يظلم المرأة ويقتل الطفولة.. جدل كبير حول تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق
يتفاعل الجدل في العراق بخصوص مشروع قانون تعديل الأحوال الشخصية، والذي يقول معارضون إنه يتيح إبرام عقود زواج خارج المحكمة ويطمس حقوق المرأة ويسمح بزواج القاصرات ويحرم الزوجة من حقوق النفقة والحضانة، ويسلب الروح المدنية للقانون لحساب الآراء الفقهية والمرجعيات الدينية.
وتعرضت مظاهرة ناشطات ضد التعديل في محافظة النجف لهجوم من رجال دين وشخصيات عشائرية طالبوا بتفريق المظاهرة ومنعهن من الخروج إلى الشوارع قبل أن تتدخل الشرطة لمنع الاحتكاك بين الطرفين والفصل بينهما.
قال الخبير القانوني محمد السامرائي لأخبار الآن.. إن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية هو مقترح قدّم من قبل مجلس النواب إلى نفسه يعني أنه لم يقدم من الحكومة.
وهو قانون يفتح الباب أمام الاجتهادات الفقهية غير المنتظمة، ويجعل المواطن العراقي لا يعلم شيئا عن حقوقه والتزاماته ويدخله في متاهات شائكة، وهذا بسبب الفقه الذي سيعتمد عليه لحل الخلافات بين العائلة الواحدة
والجميع يعلم أن الفقه متطور وغير مستقر، في حين أن القانون الحالي والذي يتم العمل به وكثير من مواده تستند لأحكام الشريعة، هو قانون واضح في نصوص ظاهرة ومحددة وهذا هو الإجراء الصحيح.
وأضاف السامرائي أن الخطورة تكمن في أن القانون يجعل يد المحكمة مقيدة وغير قادرة على إصدار قانون مستند على نصوص قانونية بل يجعلها تنتظر رأي رجل الدين أو الفقيه، وهذا تدخل في سلطة القضاء
بالإضافة إلى مواضيع الاجتهادات الفقهية المختلفة بين مختلف الشرائح فيما يتعلق بزواج القاصرات والإنفاق والإرث، وبالتالي ستكون هناك خلافات كثيرة بين طوائف المجتمع فيما لو شرع التعديل الجديد وسيكون هناك عزوف وامتناع عن الزواج بين الطوائف، يؤثر على استقرار المجتمع
رغم أن الضغط داخل المجلس وخارجه دفع البرلمان لتأجيل طرح مقترح قانون تعديل الفقرة 57 من القانون الصادر عام 1957 ضمن جلساته بذريعة الحاجة إلى المزيد من النقاش، فإنه ما زال يثير مخاوف البعض خشية أن يكون بوابة لتفكيك الأسرة العراقية، بل ذهب البعض إلى أنه سيقتل الطفولة.
أول الأصوات الرافضة، تظاهراتٌ أمام مجلس النواب، تطالب برد مشروع القانون الذي اعتبروا أنه سيعيد العراق إلى “عصر الجواري”.
المعارضون للقانون يرون فيه ترسيخا للطائفية بعد أن غادرها العراقيون، ومخالفة لعرف البلد على اعتبار أنه كان في وقت مضى يستند إلى عرف البلد والزمان، واليوم في العراق فإن العرف والزمان يخالفان ما يثار في قانون الأحوال الشخصية، كما يرون أن القانون يخدم شريحة معينة غير معروفة أجنداتها.
محذرين من أن زواج القاصرات “موضوع خطير جدا وسيقتل الطفولة لدى الفتيات، ولن تمارس حياتها بالشكل الطبيعي، على اعتبار أن أغلب الأهالي ممن يؤمنون بأفكار مثل هذه سيركزون على تزويج بناتهم بعمر صغير ويتم حرمانهن من حرية التعلم”.
ويركز التعديل على فقرتين من أصل القانون النافذ، أحداها، الفقرة الخامسة في المادة العاشرة التي سبق إجراء تعديل عليها عام 1978، التي تفرض عقوبة “الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار كل رجل عقد زواج خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات إذا عقد خارج المحكمة زواجا أخر مع قيام الزوجية.
ويطلب النواب المدافعون عن تعديل القانون، إجراء تغيير في هذه الفقرة، وأن يحل محلها “تصديق محكمة الأحوال الشخصية عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين، على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو ديواني الوقف الشيعي والسني بإبرام عقود الزواج بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين” وبذلك، يمنح التعديل غطاءً قانونياً لرجال الدين ممن يبرمون عقود الزواج الشرعية خارج أسوار المحاكم العراقية.
على الجانب الآخر، أعلن الإطار التنسيقي الشيعي موقفه من قانون الأحوال الشخصية وأهم المفردات التي أثيرت حولها الشبهات، داعيا في بيان رسمي، مجلس النواب إلى المضي بالقراءة الأولى لقانون الأحوال الشخصية”، موضحا أن “مشروع القانون ينظم أمورا تتعلق بالأحوال الخاصة بكل مذهب أو دين ولا يلغي القانون النافذ”.
معتبرا أن “التعديل المزمع على قانون الأحوال الشخصية هو انسجام مع الدستور الذي ينص على أن العراقيين أحرار باختياراتهم وبما لا يتعارض مع ثوابت الشريعة وأسس الديمقراطية”.
يقف وراء القانون حزب الفضيلة ومرجعه الشيخ محمد اليعقوبي الذي ينتمي إلى المدرسة الصدرية عندما كان مرجعها محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999. وهو لا يحظى بالمقابل بتأييد مقتدى الصدر والمرجع الشيعي علي السيستاني.
ويتضمن القانون الذي قام بإعداده وزير العدل والقيادي بحزب الفضيلة حسن الشمري 254 مادة وهو يروج له بدعوى “إنقاذ الطائفة الشيعية من ارتكاب الذنوب لأن بعض بنود القانون المدني الحالي لسنة 1959 يعارض الفقه الشيعي”.
القانون أثار أيضا غضب مرجعيات دينية شيعية واعتبرته فاقدا للمقومات الفقهية والقانونية.
وقال الشيخ بشير النجفي أحد كبار المرجعيات الشيعية في العراق إن مشروع قانون الأحوال الجعفرية ينطوي على شطحات في الصياغات الفقهية والقانونية تجعل من المستحيل أن يوافق عليه فقيه”.
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية، موقفاً إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي.
وقالت السفيرة الأمريكية لدى بغداد إلينا رومانوسكي في تدوينة عبر منصة (X) : “إننا نشعر بالقلق إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي من شأنها أن تقوض حقوق المرأة والطفل”.
وأضافت: “نحن نحث العراقيين على الإنخراط في حوار مدني يحترم بشكل كامل حرية الدين أو المعتقد وحقوق المرأة والطفل”.