حروب القصائد في كل مكان
أزعم على نحوٍ غامض، لا تدعم مزاعمي أي أدلة علمية أو تاريخية أن جميع من يشتغلون بالثقافة وبالأخص المجال الأدبي من السعوديين المعاصرين يعرفون الصراع التاريخي الذي نشأ لدينا عندما جدّد الشعراء قصائدهم ونشروها في الصحف، وهو ما يصطلح عليه لدينا (حرب الحداثة).
إلى جانب هذا الملف هناك ملف عربي تاريخي نشأ في مطلع ستينات القرن العشرين حين ظهرت (القصيدة الحرة) في الشام والعراق ومصر مع ما لحقتها من مؤلفات وصراعات على صفحات الجرائد أيضاً.
لكن الذي لم أكن أعرفه هو أننا لسنا بدعاً من الخلق كعرب أو كسعوديين.
في الأدب الإنجليزي كانت هناك حروب أيضاً وصلت للتكفير معنوياً.
في مطلع القرن العشرين حدد مقال عزرا باوند وهو أحد أهم الشعراء حتى يومنا هذا «بعض ما لا ينبغي أن يفعله شاعر التصوير» المبادئ التوجيهية الأصلية للتصوير، وهي حركة أدبية تهدف إلى جعل الشعر أكثر نضارة وحيوية وأكثر صلة بجمهور يعتبر أنه ما سئم من الأعراف القديمة.
لقد تفاعل الشعراء الكلاسيكيون مع هذه النصائح بالطريقة التي تتوقع أن يتفاعل بها شخص ما في أواخر العقد الأول من القرن العشرين: أعلنوا، كما فعل جون بوروز، أن التصويرية كانت للأدب كما كانت الشيوعية للسياسة، فكتب:
(لقد نشأت فئة من الشباب الذين يبدو أنهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم شعراء ثوريون، وخاصة في شيكاغو؛ وهم يقدمون أكثر الأشياء إثارة للدهشة باسم الشعر الحر [...] يبدو أن الحيلة في هذا الأمر تتلخص في أخذ نثر مسطح غير مبتكر وتقطيعه إلى أسطر متفاوتة الطول، وكثيراً ما يتم حذف الأحرف الكبيرة في بداية الأسطر ـ «نثر ممزق» لا «يحتوي على أي لمسة». هؤلاء الرجال هم «شيوعيو» الأدب. إنهم يريدون قلب أو تدمير كل القواعد والمعايير المعترف بها التي يقوم عليها الأدب. إنهم يظهرون ما فعلته البلشفية في مجال الشعر).
يا للعجب.. تبدو مقالة جون كما لو كانت مقتطعة من ملحق ثقافي سعودي قبل ثلاثة عقود!.
في الختام ذهب الجميع بمعاركهم وهزائمهم وظلت لنا القصائد الحلوة فقط.