"الأزهريون".. مليشيا عراقية جديدة

العربي الجديد

"الأزهريون".. مليشيا عراقية جديدة

  • منذ 2 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:

"الأزهريون".. لا يذهب بكم الخيال بعيدًا وأنتم تقرأون اسم هذه المليشيا، وتتصوّرون أنّ لها علاقة بمؤسّسة الأزهر المصريّة، فالعراق بعد عام 2003، تحوّل إلى حاضنةٍ للمليشيات بمختلف أنواعها، وظلّ يفاجئنا بولادةِ مليشيا جديدة كلّ فترةٍ، لتلتحقَ بأخواتها العاملة حاليًا على أرض هذا البلد.

وقبل الخوض في سبب تسميّة هذه المليشيا بـ "الأزهريون"، دعونا نعرّج على ما نشره حساب "وزير القائد"، وهو حساب مجهول الهويّة على منصّة إكس، يتكلّم (كما يُقال) بالنيابة عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ويحظى بدعمه. فقد نشر أمرًا إلى قائد مليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، تحسين الحميداوي، بطرد كلّ عناصر ما يُسمّى مليشيا "الأزهريون" من صفوف "سرايا السلام"، ومقاطعتهم وإبلاغ السلطات الأمنيّة عنهم. فيا ترى من هؤلاء المغضوب عليهم من قبل مقتدى الصدر، وما حكايتهم؟

بداية القِصّة ليست جديدة، بل تعود إلى سنواتٍ خلت. فبعد السؤال عن هذه الجماعة، أفاد مقرّبون من التيار الصدري، بأنّ شخصًا يُدعى أزهر الدليمي، كان ينتمي إلى مليشيا جيش المهدي، وهو الاسم السابق لمليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، وكان قياديًا وفاعلًا فيها، وكان يعمل ضمن الوحدات التي يقودها قيس الخزعلي قبل انشقاقه وتأسيس مليشيا خاصّة به (عصائب أهل الحق) أواخر عام 2005، والتي صُنِّفَت فيما بعد ضمن قوائم الإرهاب الأميركية عام 2020.

والغريب بالأمر، أنّ الدليمي كان سنيًّا وليس شيعيًّا، لكنّه تشيّع وانخرط ضمن صفوف التيار الصدري، واسم هذه الشخصيّة، يُفسّر لنا لماذا سُمِّيت العناصر المتأثّرة بهذا الرجل، باسم "الأزهريون"، ذلك لأنّ هذا الرجل، يُعتبر الأب الروحي لهم. وفي عام 2007، قُتل هذا الرجل من قبل الأميركان بعد اتهامه بمقتل جنود أميركان، ثم بعد ذلك، تحوّل هذا الرجل إلى رمزٍ لبعض عناصر جيش المهدي.

وبالسؤال عن الدليمي، ذكر مقرّبون للتيار الصدري، أنّه كان رجلًا معبَّأً عقائديًا، ملتزمًا بشدّة بأفكار محمد الصدر والد مقتدى الصدر، يتسم بالشدّة بتصرّفاته الشخصيّة، وبالشجاعة في تنفيذ عمليّاته العسكريّة. كلّ هذه الصفات، جعلت أفكار هذا الرجل تنتشر داخل صفوف جيش المهدي حتى بعد مقتله، وأصبحت هناك مجاميع "غير مصنّفة" داخل جيش المهدي تُعرّف به، وتتبنّى أفكاره "المتشدّدة"، حتى سُمّوا بـ "الأزهريون" نسبةً إلى هذا الشخص الرمز.

مع ذلك، لم تكن هناك مشكلة في انتشار هذا التيار "الفكري" في مليشيا سرايا السلام، لأنّه لم يترتّب عن ذلك عمل يُخالف ما تريده هذه المليشيا، وبقيَ المتأثرون بأفكار الدليمي، مُوالين ومُخلصين لزعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر. وعلى الرغم من أنّ الدليمي كان ضمن المجاميع التي يقودها قيس الخزعلي، الذي انشق لاحقًا ليؤسّس مليشيا خاصة به، إلّا أنّ الدليمي بقي على ولائه لمقتدى الصدر، وبقي المتأثرون بأفكاره كذلك على ولائهم لمقتدى.

لكن لوحظ في الفترةِ الأخيرة على هذه المجموعة المسمّاة بـ "الأزهريون"، والتي يتزعمها حاليًا شخص يدعى صمد أبو كاظم الفرطوسي (أمر مقتدى الصدر بطرده من سرايا السلام)، أنها بدأت تنخرط ضمن أنشطةٍ وفعاليّاتٍ خاصة بها، بل وصفها عدد من المراقبين بأنّها بدأت بخطواتٍ انعزاليّة تُميّز نفسها عن باقي عناصر التيّار الصدري، على اعتبار أنّهم الأكثر تمسّكًا بمبادئ الصدر، والأكثر تديّنًا بالمذهب الشيعي (كما يرون أنفسهم). لكن من جانب أخر، يُمكن أن تُفسّر باعتبارها خطوات ممهِّدة للانشقاق عن التيّار مستقبلاً، ولا سيما أنّها أصبحت تضمُّ بالإضافة إلى عناصر من مليشيا سرايا السلام، عناصر من التيار الصدري بشكلٍ عام، وهنا تكمن الخطورة التي لم ينتبه لها مقتدى الصدر أو أحد من مساعديه إلّا متأخرين.

لا نكاد نرى الدولة العراقية اليوم في زحمةِ المليشيات المسيطرة على الواقع السياسي والأمني، وحتى الاقتصادي

لكن الذي فجَّر الحديث عن هذه المجموعة التي أصبحت بأعداد لا يُستهان بها، ما حدث قبل أيّام مع موكب وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، حيث منعت مجموعة من الأزهريين موكب وزير الداخلية من الدخول إلى مدينة سامراء، التي يعتبرها التيار الصدري مدينة خاصّة به، بحجة أنّ الموكب كبير جدًا ومُدجّج بالسلاح، وهذا يشكّل تهديدًا أمنيًا على المدينة، ولا سيما أنّ وزير الداخلية محسوب على منظمة بدر. وقد أهان عناصر المليشيا آمر هذا الموكب، وهو ضابط برتبة كبيرة، إضافة إلى خلع رتبته العسكرية إمعانًا في إهانته، الأمر الذي أغضب وزير الدفاع، ووصلت الحادثة إلى مسامع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.

بعدها بأيّام، أوعز الصدر على لسان وزيره محمد صالح العراقي، إلى قائد سرايا السلام بجرد أسماء كلّ الأشخاص المتأثّرين بفكرِ الأزهريين وفصلهم من المليشيا والإبلاغ عنهم لدى السلطات لاتخاذ الإجراءات القانونيّة بحقّهم. وهذا الإجراء القاسي الذي قام به الصدر بحقِّ هذه المجموعة، يدل على إدراكه المتأخّر لخطورةِ هذه الجماعة التي تغلغلت داخل تياره، وتدل أيضًا على خشيته من أن تنشق هذه الجماعة عن تياره كما فعلت جماعات مسلّحة أخرى، الأمر الذي جعله يصفهم بـ "المليشيا الوقحة"، وهو الوصف نفسه الذي أطلقه على مليشيا "عصائب أهل الحق" التي انشقت عن تياره عام 2005.

من جهةٍ أخرى، يمكن اعتبار أنّ التمهيد لانشقاق هذه المجموعة من التيار الصدري، ناتج من أسباب من خارج التيّار الصدري، ولا سيما أنّ التيّار له خصومات سياسيّة كبيرة مع أحزاب ومليشيات (الإطار التنسيقي) الشيعي المدعوم إيرانيًا، وهناك منافسة كبيرة بين الطرفين على زعامة الطائفة الشيعيّة في العراق. وقد سبق لزعيم حزب الدعوة، نوري المالكي، الذي هو جزء من "الإطار التنسيقي"، أن أدار عمليّة انشقاق لمليشيا عصائب أهل الحق من التيار الصدري، حينما كان رئيسًا للوزراء في فترته الأولى.

معظم المليشيات الفاعلة في العراق، إمّا كانت ضمن التيار الصدري، أو تمُتّ بصلةٍ ما لهذا التيار

وعلى هذا تمضي الأمور في العراق، ففي كلّ فترةٍ تظهر لنا مجموعة مسلّحة جديدة، من رحم مجموعة مسلحة أقدم منها، ليغرق البلد في المليشيات التي تتزاحم مع الدولة بمؤسّساتها الأمنية وتتغوّل عليها، حتى لا نكاد نرى الدولة العراقية في زحمةِ المليشيات المسيطرة على الواقع السياسي والأمني، وحتى الاقتصادي.

ويتصدّر التيار الصدري المشهد كأكبر جماعة مذهبيّة قادرة على إنتاج عشراتِ المليشيات القابلة للتشظّي بدورها إلى ما لانهاية من المجاميع المسلّحة، فمعظم المليشيات الفاعلة في العراق، إمّا كانت ضمن التيار الصدري، أو تمُتّ بصلةٍ ما إلى هذا التيار (إذا ما استثنينا المليشيات التي جاءت مع المحتل الأميركي عام 2003)، وهذا يدل بما لا يقبل الشك على ضعف التنظيم داخل التيّار الصدري، وعلى فقدان الثقة عند أتباع التيّار بسياسةِ مقتدى الصدر الذي فوّت عليهم فرصًا كبيرة لتسلّم السلطة بالعراق، بسبب عدم نضج سياساته وتردّده في حسم كثيرٍ من الملفات المهمّة، وتركها سائبة دون نهايات. ولهذا السبب، تنبّأ كثير من المراقبين السياسيين، بأنّ مصير هذا التيار سيكون التفكّك لا محالة، إذا ما بقيت الدائرة السياسيّة التابعة للتيّار على وضعها الحالي.

إنّ القضاء على المليشيات والمجاميع المسلّحة في العراق واحتكار الدولة للسلاح، لا ينبغي معالجته أمنيًا وعسكريًا فقط. فعلى الرغم من أهميّة هذه المعالجة، إلا أنّها غير كافية إذا ما بقي الفكر المتطرّف موجودًا ويعمل بحريّة ويهيّئ الحاضنة لولادة هذه المليشيات مرارًا وتكرارًا، والفكر الذي يحمله التيار الصدري، يمثل منبعًا خصبًا لإنتاج مثل هذه الأفكار.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>