اتفاق عراقي تركي بشأن حزب العمال الكردستاني: أي فرص لتطبيقه؟
وقّع وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي ونظيره التركي يشار غولر في العاصمة التركية أنقرة، أمس الأول الخميس، مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، تبدو جزءاً من استكمال التفاهمات العراقية التركية بشأن تثبيت الأمن على الحدود بين البلدين، وتحييد حزب العمال الكردستاني ومسلحيه، الذين تسبّبت نشاطاتهم العسكرية بتوغل القوات التركية في مناطق تابعة لإقليم كردستان شمالي العراق.
وجاء هذا التفاهم، أمس الأول، على هامش زيارة وفد عراقي رسمي إلى أنقرة، لبحث ملفات أمنية عديدة. وخلال مؤتمر صحافي جمع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره التركي هاكان فيدان، أشار حسين إلى "أهمية وضع اللمسات الأساسية على مذكرات التفاهم المبرمة بين البلدين، والبالغ عددها 27 مذكرة، التي نتجت من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق"، إبريل/ نيسان الماضي. واعتبر حسين أن "تفعيل هذه المذكرات يتطلب متابعة مستمرة من الطرفين"، مضيفاً أن "العمل وصل إلى مستوى عالٍ من التنسيق، حيث تمت تهيئة اللجان المختصة وتقسيمها وفقاً للقطاعات المختلفة".
وتناولت المباحثات موضوع وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في مناطق "قنديل ومخمور وسنجار" في إقليم كردستان - العراق. وشدّد حسين على "خطورة هذا الوجود على المسيرة الديمقراطية والمجتمع العراقي، وأن المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي قرر وضع حزب العمال الكردستاني في قائمة الأحزاب المحظورة، كما قررت الهيئة القضائية للانتخابات في العراق حل ثلاثة أحزاب سياسية لارتباطها بحزب العمال الكردستاني".
كما ناقش حسين مع فيدان ملفات أمنية وعسكرية ضمن الاتفاقية، والتي عدّها الوزير العراقي "الأولى من نوعها بين العراق وتركيا"، من بينها "كيفية مكافحة الجريمة، خاصة العابرة للحدود"، بما في ذلك الجماعات المسلحة ومنظمات الجريمة المنظمة، وعصابات التهريب والاتجار بالبشر، فضلاً عن ظاهرة المخدرات، ومنع أي تحرك على أراضي العراق ضد أي دولة أخرى. كما شملت الملفات التوصل إلى تفاهم حول تحويل معسكر "بعشيقة" شمالي العراق، الذي توجد به قوات عسكرية تركية، إلى معسكر تدريبي. وكتب حسين على منصة إكس عقب انتهاء الاجتماعات مع نظيره التركي: "تتويجاً للاجتماعات الأمنية المكثفة، وقّع العراق وتركيا مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، تمثل إضافة نوعية لعلاقاتنا الثنائية، وتأكيداً على التزامنا المشترك بالسلام والاستقرار في المنطقة، بما يحقق المصالح المشتركة".
مسؤول بالخارجية العراقية: الحكومة تخشى التصادم مع حلفاء غير علنيين لـ"العمال الكردستاني"
في السياق، قال مسؤول في وزارة الخارجية العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "التفاهمات العراقية التركية وصلت إلى مراحل متقدمة من الثقة، لا سيما أن العراق أبدى حسن نيّته، بقرار وضع ثلاثة أحزاب ضمن الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني على لائحة الأحزاب المحظورة". وأضاف أن "المسؤولين الأتراك بضمنهم وزير الخارجية التركي، أبدوا ارتياحهم للإجراءات العراقية"، لافتاً إلى أن "الحكومة العراقية تريد إنهاء المشاكل الأمنية التي يتسبب بها حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق، لكنها في الوقت نفسه تخشى التصادم مع الحلفاء غير العلنيين مع العمال الكردستاني". وأوضح: "نقصد هنا، الفصائل المسلحة القريبة من إيران، بالتالي فإن هذه التفاهمات قد تصمد لفترة لكنها لن تفضي إلى شيء".
ونفذ العراق سلسلة إجراءات أمنية وإدارية للتضييق على مسلحي "العمال الكردستاني" والأذرع التابعة له، والتي تنشط داخل مناطق شمالي العراق الحدودية مع تركيا وسورية، ضمن حزمة تعهدات قدمتها بغداد لأنقرة حيال أنشطة حزب العمال الكردستاني المحظور بتركيا، والتي تتهمه باتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لشن اعتداءات داخل أراضيها. وفي السادس من أغسطس/ آب الحالي، أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي حظر أنشطة ثلاثة أحزاب أيزيدية مرتبطة بـ"العمال الكردستاني"، وهي "الحرية والديمقراطية الأيزيدية" و"جبهة النضال الديمقراطي" و"حرية مجتمع كردستان/ تفكري آزادي". وتنشط هذه الأحزاب في قضاء سنجار ومناطق غربي نينوى الحدودية مع الحسكة السورية. كما صدر قرار بنقل دائرة الأحوال المدنية الموجودة في سنجار إلى قضاء البعاج بعيداً عن نفوذ "العمال الكردستاني" الذي ينشط داخل المدينة.
في هذا الصدد قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علي البنداوي، إن "الاتفاقات والتفاهمات والمذكرات التي وقّعها العراق مع تركيا، جميعها تخدم العراق وتهدف إلى تقوية السيادة العراقية، خصوصاً أنها تنص على منع استخدام الأراضي العراقية للتجاوز والاعتداء على الدول المجاورة". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "العراق بحاجة إلى بناء وتقوية علاقاته مع دول الجوار، وإنهاء أي مشاكل تؤثر على العلاقات الودية، وتحديداً تلك التي تحمل بعض الأجندات التي تتخذ من العراق منطلقاً لاستهداف أراضي الجيران".
من جهته، لفت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، إلى أن "البرلمان يدعم أي توجهات تؤدي في النهاية إلى فائدة العراق، ونحن في اللجنة سندرس مذكرات التفاهم التي وقّعها العراق مع تركيا، بالتالي لا يمكن لنا أن نقف بوجه الإرادة التي تريد أن تقوي سيادة أراضينا وحدودنا". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات القضائية والحكومية بحق الأجنحة السياسية لحزب العمال الكردستاني، تعود بالنفع على العراق، ولا نريد أن نقف بوجه التقدم الذي تحرزه الحكومة".
شيدو سنجاري: بغداد وأربيل على اتفاق واضح مع أنقرة بشأن تحييد حزب العمال الكردستاني
بدوره، بيَّن الناشط السياسي من بلدة سنجار في محافظة نينوى، شيدو سنجاري، لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد وأربيل على اتفاق واضح مع أنقرة بشأن تحييد حزب العمال الكردستاني، أو على الأقل تحجيمه خلال الفترة المقبلة، ورسم حدوده وضمان عدم تماديه لتنفيذ أي هجمات ضد تركيا". لكنه استدرك أن "هذا الانسجام بين هذه الأطراف قد لا يستمر مع وجود حلفاء للعمال الكردستاني في بغداد، بالإضافة إلى وجود وجهة نظر سياسية في السليمانية (شرقي إقليم كردستان - العراق حيث ينشط حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) لا تقبل بضرب الحزب بطرق قاسية". ولفت إلى أن "تركيا كانت قد اتفقت مع العراق لأكثر من مرة على بنود شبيهة بالاتفاق الأخير لكنها لم تمض نحو التحقق بسبب اختلاف الإرادات".