هدهد المقاومة.. يرى ما لا يراه نتانياهو
قرار الحكومة “الإسرائيلية” الإنتقال إلى المرحلة الثالثة من العدوان على غزة، لم يأتِ لإرضاء أميركا والغرب والوسطاء العرب، ولا هو تلبية لمطالبات المعارضة الداخلية بهدف التمهيد لعملية تبادل الرهائن، بل هو يُعتبر ما يُصطلح بتسميته لدى كل مهزوم، “الإنسحاب التكتيكي”، نتيجة الخيبة الصادمة في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في الداخل على مدى تسعة أشهر، ونتيجة ضربات جبهات محور المقاومة القريبة كالجبهة مع لبنان وسوريا، أو البعيدة مع إيران واليمن والعراق.
وإذا صحّ إطلاق تسمية “الإنسحاب التكتيكي” على هذه الخطوة، فهو تغيير في تقنية العدوان، من ضرب أهداف إفتراضية تقديرية، إلى أهداف إنتقائية تعتمد على العمل الإستخباري للشاباك، بعد أن فرغ قطاع غزة من الأهداف المدنية والبُنى التحتية، وإذا كان هذا “التمرحل” محاولة “إسرائيلية” لإمتصاص نقمة دول العالم على الجرائم المباشرة، فإن جرم تجويع سكان شمال غزة يبدو وكأنه بداية لإنفجار لن تستطيع “إسرائيل” كَتمَ ارتداداته.
وكي لا نذهب بعيداً في تشبيه “المرحلة الثالثة” من العدوان على غزة، فإن ما يحصل في الضفة الغربية، من مداهمات محددة وترويع وقتل وتدمير وتهجير، هو الذي سوف ينتهجه العدو الصهيوني في قطاع غزة تحت عنوان “مداهمة إرهابيين”، وإحكام القبضة الإستخبارية والأمنية على القطاع أسوة بالضفة الغربية.
وأفادت مصادر ميدانية فلسطينية لـ”الشرق الأوسط”، أن القوات “الإسرائيلية” تسعى إلى تكريس إمكانية أن تهاجم أي منطقة أو مكان أو أشخاص في أي وقت من الليل أو النهار، في محاولة لترسيخ السيطرة الأمنية المطلقة، والفصائل الفلسطينية متنبِّهة لذلك، وتدرك أن “إسرائيل” تريد تثبيت واقع جديد، يقوم على أنه لا يوجد مكان آمن في كل قطاع غزة. وأضافت المصادر الفلسطينية، أن “إسرائيل” لن تنجح في ذلك، و”قد اختبرت فشلها عدة مرات في مناطق شمال القطاع”، رغم أنها إدَّعت مراراً أنها قضت على حماس وقوى المقاومة الأخرى في الشمال، بدءاً من أقصاه في بيت حانون، التي دخلتها القوات الصهيونية في الأيام الأولى للهجوم البري، وما زالت المقاومة تتمتع بهامش المناورة فيها، عبر هجوم “الذئاب المنفردة” من بين الأنقاض ومن عمق الأنفاق.
“المرحلة الثالثة” باختصار، هي فشل في تحقيق أيٍّ من الأهداف الصهيونية، خاصة أن حكومة نتانياهو أهدافها مُعلنة، وما العدوان التدميري لقطاع غزة سوى فشل في قراءة قدرات الخصم، وعمى عنصري حاقد، ورؤية عمياء للأهداف، رغم المُسيَّرات التي لا تفارق أجواء القطاع، وكل جهود “الشاباك” وكافة المؤسسات الإستخبارية حول مكان احتجاز الرهائن، أو تواجد قيادات المقاومة، الى حد العجز الذي كشف عنه الجيش الصهيوني منذ أيام ومعه “الموساد”، أن “الحرب على حماس ستستغرق سنوات وهذا فقدان أمل في تحرير الرهائن”، وهذا آخر إثبات وليس الأخير، أن نتانياهو الذي يمتلك بنك أهداف، عاجزة قواته عن رؤية هذه الأهداف، فيما “الهدهد” اللبناني، بعد الحلقتين الأولى والثانية، اللتين بثَّهما الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان، رأى ما قررت المقاومة رؤيته ورصده كأهداف، سواء المباني العسكرية، أو المقرات الإستراتيجية، أو البنى التحتية، وصولاً إلى كل دبابة ومدفع وجندي في الكيان الصهيوني، وبات رجال الميدان في حزب الله يمتلكون “ما يلزم” من تفاصيل دقيقة للأهداف المقررة من قيادة المقاومة متى دقَّت ساعة الصفر.
تزامناً مع مخاوف الجيش والموساد من طول أمد الحرب، أعلن اللواء المتقاعد إسحق بريك، أن استمرار نتانياهو في هذه الحرب، وتمددها إلى الجبهة الشمالية مع لبنان، هو انتحار لدولة “إسرائيل”، وقد سبق له أن أطلق تحذيراً، أن أية مواجهة مع حزب الله سوف تُشعل حرباً شاملة، وتُفتح على إسرائيل ست جبهات، وأن هذه الطبقة السياسية والعسكرية التي تسببت بواقعة 7 أكتوبر، هي نفسها التي قد تقود “إسرائيل” إلى الهلاك.
ما قرر الإعلام الحربي للمقاومة نشره، سواء من مهمة “هدهد 1” أو “هدهد 2″، فإن “إسرائيل” ينتظرها مسلسل طويل من حلقات “هدهد”، وفي نفس سياق الرصد، ليست إسرائيل وحدها المُحبطة من تحقيق أيٍّ من أهدافها، فقد فشلت أميركا في حماية قواعدها من ضربات المقاومة العراقية في العراق وشرق سوريا، وفشلت أيضاً ومعها بريطانيا وبعض الدول الغربية، من التأثير على المنظومات العسكرية اليمنية التي تمنع مرور السفن في البحر الأحمر باتجاه الكيان المحتل، وإذ أعلن سماحة الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الثلاثاء الماضي في المجلس العاشورائي المركزي، أنّه “إذا كانت الأكثرية في العالم تسكت عن نصرة غزة وتأييد إسرائيل فهذا لا يعني أنَّ ذلك حق”، وأضاف سماحته “ليس العبرة بالأكثرية، بل العبرة بالبحث عن الحق سواء كانت معه الأكثرية أو الأقلية”، وأن جبهات الإسناد لغزة في لبنان واليمن والعراق، والإسناد السياسي من سوريا وإيران، صورة إيجابية يُقابلها صورة محزنة من مواقف العالمين العربي والإسلامي تجاه غزة”.
مواقف الدول الإقليمية قد فُرزت منذ بدء العدوان على غزة، وأتت برقية الشكر على التهنئة من الرئيس الإيراني المنتخب الدكتور مسعود بزشكيان الى سماحة السيد حسن نصرالله يوم الإثنين الماضي، لتؤكد دعم الجمهورية الإسلامية في إيران لحزب الله، ولصمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني اللاشرعي، وأن نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأضاف الرئيس بزشكيان، أنه “على يقين بأن حركات المقاومة في المنطقة، لن تسمح لهذا الكيان أن يستمر في سياساته العدوانية والإجرامية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم وسائر الشعوب الإقليمية”.
ختاماً، بقدر ما رأى “الهدهد اللبناني” من استحقاقات مؤلمة على إسرائيل، نتيجة غياب رؤية نتانياهو عن النظر أبعد من كرسي رئاسة الحكومة، فإن البعض في المعارضة “الإسرائيلية” يرى بواقعية، كل المخاطر الآتية من مربط الهدهد اللبناني ومن مربض المقاومة، وكما قال إسحق بريك، هناك ست جبهات سوف تُفتح على “إسرائيل” فيما لو ارتكبت واحدة من حماقاتها، وهذا “الهدهد” اللبناني، عمره من عمر المقاومة، ومن عمر التحرير، ومن عمر نصر تموز، وخبرته في الرصد عقلانية واعية، وهو متى رَصَد، لايكتفي بجغرافية فلسطين المحتلة، بل يرصد تحولات الإقليم بأكملها، وبات من وسائل القوة القادرة للمقاومة في لبنان ضمن لعبة توازن الردع والرعب، هذه المقاومة الحاضرة الدائمة على طاولة صناعة القرارات الجيو-سياسية على امتداد الإقليم…