توقف مباحثات الانسحاب الأميركي من العراق يحيي تهديدات الفصائل
أثارت فصائل عراقية مسلحة شكوكاً بشأن مجريات الحوار الحكومي مع الولايات المتحدة حول إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق، بعد تصريحات لحكومة محمد شياع السوداني عن تأجيل الانسحاب الأميركي من العراق إثر هجمات تعرضت لها أخيراً قاعدة عين الأسد التي تضم جنوداً أميركيين وتقع في محافظة الأنبار غربي البلاد، فيما لوّحت بعض الفصائل بالتصعيد. وتعرّضت قاعدة عين الأسد إلى قصف صاروخي في 5 أغسطس/آب الحالي، تبنّت مسؤوليته جماعة جديدة تطلق على نفسها "الثائرون"، وأدى إلى إصابة عدد من الجنود الأميركيين ضمن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وبعده بيومين، أعلنت السلطات العراقية اعتقال خمسة أشخاص قالت إنهم متورطون بالهجوم على القاعدة، فيما لم تُكشف أي تفاصيل عنهم حتى الآن.
كاظم الفرطوسي: إخفاق الدبلوماسية بإنهاء الوجود الأميركي سيؤدي لعودة العمليات
وقبل أيام قليلة أكدت الخارجية العراقية تأجيل إعلان إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في البلاد، عازية ذلك إلى "التطورات الأخيرة"، فيما أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي ضياء الناصري تجميد الحوار مع الولايات المتحدة بشأن ملف الانسحاب الأميركي من العراق مؤكداً أن استهداف قاعدة عين الأسد أخيراً تسبّب في التجميد. ولم تُصدر الحكومة العراقية لاحقاً أي توضيح بشأن إمكانية استئناف الحوار، أو تحديد جدول زمني لإنهاء وجود التحالف، وهو ما يزيد الأمر غموضاً، كما أن الفصائل لم تعلن أي موقف رسمي واضح.
المتحدث باسم جماعة كتائب سيد الشهداء، أحد أبرز الفصائل العراقية المسلحة، كاظم الفرطوسي، قال لـ"العربي الجديد": "لم تصل إلينا أي إشارة أو تبليغ رسمي من الحكومة العراقية بأن الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية قد توقف لأي سبب كان". وأضاف أن "موقف فصائل المقاومة العراقية واضح ومعلن منذ البداية، بأن إخفاق الجهود الدبلوماسية لإنهاء الوجود الأميركي من العراق، سيدفعها إلى عودة عملياتها لتحرير كامل الأراضي العراقية، وهذا الأمر ثابت ومعلن، وننتظر موقف الحكومة الرسمي بشأن آخر تطورات مفاوضاتها، على الرغم من أننا نعلم عدم وجود جدية أميركية بالانسحاب".
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب إسكندر وتوت، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا موقف رسمياً معلناً من الحكومة العراقية بإيقاف جولات الحوار والتفاوض مع واشنطن لإنهاء مهام التحالف الدولي، وتأجيل إعلان جدولة الانسحاب". وأكد أن "مجلس النواب العراقي، يتابع عبر لجانه المختصة الحوار ما بين بغداد وواشنطن ونتائج هذا الحوار، والتأكيدات الحكومية التي تصل إلينا أن الحوار مستمر ومتواصل، وهناك تقدم كبير في هذا الملف"، معتبراً أن "تأجيل إعلان جدولة الانسحاب الأميركي من العراق لأسباب تتعلق ببعض التطورات في البلاد والمنطقة بالكامل، لكن إعلان الجدولة سيكون خلال المرحلة القليلة المقبلة".
وأضاف وتوت: "بكل تأكيد عدم نجاح الحكومة العراقية بإنهاء الوجود الأجنبي، وتحديداً الأميركي، عبر لجان التفاوض والحوار، سيدفع الفصائل إلى اتخاذ موقف جديد وتصعيد جديد ضد هذا الوجود، خصوصاً أن التهدئة الحالية مؤقتة وهدفها إعطاء فرصة ومجال للسوداني وحكومته لحسم الملف عبر الأطر التفاوضية والدبلوماسية، وبخلاف ذلك سيكون هناك تصعيد، وبالتأكيد هذا التصعيد سيكون متبادلاً ما بين الفصائل والأميركيين، وقد تكون تداعياته خطيرة وكبيرة على عموم الأوضاع في العراق".
واتفقت بغداد وواشنطن في جولة الحوار الثاني التي جرت في واشنطن نهاية يوليو/تموز الماضي، على التزام تطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية وتعميق التعاون الأمني الثنائي في جميع المجالات، فيما أكدت الحكومة العراقية التزامها المطلق بحماية الأفراد والمستشارين والقوافل والمرافق الدبلوماسية للولايات المتحدة ودول التحالف الدولي في العراق.
الباحث في الشأن السياسي والأمني المقرب من الفصائل المسلحة صباح العكيلي قال، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد بيان أو موقف رسمي من الحكومة العراقية أو حتى من الولايات المتحدة الأميركية بشأن إيقاف جولات التفاوض، خصوصاً أن آخر جولة كانت في واشنطن، وهذا يؤكد أن التفاوض يسير في الاتجاه الصحيح". وبيّن العكيلي أن "هناك تلويحاً أميركياً بأن عمليات القصف التي تستهدف قاعدة عين الأسد وغيرها من القواعد التي تتواجد فيها القوات الأميركية يؤثر على سير التفاوض والحوار بين بغداد وواشنطن بشأن الانسحاب الأميركي من العراق. وفي مقابل ذلك فإن الفصائل العراقية وهيئة تنسيقية المقاومة حتى الآن لم تعلن انتهاء الهدنة، وهي ملتزمة مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بفتح المجال أمام التفاوض مع واشنطن لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي".
صباح العكيلي: الفصائل العراقية وهيئة تنسيقية المقاومة لم تعلن انتهاء الهدنة
وأضاف أن "أي جهة من الفصائل لم تعلن مسؤوليتها عن عمليات القصف الأخيرة ضد قاعدة عين الأسد وقواعد أخرى يتواجد فيها الأميركيون في سورية، وهذا ما يعني أن موقف الفصائل ثابت وكذلك الموقف الحكومي، وجولات التفاوض مستمرة وسوف تستمر تجاه إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، وعمليات القصف لن تؤثر على عملية التفاوض بشأن الانسحاب الأميركي من العراق بالكامل". وأشار إلى أن "إعلان إيقاف التفاوض بين بغداد وواشنطن رسمياً سيدفع الفصائل إلى اتخاذ موقف جديد من الهدنة، ولهذا فإن الفصائل تترقب الحوار ونتائجه واستمراره وفق ما هو مخطط له من السوداني وفريقه الحكومي".
ويستند حوار التعاون الأمني المشترك لعام 2024 إلى المناقشات التي جرت خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي واشنطن في إبريل/نيسان الماضي، وحوار التعاون الأمني المشترك الافتتاحي في الصيف الماضي. وخلال حوار التعاون الأمني المشترك الأول، قرر الجانبان إنشاء لجنة ثنائية عسكرية عليا لتحليل ثلاثة عوامل (التهديد من تنظيم داعش، والمتطلبات التشغيلية، ومستويات قدرات قوات الأمن العراقية) لتحديد مستقبل التحالف العسكري الدولي في العراق. واستمر حوار التعاون الأمني المشترك على أساس عمل اللجنة العسكرية العليا على مدى الأشهر الستة الماضية، ومن المقرر إصدار بيان مفصل مشترك حول مستقبل مهام ووجود التحالف العالمي في العراق بعد فترة وجيزة في ختام عمل اللجنة العسكرية العليا.