يوسف قابلان - يني شفق
على مدار قرنين منذ عهد التنظيمات، أسس البريطانيون آليات للسيطرة على البلاد من الداخل ، ونجحوا في ذلك للأسف. فبينما لم تشهد بلادنا احتلالًا عسكريًا، عانت من احتلال فكري.
لقد سُرقت منا تركيا: حفنة من عبيد "الدوشيرمة"وعبيدهم الفكريون هم من حولوا مجرى تاريخ البلاد على مدى قرنين. والآن تواجه البلاد خطرًا حقيقيا بفقدان اتجاهها ومسارها وروحها، وتهديدًا بالاندثار الشامل، كما اندثرت الأندلس من قبل.
لم تخضع هذه البلاد للإمبريالية، ولن تخضع كذلك في المستقبل. فمن يدعون معاداة الإمبريالية وهو في الوقت نفسه يشنون حربًا على ثقافة البلاد ومعتقداتها وقيمها وتاريخها، هم كمن يطلق النار على قدميه، إنهم مجرد جُند مطيعين لجلاديهم وسنواصل كفاحنا حتى نكشف لهم هذه الحقيقة.
لن يتمكن الإمبرياليون ووكلاؤهم الطوعيون من المعاقين ذهنياً، والمحبين لجلادهم، من منع تركيا من استعادة دورها التاريخي في بناء الحضارة وحمايتها.
لقد حاولوا لمدة قرنين من الزمان تحويل أطفالنا إلى مانكورت (العبد اللاواعي)، وتحويلهم إلى جراد مقيد بأوامر سادهم. لقد هيؤوا الأرضية. ولم يتمكنوا من احتلال البلاد فعليًا، لكنهم احتلوها فكريًا.
لكنهم لن يتمكنوا من محو الدور التاريخي لهذا البلد كحامل لواء الإسلام وحامي للمظلومين على وجه الأرض.
إن أولئك الذين يحاربون الإسلام في هذا البلد، ويسعون إلى تربية أطفالنا على أن يكونوا عبيدًا بلا وعي، بدلاً من تربيتهم على قيم الحضارة الإسلامية مع فهم عميق للعالم المعاصر، لا يفعلون شيئاً سوى تحويل أطفال هذا البلد إلى عبيد للغرب، ويغرسون في نفوسهم العداء لدينهم وقيمهم قبل أن يجعلوهم غرباء عن وطنهم. فإذا لم يروا هذه الحقيقة فما الذي يمكنهم رؤيته؟ كيف يمكنهم أن يروا وهم يحملون هذه العقلية الملوثة والمشوهة والمستعبدة؟
إنهم يريدون إشعال فتنة داخلية في تركيا، وتحويل هذا المجتمع إلى عبيد للغرب الإمبريالي، وإخضاعنا لأيديولوجيات باطلة مثل العلمانية المتطرفة التي تُقدَّس كدين، وذلك لزرع الفتنة بيننا. لكنهم لن ينجحوا في ذلك أبداً. لقد حمل هذا المجتمع لواء الإسلام ألف عام، ولهذا السبب تم إسقاط الدولة العثمانية.
لقد قدمت هذه الأمة للإنسانية تجربة حضارية عالمية لا يمكن تجاوزها، وأظهرت كيف يمكن لأديان وثقافات وأعراق مختلفة أن تعيش معًا بسلام ووئام، مع الحفاظ على هوياتهم وأفكارهم كأفراد.
بلغت الحضارة الغربية ذروة بربريتها في غزة، وأصبحت غزة مقبرةً ليس لإسرائيل فحسب، بل لحضارة الغرب التي دعمت إسرائيل بكل أنواع الإبادة الجماعية والمجازر.
إن حضارتنا هي تجسيد لأرقى قيم الإنسانية، وليست رمزاً للهمجية. لقد كانت القدس على مدى خمسة قرون تجسيدًا للجنة وموطن للأمن والأمان، حيث عاش الجميع بسلام وتسامح دون أن يتعرض أحد للأذى، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، وقد حاولوا طمس هذه الحقيقة عنكم، ولكن التاريخ لا ينسى. ولكن عندما سيطر اليهود والمسيحيون على القدس، حولها إلى جحيم. واليوم تقدم إسرائيل أسوأ مثال على ذلك، على مرأى ومسمع الجميع.
سنواصل بلا كلل أو ملل رحلتنا لإعادة بناء حضارتنا، تلك الحضارة التي تُمثل فخر الإنسانية، والتي تحمي حقوق الإنسان والوجود والطبيعة والمظلومين في كل مكان، وسنعمل جاهدين لتخريج أجيال جديدة قادرة على بناء هذه الحضارة العظيمة والملهمة.
سيستمر كفاحنا ونضالنا ضد الإمبريالية وأذنابها حتى ننجب جيلًا جديدًا من العلماء والفلاسفة والمفكرين والمبدعين، أمثال الإمام الغزالي والرازي وابن عربي وابن خلدون وسنان ويونس والعطري.
العالم يتطلع إلينا، ونحن وراء الحقيقة.