ترك برس
تناول تقرير لصحيفة "عربي21"، أبعاد تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، التي تشترط انسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري وغرب العراق للمضي في مسار التطبيع مع تركيا، وتعكس التصريحات تبايناً واضحاً بين التصريحات الإيجابية السابقة والتوقعات الفعلية للمستقبل.
وذكرت الصحيفة أن النظام السوري يواصل تصدير رسائل سياسية تؤشر إلى رفضه المضي في مسار تطبيع العلاقات مع تركيا، وآخرها تأكيد وزير خارجيته فيصل المقداد أن نظامه "لن يتعامل مع الجانب التركي إلا بعد الاستجابة للمطالب".
وعن مطالب نظامه، قال المقداد: "إذا أرادت تركيا أن تكون هناك خطوات جديدة في التعاون السوري-التركي، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها، فعليها أن تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في شمال سوريا وغرب العراق".
وقبل ذلك، انسحب المقداد من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، الذي عقد في 10 أيلول/سبتمبر الجاري بمشاركة تركية لأول مرة منذ 13 عاماً، مع بداية كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
ووفقا للصحيفة، تُعيد الرسائل هذه مسار التطبيع إلى المربع الأول، أي اشتراط النظام انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري لبدء التطبيع، وذلك على الرغم من الأجواء الإيجابية التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة.
ويبدو أن أنقرة ما زالت عازمة على المضي في استعادة علاقاتها مع النظام، حيث قللت مصادر تركية من تجاهل المقداد لكلمة فيدان، مؤكدة أنه "لن يكون لموقف المقداد في الجامعة العربية تأثير كبير على مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق".
ويرى الباحث والكاتب التركي عبد الله سليمان أوغلو، أن النظام يظهر عدم جدية في مسار التطبيع، "غير أنه لا يستطيع الإعلان بشكل صريح عن رفضه المضي في هذا المسار بسبب الضغوط الروسية".
ويوضح لـ"عربي21" أن النظام يرسل من وقت لآخر بعض الردود الإيجابية تجاه تركيا، بما يتناسب وحجم الضغط الروسي، ومن المعلوم أن موسكو هي من ترعى هذا المسار.
وبحسب سليمان أوغلو، فإن النظام يريد الحصول على كل المكاسب من تركيا، دون تقديم أي تنازل، ونتيجة ذلك يتجه هذا المسار إلى التعثر.
إيعاز إيراني
ومن وجهة نظر الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، فإن كل ما يصدر عن النظام هدفه عرقلة مسار التطبيع، بأوامر إيرانية.
ويضيف لـ"عربي21": "لكن في العمق فإن مسار تطبيع يسير بوتيرة بطيئة، ووفق آلية معينة، وبالتالي فإنه يمكن قراءة تصرف وزير خارجية النظام المقداد في اجتماع القاهرة، والتصريحات التي أعقبت ذلك، في إطار زيادة الضغط على تركيا".
واعتبر عودة أوغلو، أنه رغم محاولات النظام وإيران عرقلة مسار التطبيع، فإن روسيا تبدو عازمة على استكمال المسار".
والواضح أن العقبات التي تعترض مسار تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري عديدة ومعقدة، وليس أدل على ذلك من عدم الإعلان عن توقيت اللقاء الذي سيجمع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان برئيس النظام السوري بشار الأسد، رغم بدء هذا المسار منذ العام 2022.
وأكد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة" سمير العبد الله أن هناك العديد من العوامل التي تعرقل مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا، وأبرزها اختلاف المصالح الاستراتيجية والسياسية.
ويقول إن "تركيا تركّز على أمنها القومي والقضاء على التهديدات في منطقة شرقي الفرات، بينما يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وإيقاف تركيا دعمها للمعارضة".
ويكمل لـ"عربي21" بأن النظام يريد لقاء الرئيس التركي أردوغان بصفته "الجهة الشرعية الوحيدة" في سوريا، وليس كأحد الأطراف المتنازعة، ولكنه يرفض تقديم أي تنازلات سواء لتركيا أو للمعارضة، ويضع شروطا مسبقة في بعض الأحيان، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك أيضا رغبة إيرانية في عرقلة هذا المسار، وعدم رضا أمريكي عليه.
وتابع العبد الله، بأن "النظام السوري يحاول الحصول على كل شيء دون تقديم مقابل، بينما يرى أن مجرد الجلوس مع أردوغان يعتبر تنازلا كبيرا.. من جهة أخرى، تسعى تركيا لتحقيق تقدم بدافع الوساطة الروسية ورغبتها في تحقيق توازن في علاقاتها الخارجية".
وقال: "يبدو أن المسار متعثر حتى الآن، ولم يتم الاتفاق على المبادئ الأساسية للتطبيع، ما أدى إلى تأجيل اللقاء بين أردوغان والأسد، كما أن أذربيجان دخلت كطرف جديد في الوساطة، واقترحت عاصمتها باكو كمكان محتمل لعقد اللقاء بين الطرفين".