يشهد العراق تزايدا ملحوظا في انتشار المخدرات مما يثير قلقا كبيرا لدى العديد من المراقبين الذين عزوا سبب هذا الانتشار، إلى ضعف الإجراءات الحكومية وعدم كفاية التشريعات، معبرين عن مخاوفهم من تبعات ذلك على زيادة معدلات الجريمة والمشاكل الاجتماعية، وطالبوا بإجراءات حكومية أكثر حزما للحد من هذه الظاهرة.
مجلس الوزراء العراقي وافق، في السابع عشر من سبتمبر الحالي، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017.
وقال رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إن هذا التعديل يهدف إلى رفع مستوى دائرة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، لتتمكن من مواجهة هذه الآفة الخطيرة، بحسب تعبيره.
وتضمن المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، إعفاء المتعاطي الذي يقوم بتسليم نفسه للمؤسسة الصحية من العقوبات الجزائية، وتوفر له حقوقا منها، اعتبار المتعاطي مريضاً وليس متهماً، ووضعه تحت الملاحظة الصحية لمدة 30 يوماً، وتلقيه العلاج لفترة تتراوح ما بين 90-180 يوماً. وتشترط المادة على المتعاطي الالتزام بالعلاج ومراجعة العيادة النفسية الاجتماعية بعد الشفاء لفترة محددة ووفي حال عدم الالتزام أو التخلف يتم إشعار المحكمة المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتعاطي.
وأعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في نهاية شهر أغسطس الماضي، عن إحصائية بعدد عملياتها وعدد المقبوض عليهم والصادرة بحقهم أحكام قضائية خلال العام الجاري. إذ كشفت المديرية عن اعتقال نحو 10 آلاف متهم بجريمة المخدرات، فيما صدرت الأحكام القضائية بحق ما يقارب 5500 منهم منذ مطلع العام الحالي، مشيرة إلى تفكيك شبكات دولية عبر تبادل المعلومات وتكوين قاعدة بيانات بعمل دولي مشترك.
المديرية تابعت أن المصحات تستقبل المئات من المتعاطين لتلقي العلاج، مؤكدة أن من يلجأ اليها من تلقاء نفسه لا يحاسب قانونيا وفق المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية. وأشارت إلى صدور 140 حكما بالإعدام و500 حكما بالسجن المؤبد بحق تجار مخدرات للفترة من مطلع العام الماضي ولغاية شهر أغسطس من عام 2024.
وزارة الداخلية ذكرت من جانبها في السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي، أن "عدد المضبوطات من المواد المخدرة من الحشيشة، والكريستال والكبتاغون وغيرها، بلغ نحو طنين و20 كغم خلال 7 أشهر"، وأن انتشار هذه المواد حوّل العراق من بلد مرور لهذه المواد، إلى بلد مستهلك أيضا.
هذه الأرقام تشير إلى أن مخاطر المخدرات في العراق تتفاقم يوما بعد يوم، فما الأسباب التي تقف وراء انتشار هذه التجارة المدمرة للبنية المجتمعية؟ وكيف تدخل هذه المواد المخدرة إلى البلد رغم الإجراءات والتشديدات الأمنية؟ وهل التشريعات القانونية كفيلة بالقضاء على التجار والمروجين؟
فساد و حدود غير مسيطر عليها
أكثر من 1400 كلم من الحدود بين العراق وإيران، تنتشر فيها عدد من المنافذ الرسمية وغير الرسمية، وتعتبر صعوبة السيطرة على هذه الحدود رغم الإجراءات المشددة والتنسيق الأمني المشترك بين البلدين، سبب رئيسي لتدفق المواد المخدرة بكل أنواعها للعراق.
الخبير الأمني سرمد البياتي وضح في حديث للحرة أن الحدود العراقية السورية بطول 600 كلم، هي الأخرى سبب في عبور كميات كبيرة من المخدرات، فتضاريس المنطقة المعقدة سيما في الجزء الشمالي من البلد، تعيق جهود السلطات في حمايتها وتأمينها من عمليات التهريب، في ظل غياب للإجراءات الأمنية وعدم نصب كاميرات حرارية وتساهل في ضبط المعابر الحدودية، جميعها عوامل ساعدت على عبور أطنان من المخدرات إلى العراق.
الفساد، بحسب البياتي، "عامل آخر زاد من تفاقم المخدرات في العراق. إذ أدى تدخل بعض الأحزاب في عمل الوزارات، إلى تعيين شخصيات غير كفوءة في مناصب أمنية حساسة".
"فرائس سهلة"
تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة تواجه الشباب في العراق تجعلهم فريسة سهلة للمخدرات، بعد أن عمد التجار والمروجون إلى نشرها في المدارس والجامعات.
الناشطة في مجال مكافحة المخدرات، نادية الساعدي، أشارت في حديثها لموقع الحرة إلى ارتفاع في تعاطي المخدرات في هذه المؤسسات التعليمية بعد ضبط هذه المواد في عدد من المدارس.
ويؤيد البياتي ما ذهبت إليه الساعدي، ويحذر من العواقب إذا استمر التجار باستهداف شريحة الشباب.ويقول إن وصول هذه المخدرات إلى المدارس والجامعات وتعاطيها حتى من قبل الفتيات، هو دليل واضح على مدى انتشارها بين الشباب.
صعوبة الوضع الاقتصادي للعديد من الشباب وتراجع مستوى وعيهم، جعلهم ضحية أيضا للمخدرات، فانتشار تعاطيها، بحسب الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي، في المناطق الفقيرة بات واضحا جدا، محذرا من أن انتشار المخدرات يحول المتعاطين مستقبلا لمروجين وتجار.
عقاقير للبيع وسجائر إلكترونية "مخدرة"!
لم يعد الكريستال والكبتاغون والحشيش، أكثر أنواع المخدرات انتشارا بين الشباب، بل أيضا هناك عقاقير مهدئة يحصل الشباب عليها من الصيدليات دون رقابة ووصفات طبية. تقول رئيسة منظمة نقاهه لمعالجة مدمني المخدرات إيناس كريم، إن تجار المخدرات ليسوا هم وحدهم سبب انتشار المخدرات، بل أن أصحاب هذه ألصيدليات والمذاخر والذين وصفتهم ب"الخونة" يتحملون أيضا المسؤولية.
الناشطة في مجال مكافحة المخدرات نادية الساعدي تحذر بدورها من لجوء بعض مروجي المخدرات إلى أساليب مختلفة لإستهداف الشباب، منها بيع مواد مخدرة تستخدم في السجائر الالكترونية التي انتشرت مؤخرا بين الفتيات، حسب تعبيرها.
هذا الانتشار الواسع للمخدرات بين الشباب له تبعات خطيرة أبرزها أرتفاع نسب الجريمة، سيما بعد أن سجلت السلطات المعنية ارتفاعا في جرائم القتل والاعتداء والاغتصاب والانتحار. الخبير الأمني، البياتي، يقول إن هذه الجرائم كانت غريبة سابقا على المجتمع العراقي والآن تحولت إلى ظاهرة تتفاقم سريعا.
ضبط الحدود وتفعيل القوانين .. بداية حل المشكلة
في ظل غياب الحلول الناجعة للحد من انتشار المخدرات في العراق، برزت المطالبات للسلطات المعنية باتخاذ خطوات جادة لحل هذه الأزمة والقضاء عليها.
أولى هذه الخطوات، بحسب البياتي، هي السيطرة على الحدود وضبط منافذها وتفعيل قوانين حماية منتسبي أجهزة مكافحة المخدرات من الملاحقات العشائرية واستهداف مافيات المخدرات، أما ثاني الحلول تتمثل بمطالبة الحكومة باتباعها لتعزيز عمل جهاز مكافحة المخدرات.
أما الباحث الاجتماعي، الخفاجي، فيشير في حديثه لموقع الحرة إلى أهمية مراقبة المقاهي ومنع القاصرين من ارتيادها، فهي "مكان لنشر المواد المخدرة بين الشباب وحتى الأطفال".
وبالإضافة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشباب وملاحقة الجهات المتورطة بتجارة المخدرات، فزيادة عدد مراكز التأهيل في العراق، حل يجب أن يدرج في خطط الحكومة الاستراتيجة لمكافحة المخدرات، بحسب رئيسة منظمة نقاهه لمعالجة مدمني المخدرات، إيناس كريم، التي دعت أيضا إلى محاسبة الصيدليات التي تبيع عقاقير "مهدئة" للشباب دون وصفات طبية، كخطوة أخرى لمنع انتشار المخدرات.
بإشراف وزير الداخلية السيد عبد الأمير الشمري .. اكتساب (2000) متعاطي مخدرات الشفاء التام وفق البرامج الخاصة بالتعافي بعد الادمان داخل مراكز تأهيل المديرية العامة لشؤون المخدرات . ………………………………………… أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات عن تشافي (2000) متعاطي ومدمن مواد مخدرة بعد إكمالهم البرامج الخاصة بالتعافي بعد الادمان داخل مراكز تأهيل المديرية العامة لشؤون المخدرات , يذكر بأن نجاح تجربة افتتاح تلك المراكز جاءت بعد استحصال موافقة دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني بناءا على مقترح وزير الداخلية السيد عبد الأمير الشمري , سيما بأن كافة معلوماتهم وبياناتهم مثبتة ومسجلة داخل المديرية العآمة وسيجري متابعة حالتهم استناداً لتوجيهات مدير عام شؤون المخدرات اللواء الحقوقي احمد الزركاني بشكل دوري لضمان سلامتهم من الناحية الامنية والصحية .
ومع استمرار السلطات العراقية في خططها لمكافحة المخدرات، ذكر وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، أن الحكومة وضعت استراتيجية إلى عام 2025 للقضاء على انتشار المخدرات، تتضمن ضبط الحدود الإقليمية مع كل من سوريا وإيران والسعودية والكويت، والسيطرة على المنافذ الحدودية، واستحداث شعب لمكافحة المخدرات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
الشمري لفت أيضا إلى "التنسيق مع دول الجوار في موضوع إلقاء القبض على التجار الدوليين"، مشيرا إلى أهمية دور مستشارية الأمن القومي في إطلاق جلسات حوار ودورات توعية وإرشاد تحذر من مخاطر انتشار المخدرات بين الشباب.
مديرية شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الداخلية أعلنت، مطلع شهر سبتمبر الحالي، إصدار 70 مذكرة قبض دولية ضد تجار مخدرات، واعتقال عدد منهم.
وأكدت المديرية أن "مادتي الكريستال والبروثامين، تدخلان العراق من الشرق والغرب، فمن الشرق تأتي من أفغانستان وتمر بإيران ثم العراق، فيما تأتي من جهة الغرب من الحدود الفاصلة بين سوريا ولبنان".