د. سمير صالحة - أساس ميديا
لا يمكن فصل ما يدور على خطّ أنقرة – دمشق، بدعم روسي، عن الحراك العربي الأوروبي باتّجاه سوريا، وتجاوز العقبة الأميركية الإيرانية الإسرائيلية، وتفعيل خطط تعاون إقليمي مشترك يساهم في حلحلة الملفّ السوري.
لا أحد يتحدّث بعد الآن عن صعوبة أو استحالة انعقاد القمّة التركية السورية بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس السوري بشّار الأسد. التركيز هو على مكان اللقاء وجدول الأعمال الذي سيناقش والأطراف التي ستحضر خلال التقاط الصور التذكارية الأولى من نوعها بعد 13 عاماً من القطيعة والتباعد.
الأنظار مشدودة نحو انعقاد القمّة في شهر آب الحالي بحسب أكثر من مصدر دبلوماسي وسياسي. لكنّ التصريحات الصادرة عن الجانبين التركي والسوري ما زالت تردّد أنّ الهدف ليس عقد مثل هذه القمّة، بقدر ما هو ترتيب جدول أعمالها والوصول إلى نتائج ملموسة باتّجاه تقديم حلول في ملفّ الأزمة السورية والمسار الجديد المرتقب في العلاقات بين البلدين.
دخلت على خطّ الوساطة بين تركيا وسوريا أطراف عديدة لا تريد الكشف عن نفسها. لكنّ هناك أيضاً من يريد أن يحصد ثمار جهوده ويجلس إلى الطاولة المرتقبة. مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني.
الاتّصالات المكثفة للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرنتييف، المكثّفة واكبها تحرّك رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين وفريق عمله على خطّ الوساطة بين تركيا وسوريا. الحصيلة الأولى كانت وصول الأسد إلى موسكو بشكل مفاجىء، ثمّ اجتماع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مع نظيره التركي هاكان فيدان في لاوس على هامش قمّة “آسيان” لتقويم آخر النتائج.
التكتّم والحذر في التعامل مع مسار التفاوض التركي السوري سببهما أنّ الأطراف المتحاورة لا تريد استباق النتائج وتسريع اللقاءات السياسية، قبل التفاهم حول أرضية علاقات جديدة واضحة محدّدة وملزمة كما يبدو.
لا تبحث القيادات السياسية في تركيا وسوريا عن مكان لعقد القمّة الأولى بين إردوغان والأسد بعد أكثر من عقد على القطيعة، بقدر ما يهمّها البناء فوق أسس خارطة طريق جديدة تنظّم العلاقات الثنائية. على أن تتضمّن تفاهمات واضحة ومحدّدة حول أولويات وأهداف المسار الجديد.
هدف روسيا هو تسريع فترة الحوار واختصار طريق تطبيع العلاقات. أما هدف إيران فهو الجلوس إلى أيّ طاولة تفاهمات سياسية وأمنيّة واقتصادية. هدف واشنطن هو عرقلة كلّ هذه الجهود بانتظار حسم إسرائيل مواقفها وسياساتها الإقليمية وإنجاز اختراق سياسي يدعم مشروع شريكها في شرق الفرات.
التحرّك التركي السوري بدعم روسي مباشر يأخذ بعين الاعتبار 3 مسارات عربية وإقليمية فاعلة بدأت التحرّك في العامين الأخيرين على خطّ تفعيل ملفّات اللجوء والمعابر وإعادة إعمار سوريا وإحياء اقتصادها المدمّر. إلى جانب الملفّات الإقليمية الكثيرة التي تعني الطرفين.
أسباب تقدّم “التطبيع” مع الأسد
لكلّ هذه الأسباب لا يمكن فصل تسريع الحلحلة في الملفّ السوري عن:
الحراك الأوروبي الجديد في ضوء الاجتماع المنعقد في بوخارست، عاصمة رومانيا، بعيداً عن أنظار واشنطن. حراك ضمّ مجموعة مسؤولين ويهدف إلى مراجعة الموقف الأوروبي حيال ملفّ الأزمة السورية. قد تكون هذه العواصم متمسّكة بقرارات الاتّحاد الأوروبي إزاء سوريا التي تقوم على لاءات معروفة، بينها لا للتطبيع مع النظام في دمشق، ولا لرفع العقوبات الدولية عنه، ولا دعم أوروبيّاً لخطط إعادة إعمار سوريا ما لم يفتح الطريق أمام تطبيق القرار الدولي رقم 2254 والعملية الانتقالية في سوريا. لكن بين أهداف هذا التحرّك طرح تصوّر أوروبي جديد لا مهرب منه بعد الآن، يتعلّق بإقرار خارطة طريق جديدة تعتمد الحوار مع دمشق بعيداً عن السياسة الأميركية الحالية. التي لا تأخذ بعين الاعتبار سوى مصالحها على حساب متطلّبات المرحلة والتحوّلات الإقليمية الحاصلة في الإقليم.
إعادة تفعيل ما سمّي بـ”المبادرة الأردنية” حول الأزمة في سوريا قبل 3 سنوات. تلك التي تأخذ بعين الاعتبار ضرورة قبول النظام لمسار جديد من التسويات يبتعد عن إيران وسياستها السوريّة، ويجيّر الحوار التركي السوري إلى فرص دعم هذه المبادرة. طبعاً بالتنسيق مع الجانب الروسي في إطار خطط تعاون إقليمي متعدّدة الجوانب لدعم جهود الحلّ في سوريا، وبينها الإنساني والأمنيّ والاقتصادي والسياسي.
هذا إلى جانب تفعيل قرارات مجلس الجامعة العربية في أيار 2023 التي تشمل خطط بناء الثقة بين الأطراف. مع تسهيل عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، انطلاقاً من حوار سوري – سوري. يتبعه طرح خطط تحقّق انسحاب القوات والميليشيات الأجنبية من الأراضي السوريّة.
التمرّد الأوروبي على أميركا
مفاجأة التحوّل في سياسة التكتّل الأوروبي الجديد الذي يضمّ اليوم 8 دول في الاتحاد قد لا تتوقّف عند حدود التطبيع مع دمشق بالمجّان. ستكون هناك مقايضة في ملفّ اللجوء. بعدما تحوّل إلى عبء ماليّ سياسي اجتماعي على أوروبا. وذلك مقابل:
– دعم اقتصادي لسوريا أوّلاً.
– ثمّ دعم الحلحلة في المشهد السياسي السوري من خلال فتح قنوات حوار مع روسيا ثانياً.
– وبعدها التحرّر من السياسة الأميركية المفروضة على أوروبا في سوريا. التي تحوّلت إلى حاجز يقف في وجه محاولات البحث عن سيناريوهات مغايرة تفتح الطريق أمام مسار التسوية والحلّ في سوريا ثالثاً.
“تمرّدت” ثماني دول أوروبية على قرارات الاتّحاد الملزمة بشأن عدم الاقتراب من النظام السوري حتى يتعهّد بتنفيذ بنود القرار الأممي رقم 2254. وهي: النمسا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وإيطاليا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا. وهذا لن يقود فقط إلى تشرذم السياسة الأوروبية حيال بشار الأسد. بل سيعني مغادرة “بيت الطاعة” الأميركي ومواجهة تمسّك واشنطن بفرض موقفها على الحلفاء والشركاء في التعامل مع ملفّ الأزمة السورية.
تقول القراءة الأوروبية الجديدة التي تدعو إلى تموضع جديد في التعامل مع الملفّ السوري، إنّ أميركا تصرّ على فرض سياستها السورية على العديد من العواصم الغربية. وإنّها تستغلّ التباعد والتوتّر الحاصلين لإنجاز مشروعها الذي:
– يخدم مصالح تل أبيب في الجولان ويسهّل إنجاز “قسد” لخططها في شرق الفرات.
– ويعرقل فرص استفادة سوريا من ثرواتها الطبيعية، خصوصاً في غاز شرق المتوسّط.
– ويبقي دمشق بعيدة عن خطّ التنمية العراقي العابر للعديد من الدول.
– ويحرّك ورقة إيران كفزّاعة إقليمية بين دول المنطقة لإبقائها إلى جانبها في التعامل مع قضايا المنطقة.
هكذا لم يعد مستبعداً انفجار أزمة أوروبية – أوروبية وأوروبية – أميركية بسبب السياسة الأوروبية المعتمدة في سوريا.
التصعيد يتقدّم على التهدئة
احتمال كبير أنّه إذا طالت المفاوضات التركية السورية في طريقها باتّجاه المصالحة والتطبيع أكثر من ذلك، فسيكون هناك العديد من العواصم الأوروبية التي ستسبق تركيا في إنجاز هذه الخطوة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها.
فلماذا يقرّر العديد من العواصم العربية والإقليمية مراجعة سياسته السوريّة ويتصالح مع دمشق، بينما تبقى تركيا تحت تأثير السياسة الأميركية في سوريا. تلك السياسة التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل وفرص لعب ورقة إيران ضدّ دول المنطقة؟
أوجز المتحدّث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، عمر تشليك، في أعقاب اجتماع قيادات الحزب برئاسة إردوغان، المرحلة التي أُنجزت في الحوار التركي السوري على مستوى جهازَي الاستخبارات. وذلك بعد انعقاد 3 اجتماعات في فترة زمنية قصيرة من أجل إعداد الملفّات السياسية التي ستناقش على مستوى وزراء الخارجية والدفاع قبل تقديم نتائج هذه الأعمال للرئيسين التركي والسوري تمهيداً لاجتماعهما المرتقب. لا أحد في أنقرة يتجاهل الدور الروسي الفعّال الذي يقوده لافرنتييف وناريشكين والجهود العراقية بإشراف رئيس الوزراء العراقي، لكنّ الأعين موجّهة أيضاً صوب جهود العرقلة الإيرانية الأميركية.
ملخّص الإيجاز ما تردّده القيادات التركية في الحكم، من أنّ سباق السلم والحرب في المنطقة لن يتوقّف. فإمّا السلام الكبير أو الحرب الإقليمية الواسعة. وأنّ أسباب التصعيد الذي تريده إسرائيل وواشنطن تتقدّم على فرص التهدئة.
حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) في غزة تشعل حرب 27 تموز في مجدل شمس التي قد تتحوّل إلى انفجار إقليمي كبير. من بين ما يسرّع اللقاء التركي السوري أيضاً سباق التصعيد الإقليمي على خطّ إسرائيل – إيران، الذي تدعمه وتريده واشنطن كما بدا المشهد عند استقبال نتنياهو في الكونغرس.