المُصهينون !
لا يختلف «المُصهينون» عن التكفيريين في شيء، كلاهما يوجهان سهامهما نحو خصومهما ظلماً وعدواناً وكذباً وبهتاناً، وإذا كان التكفيريون يستبيحون الدماء فإن «المُصهينين» يستبيحون الأخلاق والقيم بالإضافة للدماء، فهم يجعلون كل من لا يوافق هواهم هدفاً مشروعاً للإيذاء النفسي والبدني !
وفي قضية فلسطين أصبحت تهمة «التصهين» عند عرب الشعارات الجوفاء مثل تهمة التكفير عند التكفيريين.. كشربة الماء، أسهل ما ينطقونها وأقل ما يتهمون بها، يملأ أحدهم بطنه بوجبة لذيذة من المكدوس أو «المجبوس» ثم يستلقي في مجلسه المكيف أمام التلفزيون يشاهد نشرة الأخبار موجهاً اتهامات التخوين والتصهين والتكفير عبر منصات التواصل الاجتماعي بكل اتجاه، وبعد أن تنتهي حماسة التعاطف مع أحداث غزة يقضي بقية السهرة في تدخين الشيشة في مقهى تصدح فيه الموسيقى أو يلعب «البلوت» والطاولة مع أصدقاء السعادة قبل أن يتوجه إلى فراشه الوثير !
هذه الفئة من المتعاطفين عن بعد هم من أسباب ابتلاء الأمة، لا يكتفون بإظهار التعاطف مع المظلوم ومشاركة الحزن في سوء الحال، بل ويعوضون شعور الذنب بالعجز عن مواجهة العدو الحقيقي بخلق أعداء أسهل وصولاً وأقرب مسافة، فيشكلون مساحاتهم الخاصة لتوزيع البشر عليها بين عربي ومتصهين، كما يفعل التكفيريون عندما يوزعون الناس بين الجنة والنار، وكأن الفريقين امتلكا صكوك البراءة والغفران !
في الحقيقة يتغذى هؤلاء على المآسي ومعاناة الأبرياء، مشاعرهم ملوثة بالكراهية والحقد، أحكامهم منحازة للشر، عقولهم مرتهنة للمتاجرين بالقضايا والمشاعر، ومستوى ذكائهم متدنٍ، حتى أنهم لا يميزون بين الأعداء والأصدقاء، وإلا ما الفرق بين من يقتل العرب والمسلمين الأبرياء في فلسطين وغزة ومن قتلهم في العراق وسورية ولبنان واليمن ؟!
عزاؤنا أن مفاتيح الجنة والنار لم تكن يوماً بيد التكفيريين، وكذلك مفاتيح الخير والشر لن تكون أبداً بيد «المُصهينين»، فالله شاهد على القلوب والتاريخ شاهد على الأفعال !