ترك برس
أحيا حزب العدالة والتنمية، أمس الأربعاء، الذكرى الـ 23 لتأسيسه حاملاً لقب الحزب رقم الـ 39 والأطول حكماً دون انقطاع في تاريخ الجمهورية التركية
ولم يكن أشد المتفائلين بتأسيس حزب العدالة والتنمية في تركيا قبل 23 عاماً يتوقع أن الحزب الوليد من رحم الأحزاب المغلقة وعبر شخصية أبرز مؤسسيه رجب طيب أردوغان المحظور من العمل السياسي آنذاك، سيحتكر الحكم منذ عام 2002، فيما يعاني اليوم من ترهلات وتحديات بارزة أمام مسيرته السياسية.
مسيرة التأسيس التي ظهرت للعلن يوم 14 أغسطس/آب 2001، لم تكن سهلة، وبدأت منذ عام 1998 بتأسيس حزب جديد للرؤية الجديدة التي أسسها القيادي الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، على أنقاض حزب الرفاه المغلق، ليتم تأسيس حزب الفضيلة، الذي أغلق أيضاً من قبل المحكمة الدستورية العليا في عام 2001.
أردوغان والتأسيس
هذا القرار قاد أردوغان ورفيقيه، الرئيس السابق عبد الله غول ورئيس البرلمان السابق بولنت أرنتش، للاجتماع مع بقايا الأحزاب والتيارات المحافظة لتأسيس حزب العدالة والتنمية.
وفي أول انتخابات خاضها عام 2002، فاز بالأغلبية من دون أن يكون أردوغان ضمن نواب البرلمان نظراً للحظر السياسي الذي تعرض له في عام 1999.
بعد رفع الحظر السياسي على أردوغان، تولى رئاسة الحكومة في مارس/آذار 2003. ومنذ ذلك الحين، واصل أردوغان حكم البلاد رئيساً للوزراء حتى عام 2014، وبعدها رئيساً للبلاد حتى الآن وهو بزعامة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ومع إحياء الذكرى الـ23 لتأسيس الحزب هذا العام، يواجه حزب العدالة والتنمية تحديات كبيرة، لا سيما بعد الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس الماضي، والتي تراجع فيها الحزب ليحتل المرتبة الثانية.
نتيجة فاجأت الأوساط السياسية والشعبية، وطرحت تساؤلات كبيرة عن مستقبل الحزب، خصوصاً أن أردوغان لن يتمكن دستورياً من الترشح للرئاسة مرة مقبلة في حال أتم فترته الحالية التي تنتهي عام 2028، إلا إذا جرت انتخابات مبكرة عندها يمكنه الترشح مجدداً.
محطات عديدة مرّ بها الحزب، لكن الآتي قد يكون الأهم، تحديداً الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظر إجراؤها عام 2028، إذ تشير استطلاعات رأي تنشرها وسائل إعلام إلى تراجع شعبيته واحتلاله المرتبة الثانية خلف حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي تصدّر الانتخابات المحلية الأخيرة.
وحقق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية الأخيرة ما نسبته 35.49% من الأصوات خلف "الشعب الجمهوري" الذي حاز 37.77% من الأصوات، فيما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2023 قد أسفرت عن حصول الحزب على 36.30% من الأصوات، مقابل 25.8% لـ"الشعب الجمهوري"، في وقت حقق أردوغان الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مايو 2023، 49.5% من الأصوات وحصل بالجولة الثانية، بعد أسبوعين، على 52.18% من الأصوات.
ومن التحديات البارزة أمام حزب العدالة والتنمية اليوم حالة الترهل ومطالب التجديد فيه، والتحديات الاقتصادية في ظل التضخم المستمر للأسعار، ما أرهق جيوب المواطنين خصوصاً أن رفع الرواتب لم يحقق آمال المواطنين تحديداً شريحة المتقاعدين، فضلاً عن فرض مزيد من الضرائب ورفعها. ورغم تغييرات أردوغان لفريقه الاقتصادي، النتائج لم تظهر حتى الآن، وإن لم تظهر قريباً فستزداد المطالب من قبل المعارضة للذهاب إلى الانتخابات المبكرة، وهنا ستزداد الأعباء على الحزب وأردوغان.
ويسعى الحزب في مسيرة إحياء ذكرى تأسيسه هذا العام لتنظيم احتفالات متزامنة في مختلف الولايات، وبحسب قناة أ ـ خبر المقرّبة من الحزب، فإن الاحتفالات ستشهد عرض فيديوهات تظهر الخدمات التي قدمها الحزب في مسيرته ومراحل تأسيس الحزب وما شهدته تلك المراحل، فضلاً عن إلقاء أردوغان كلمة لأنصاره، وقد تشهد الفعاليات انضمام نواب من أحزاب أخرى ورؤساء بلديات لحزب العدالة والتنمية.
وقال نائب أردوغان في الحزب حمزة داغ في كلمة له خلال فعالية حزبية في 3 أغسطس/آب الحالي، إن "الحزب يحيي ذكرى التأسيس بفعاليات عديدة في الولايات وفي مقره بأنقرة، والشعار الذي اختير للاحتفالات هو (العدالة والتنمية عنوان الأمل والمستقبل والإنجازات".
تحديات حزب العدالة والتنمية
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "العربي الجديد" حول وضع الحزب والتحديات أمامه، عن الكاتب والباحث بالشأن التركي طه عودة أوغلو، قوله إن حزب العدالة والتنمية، يمرّ بواحدة من أصعب المراحل في مسيرته السياسية، لافتاً إلى أن "الحزب تخطى على مدى العقدين الماضيين الكثير من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية وبقي قوياً، ورئيس الحزب أردوغان ما زال متصدراً والأقوى في تركيا على الرغم من تراجع شعبية الحزب الحاكم في انتخابات مايو 2023 وفي الانتخابات المحلية".
وأضاف: "لاحظنا في الفترة الأخيرة حالة من الترهل داخل حزب العدالة والتنمية، وهذه المرحلة كانت لها نتائج سلبية على بنية الحزب تجسدت من خلال خسائر في البلدية"، مشيراً إلى أن "كيفية تعامل الحزب مع هذه التحديات في المرحلة المقبلة والرسائل التي سيقوم بإيصالها لأنصاره والشريحة المؤيدة له ستكون من العوامل المؤثرة في حظوظ استمرار الحزب وليس الفوز في الانتخابات المقبلة".
واعتبر أن "الحزب على مفترق طرق، فإما أن يستمر ويبقى، أو يندثر كما حصل مع الحزب الوطني الأم الذي أسسه الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال، وانتهى بغياب المؤسس".
ولفت إلى أن "حزب العدالة والتنمية استطاع خلال العقدين الماضيين تحقيق نجاحات كبيرة، لكن هذه النجاحات كان عنوانها الرئيسي رجب طيب أردوغان، وبالتالي تُطرح تساؤلات هل سيكون غياب الرئيس التركي عاملاً مؤثراً خلال الانتخابات المقبلة؟".
من جهته، قال الكاتب والباحث جاهد طوز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية شهدت البلاد ثورة في التغيير في مجالات عديدة يمكن ملاحظتها، وكانت هناك مشاكل تخص الكتل المحافظة تم تجاوزها، وأيضاً قيود على المواطنين الأكراد رُفعت، ولم يكن ذلك سهلاً بل عبر محطات عديدة عانى خلالها الحزب وصولاً إلى محاولة الانقلاب الفاشلة (15 يوليو/تموز 2016)، ورغم كل ما حصل واصل الشعب ترجيح حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان".
وأضاف طوز: "مع المحاولة الانقلابية تغيرت توازنات الدولة وحصل غياب للكفاءة في مؤسسات الدولة وطرد مئات الآلاف من الموظفين وتعيين بدائل عنهم لم تُراعَ أهليتهم، ما أعاق العمل البيروقراطي. كما يعاني الحزب من الاضطرابات الإقليمية في سورية والعراق وفلسطين والحرب في أوكرانيا وتبعات وباء كورونا، والتضخم الكبير الذي أثر على الاقتصاد، وبالتالي كلها مشاكل على الحكومة التعامل معها".
وتابع: "تبقى مسألة اللاجئين قضية داخلية يجب حلها، وهي كلها تحديات كبيرة أمام الحزب". ورأى طوز أن "حزب العدالة والتنمية بحاجة لتغييرات كبيرة في داخله، وهناك اتهامات بالفساد وعدم الأهلية، كما أن الرسائل الشعبية وصلت إليه، والتغيير سيكون عبر تغيير بعض الأسماء، والاهتمام بالكفاءة في بنية الدولة، وحل المشاكل الاقتصادية، وبالتالي إما سيتم إلغاء العدالة والتنمية وتأسيس حزب جديد من قبل أردوغان، أو حصول تغييرات كبيرة داخل الحزب".