" التي احتكرها الغرب حتى الآن. وعندما تمس"لحية" من يفرض الإتاوات، فإن النزاع واقع لا محالة، ونحن نعيش في هذه الحقبة الآن.
"اتفقت الدول الأعضاء في منظمة "شنغهاي للتعاون"، على ضرورة تعزيز دور المنظمة في تعزيز السلام والأمن والاستقرار العالميين، وكذلك تهيئة الظروف لبناء نظام دولي ديمقراطي، جديد وعادل في المجال السياسي والاقتصادي". و"تؤكد دول منظمة شنغهاي على ضرورة احترام حق اختيار الطرق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتنمية بشكل مستقل وديمقراطي. إن سلامة أراضي الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم التهديد باستخدام القوة هي أساس التنمية المستدامة للعلاقات الدولية"...
"تؤكد الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، استنادا إلى تقييماتها للقضايا الإقليمية والدولية، التزامها بإنشاء نظام عالمي أكثر تمثيلا وديمقراطية وعدالة وتعددا للأقطاب." ماذا يقولون أكثر من ذلك؟ هل تتفقون أنتم أيضا؟
"بصفتكم مواطنين أعضاء في الناتو، ومرشحين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ نصف قرن، وحلفاء للولايات المتحدة والمملكة المتحدة"، ما هو رأيكم في ما هو موصوف ومطلوب في هذه الفقرات؟
إذا وافقتم، فستظل معاهداتكم الغربية التي استمرت 75 عاما سارية المفعول، ولكنها ستبقى حبرا على ورق.
هذا هو سر قدرة تركيا على الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون/بريكس والاحتفال بذكرى ميلاد الناتو في نفس الوقت.
دعونا نوضح الأمر على أرض الواقع؛ تركيا تعارض علنا استخدام روسيا للقوة للحصول على أراض في أوكرانيا. ولكن إذا طلبت الولايات المتحدة/الناتو منكم إرسال جنود لمحاربة روسيا، فهل سترسلونهم؟
هذا هو معنى عصر الغموض الاستراتيجي، أو عتبته، بأبسط أشكاله.
الوضع والظروف جيدة.
تتمتع تركيا (بصفتها دولة متوسطة الحجم متطورة وغير عادية) بميزة عدم الاضطرار إلى الاختيار، حيث تستفيد من قائمة الفرص والمخاطر التي يقدمها نظام عالمي جديد. وهنا يكمن أيضا العنوان الأكثر رعبا للغرب والذي لا يُطرح قط في تركيا وسط المناقشات الدائرة حول التعددية القطبية؛ وهو احتمال نجاح الشرق. وكلما تجسد هذا الاحتمال، زادت رغبة الدول مثل تركيا في "الاختيار" أكثر.
وكما انحلت العقدة بين أرمينيا وأذربيجان، فإذا تحققت سيناريوهات كسر الحواجز المستعصية والتي لا يمكن تخطيها، مثل إيران والسعودية، والهند والصين، وتركيا و سوريا، فسيتم تجاوز العتبة، وسيكون السؤال الأكثر إلحاحا: "ما الذي يجب علينا فعله؟"
ثانيا، إن التطورات التي تحدث من خلال المجموعات، على سبيل المثال، مثلث تركيا-أذربيجان-باكستان، أو المجموعات، الأكبر حجما مثل منظمة الدول التركية التي تزيد أوراقها الرابحة، ستساهم في تسريع العملية.
ثالثا، الاقتصاد؛ إن الروابط التجارية الجديدة والمتنامية التي تقيمها تركيا مع أوراسيا بأكملها، وروسيا، والصين، والدول الأخرى، والخرائط الاقتصادية للطاقة والطرق - كما هو الحال مع العراق - ستخلق تأثيرا محفزا. وهناك تقدم كبير في هذا المسار.
تركيا هي نقطة الارتكاز على خريطتنا. الأوضاع والأحوال جيدة. ولكن هل سيكون هناك الكثير من الألم؟ نعم، سيكون، إلا أننا لسنا بحاجة إلى اختيار طريق، فنحن قادرون على صنع طريقنا الخاص.