أرشد هورموزلو: «الثقافة».. طيور مهاجرة لا تحتاج تأشيرة

عكاظ

أرشد هورموزلو: «الثقافة».. طيور مهاجرة لا تحتاج تأشيرة

  • منذ 1 أسبوع
  • العراق في العالم
حجم الخط:

تسعدك الأقدار ومحاسن الصدف باللقاء مع شخصية نابض قلبها بالحُبّ، وروحها بالعطاء، بقامة المستشار التركي (أرشد هورموزلو)؛ الذي حاز المعرفة والآداب من أطرافها، فهو ابن الثقافة التركيّة، الذي تعلّم في بغداد، وعمل في الدول العربية قرابة 25 عاماً، ويعمل جاهداً على خلق بيئة تفاعلية محورها الثقافة، لتكون جسور التواصل، وبناء العلاقات بين المجتمعات، ورغم أنه دخل القصر الرئاسي مستشاراً، إلا أنه من دعاة النأي بالثقافة عن دهاليز السياسة، كون جامع المثقفين ورابطتهم الحُبّ والاحترام والتواصل والتعارف، ليكونوا أقوى من كل المؤثرات، وهنا نصّ حوارنا معه:

• من هو المستشار أرشد هورموزلو؟

•• أخ وصديق للشعوب العربية والإسلامية، نهلت من آدابها وحضارتها، وكنت دوماً داعياً للحوار البنَّاء والإيجابي بين الشعوب وخصوصاً بين الشعبين العربي والتركي. كتبت في الكثير من الصحف العربية كما في التركية، وربما يتذكرني الكثيرون في الفضائيات العربية عندما كنت كبير مستشاري رئيس الجمهورية التركية السابق وكنت دائم الحضور معهم، كما أنني ألقيت محاضرات في الكثير من المعاهد الدبلوماسية والجامعات والمنظمات الثقافية حول هذه الأفكار.

• أين تعلمت اللغة العربية؟

•• رغم كوننا عائلة تركية فهناك الكثير من أناسنا في العراق والمنطقة، ونشأت على عشق اللغة العربية وآدابها، وانخرطت للدراسة في كلية الحقوق في جامعة بغداد وكذلك في معهد لإدارة الأعمال، وعملت ما يقرب من ربع القرن في الدول العربية، خصوصاً في منطقة الخليج، وأكثرها في المملكة العربية السعودية، ومن ثم في الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكنت رئيساً للمنتدى التركي الذي يجمع أفراد الجالية التركية في هذه المناطق.

عندما انتُخب فخامة الرئيس (عبدالله كول) لرئاسة الجمهورية طلب مني أن ألتحق بالرئاسة بصفة كبير مستشاري الرئيس لشؤون الشرق الأوسط. لم تكن هذه الوحدة موجودة في القصر الرئاسي خلال الـ80 عاماً المنصرمة واستمرت من بعدي.

• بماذا تصف دورك في العلاقات التركية العربية؟

•• لقد كان هذا شغلي الشاغل، ومن هذا المنطلق قمنا مع بعض الإخوة الأعزاء من مثقفي وناشطي الدول العربية وتركيا بتأسيس المنتدى الدولي للحوار التركي العربي، الذي أجمع المؤسسون على تسجيله في مدينة إسطنبول، وتم الترخيص له بقرار من مجلس الوزراء وبمصادقة رئيس الجمهورية.

يضم المنتدى حالياً -إضافة إلى الأعضاء الأتراك- أعضاء من مجمل الدول العربية بدءاً من موريتانيا إلى دول الخليج العربي والشمال الأفريقي وشرق المتوسط.

قمنا بعقد الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات في إسطنبول وأنقرة وأنطاليا وفي الكويت والبحرين والقاهرة، وندعو كل من يؤمن بالحوار البناء والهادف إلى التكاتف معنا، فنحن مجموعة كبيرة نحب بعضنا بعضاً، ونتوجه لتعريف شعوبنا بالآخر دون الولوج إلى دهاليز السياسة أو التدخل في الأمور الداخلية لدول أعضائنا.

• كم لك من صداقات مع المثقفين العرب؟

•• عشت مع إخوتي المثقفين العرب وحضرت محاضراتهم ودعوتهم للاستماع إلينا أيضاً. لدي الكثير من الصداقات مع رجال الأعمال والكتاب والصحفيين، وهناك الكثيرون في الدول العربية ممن ننادي بعضنا بعضاً بأسمائنا الأولى.

• على ماذا تقوم الثقافة التركيّة؟

•• الثقافة التركية شأنها شأن الثقافة العربية تمتد لقرون. تم اكتشاف كتابات أورخون من العصور التركية الأولى وأسهم السلاجقة والعثمانيون في تطويرها، وهناك الكثير من الكتاب والشعراء والأدباء تناقلت مآثرهم على مر القرون، بل إن كثيراً من الدعاة والمفسرين والأئمة في ديننا الإسلامي قد نشأوا في مناطق هذا الأقوام.

• ما مستوى الدعم للثقافة وجعلها تعبر الحدود؟

•• يا صديقي، الثقافة كالطيور المهاجرة لا تحتاج إلى تأشيرات دخول؛ فالعمل الثقافي الجيد يتسرب إلى أفكار الأقوام الأخرى إذا ما وجدت الصدى الملائم. لقد نهلنا جميعاً من الأدب الغربي والعربي والتركي، وبالنسبة للعربية فقد استفادت كثيراً من الأدب الغربي، ولكن حركة الترجمة للأسف لم تنشط بين المجموعات العربية والتركية كثيراً بسبب ضعف حركة الترجمة.

ومن هذا المنطلق قمنا مع بعض إخوتنا في المنتدى الدولي للحوار التركي العربي بتأسيس دار نشر وتوزيع في إسطنبول وهي (دار باب العامود للنشر والتوزيع) توخينا فيها ترجمة بعض آثار اللغة العربية إلى اللغة التركية، وآخرها كان كتاب سقوف الرغبة للكاتب العربي المشهور محمود شقير؛ الذي ترجمت كتبه المشهورة بالقصص القصيرة جداً إلى خمس لغات أجنبية ولكنها لم تنشر بالتركية، فكان لنا السبق في ذلك.

كما ننشر الكثير من الكتب العربية لإطلاع القراء العرب على بعض روائع الأدب التركي ومجمل العلاقات العربية والتركية، ونتطلع لترجمة الكثير مما يخدم إطلاع الشعب التركي أيضاً على حضارة البلدان العربية المختلفة إذا تسنى لنا ذلك.

• متى كانت النقلات النوعية للثقافة التركية؟

•• هناك الكثير من الكتاب والروائيين الأتراك ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأجنبية، وللأسف لم تحظ اللغة العربية من ذلك إلا بالقليل. وهذا هو شأن الكتب المترجمة من العربية إلى التركية أيضاً. لقد عملنا جاهدين على سد هذه الفجوة النوعية التي خلقها الغرباء بين هاتين الأمتين ونتطلع إلى كل الجهود الخيّرة لإغناء ذلك.

• كيف ترى أثر التعددية المجتمعية على الثقافة؟

•• أرى أن ذلك أمر مطلوب، وينبغي تشجيعه، فهناك الكثير ممن يتعلم منه الأفراد من الثقافات الأخرى؛ سواء كان ضمن المجتمع الواحد أو في الثقافات الخاصة بالشعوب المجاورة وغير المجاورة، فالثقافة عنصر خير يرتشف منه الكل وينمّي فيه الفرد مداركه. المهم في هذا الموضوع هو أن نترك الغث ونسعى للاستفادة من السمين، أي من الأفكار التي تنمّي قدراتنا وقدرات أجيالنا ولا تتناقض مع مبادئنا السامية.

• هل تعد اللغة العربية من اللغات الرئيسية في التعليم؟

•• اللغة العربية من أغنى اللغات العالمية وقد استفادت منها ومن كتاباتها الكثير من الأمم. ويقال إن العالم الفيزيائي الفرنسي بيير كوري الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 قال «تمكنّا من تقسيم الذرة بالاستعانة بـ30 كتاباً بقيت لنا من الحضارة الأندلسية، ولو لم تحرق كتب المسلمين لكنّا اليوم نتجول بين المجرات».

• لماذا لم يشتهر عربياً من الكُتّاب الأتراك سوى ناظم حكمت ويشار كمال وعزيز نسين؟

•• لقد ذكرت سابقاً أن حركة الترجمة بين هاتين اللغتين لم تنشط إلا أخيراً وبوتيرة بطيئة. كنت أقول لإخوتي العرب: هل سمعتم برواد الأدب التركي القديم والحديث مثل فضولي ونجيب فاضل وعمر سيف الدين وحسين رحمي؟ ولم أجد من يعرفهم إلا نادراً، ولكنني كنت أسأل أخوتي الأتراك عمّن سمع عن نجيب محفوظ ومحمد جابر الأنصاري وطه حسين والمازني، والعقاد، والحكيم، والبياتي، ومحمود درويش، فلا أجد إلا القليل. علينا الآن أن نعكس هذا الواقع ليس للتعرف على بعضنا بعضاً بصورة أفضل فقط، بل للاستفادة أيضاً من هذا المخزون الثقافي.

• كيف يتعامل المجتمع التركي مع النخبة المثقفة؟

•• المجتمع التركي مجتمع يقرأ، أو لنقل إنه كان يقرأ؛ فقد طالت الوسائل الجديدة، عقول الشعوب فأهملوا خير صديق الذي هو الكتاب بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، وأدوات البحث. ليس هذا مقتصراً على الأتراك بل حتى على العرب والآسيويين والأجانب.

ولكن وبشكل عام فالمراكز البحثية وكذلك المنظمات والجمعيات الثقافية في تركيا مزدهرة إلى حد بعيد، وكل حي من أحياء المدن الرئيسية الكبرى في تركيا فيه مكتبة عامة والكثير من دور النشر.

• ما دور وزارة الثقافة التركية في التعريف بكُتّاب مثل إليف شافاق صاحبة كتاب «قواعد العشق الأربعون»، وأوهان باموق؟

•• وزارة الثقافة التركية تُعنى بتشجيع الكتاب والمؤلفين وتوزع العديد من مؤلفاتهم على المكتبات التابعة للوزارة، إضافة إلى البعثات الدبلوماسية في الدول المختلفة، إلا أن العبء الأكبر يقع على عاتق المثقفين، ويجدر بالذكر أن دور النشر مزدهرة في تركيا وتطبع سنوياً آلاف الكتب في مختلف المجالات ويقبل عليها الكثيرون من المهتمين والباحثين.

• ألا ترى أن التعاون الثقافي مع العالم العربي لا يزال محدوداً؟ وما سبب محدودية هذا التعاون؟

•• كما أسلفت فإننا لا نعرف بعضنا بعضاً كثيراً، لقد كانت هناك فجوة كبيرة بين هذين الشعبين، وللأسف فقد خلق هذه الفجوة الآخرون ممن لا يعجبهم التقارب العربي – التركي. ونحمد الله على أن هذه الفجوة قد تناقصت كثيراً في الأعوام الـ50 الأخيرة بفعل إدراك الجانبين أهمية الآخر. هذا ما ندعو إليه في المنتدى الدولي للحوار وهو أن نركز على الإيجابيات وننسى السلبيات التي زرعها الآخرون في عقول أجيالنا السابقة. التعاون العربي – التركي ليس مهماً في الجانب الثقافي بل في مجمل العلاقات الاجتماعية.

• كيف يمكن تعزيز التعاون الثقافي بين تركيا والعرب عموماً والمملكة خصوصاً؟

•• الطريق ممهد الآن، فمعاهد يونس أمرة التركية منتشرة في أغلب العواصم والمدن العربية، وهناك إقبال واسع على تعلم اللغة التركية، واللغة العربية تدرّس حالياً في المدارس التركية بل حتى وصلت إلى المدارس الابتدائية. وهناك الكثير من الجامعات والمدارس العربية في المحافظات التركية. أرى المستقبل خيراً وخيّراً. كنت أحضر الكثير من المهرجانات الثقافية، ودعيت مراراً إلى مهرجان الجنادرية مثلاً والمؤتمرات الثقافية في أبوظبي ودبي والكويت وسلطنة عمان وفي الأردن ولبنان وجمهورية مصر العربية، ولكن الزخم خفّ في الفترة الأخيرة، وأبدي كامل استعدادي للحضور في أي مناسبات ثقافية وتأمين وصول أصدقائي من المثقفين العرب إلى المؤتمرات المماثلة في تركيا.

• ماذا عن الفنون البصرية والأدائية والمسرح؟

•• الفنون والأداء المسرحي والتلفزيوني مهمة جداً، وليت تعرّف العرب على المجتمع التركي لا يكون بوساطة المسلسلات التركية والهابطة منها، بل على ما تنتجه المؤسسات التركية من أفلام ومسرحيات تقام على مدى أشهر الشتاء. أما الفنون العربية فمعروفة نسبياً مثل الأفلام المصرية لكبار الفنانين في الأجيال السابقة. ولكننا دعونا دائماً إلى إقامة معارض فنون ورسوم مشتركة والاشتراك في أفلام راقية تجسّد التاريخ المشترك بيننا بالوجه الناصع.

• لمن تقرأون من المثقفين السعوديين؟

•• لقد نهلت من إبداعات الكثير من المثقفين العرب، وبدأت منذ صغري في قراءة السباعي وإحسان عبدالقدوس ثم طه حسين والحكيم، ولكنني اطلعت على الكثير من نتاجات إخوتي في الكويت والإمارات. أما المملكة العربية السعودية فلي صداقات كثيرة مع الصحفيين والكتاب كما ذكرت، وقد قرأت الكثير أيضاً من فهد الأحمدي وعبدالرحمن المنيف وتركي الدخيل والجاسر وغيرهم، ولا أنسى دور الصحف السعودية في إصدار ملاحقها الثقافية؛ فقد استفدنا من جريدة «عكاظ» ومن الصحف الأخرى كثيراً ممن قاموا بتوسيع مداركنا.

• كيف يمكن توظيف القوة الناعمة في التقارب بين الشعوب؟

•• القوة الناعمة تتمثّل في الأطر الثقافية التي يسعى إليها الطرفان. يجب أن نعلم أنه لا ينبغي علينا انتظار الجهات الرسمية ووزارات الثقافة، بل أن نمد أيدي التعاون بين المجموعات الأدبية والاجتماعية العامة والشبابية. يجب أن نعرف بعضنا بعضاً بصورة أكبر وبصورة صحيحة. وها نحن -كما قلنا في المنتدى الدولي وفي دار النشر- نسعى لذلك ونمدّ أيدينا وننتظر الأيدي التي تتعانق من قبل دور النشر السعودية والخليجية؛ لنعمل معاً لأجل أجيالنا القادمة.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>