من لبنان إلى تركيا.. التحولات الإقليمية وكيفية مواجهة التحديات المشتركة

ترك برس

من لبنان إلى تركيا.. التحولات الإقليمية وكيفية مواجهة التحديات المشتركة

  • منذ 1 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:
ترك برس
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، أصبح العدوان الإسرائيلي على لبنان ودول المنطقة محط أنظار العالم، حيث تشير الوقائع إلى تحول دراماتيكي في سلوك إسرائيل تجاه جيرانها، فهي تتبنى نهجًا عدوانيًا متزايدًا، مما ينذر بالخطر ليس فقط للمنطقة، بل للبشرية جمعاء.
وفي هذا الصدد، قال السياسي والبرلماني التركي السابق ياسن أقطاي، إن إسرائيل دخلت مرحلة جديدة من العدوانية المتزايدة بعد اجتياح قواتها للبنان، وأصبح من الواضح أن سلوكها العدواني المتطرف بات يتسارع بطريقة لا يمكنها حتى هي السيطرة عليه؛ وكما يُقال، وصلت إلى مرحلة لا تستطيع التوقف فيها حتى لو أرادت. فقد فقدت السيطرة على أفعالها، ويتطلب الأمر الآن تدخل قوة خارجية لفرض التوقف، وفقاً لقوانين الديناميكا الحرارية.
وأكد أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق أن إسرائيل لا تتردد في استغلال كل ميزة يمنحها إياها تفوقها العسكري، مما يثبت بشكل جلي أنها كدولة لا يمكن الوثوق بها بأي شكل من الأشكال. ولنتذكر الحجج التي طُرحت منذ سنوات بشأن برنامج إيران النووي.
فمن الواضح أن إسرائيل، بترسانتها النووية، تشكل تهديدًا أخطر بكثير وأكثر واقعية للسلام العالمي مما كان يُقال عن إيران. فرغم عدم وجود أي أسلحة ثقيلة في غزة، تجرأت على التحدث عن إمكانية استخدام السلاح النووي بطريقة تمحو غزة من الخريطة بالكامل، مستهدفة بذلك شعباً بأكمله، مما يجعلها تهديداً ليس فقط لأهل غزة، بل للبشرية جمعاء. وفقا للكاتب التركي.
وتابع المقال:
إن الخطر الأكبر الذي يجب أن يتنبه إليه العالم اليوم هو الخطر الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق ينبغي إعادة تقييم النظام العالمي الذي أوجد إسرائيل. ومن الضروري أن نعيد النظر في دور الأطراف التي شاركت في إنشاء إسرائيل، بدءًا من وعد بلفور الذي تم التخطيط له خلال الحرب العالمية الأولى وصولاً إلى النظام العالمي الذي نشأ بعده وما زال يحافظ على وجود إسرائيل. فالتهديد لا ينبع فقط من إسرائيل ذاتها، بل من القوى التي أسست هذا النظام وتستمر في دعمه.
وفيما يتعلق بقضاء إسرائيل على كافة قيادات حزب الله، ومن ثم زعيمه حسن نصر الله، أصبح من الضروري إعادة التفكير في موقع إيران داخل هذا المشهد. ولكن التركيز على حزب الله وإيران ونصر الله الذين كانوا ضحايا العمليات الإسرائيلية، رغم تفهمه، يعد أمراً محيراً ومؤسفاً في الوقت ذاته، خصوصاً في ظل التهديد الأكبر الذي تمثله إسرائيل. صحيح أن سجل حزب الله تحت قيادة نصر الله بات مؤخراً مرتبطاً بأدواره ضد المسلمين في العراق وسوريا أكثر من مواجهته لإسرائيل، وهو ما يفسر مشاعر الفرح والاحتفال بمقتله، إلا أن هذا قد يشكل انحرافاً خطيراً عن القضية الأساسية التي نواجهها
إن الاحتفالات التي شهدتها بعض المناطق السورية عقب مقتل نصر الله هي أمر يجب أن يأخذه حزب الله وإيران بعين الاعتبار في تقييماتهما، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة عليهما نتيجة لهذه الهجمات.
طرحت سؤالاً على صديق سوري يشاطر السوريين هذه المشاعر وردود الأفعال قائلاً: لو نفذ حزب الله هجوماً فعالاً على إسرائيل أسفر عن خسائر فادحة، كما فعلت حماس، فماذا ستكون ردود أفعالكم؟ فأجاب "كنا سنفرح بنفس القدر، وربما لم نكن لنسامحه تماماً، لكن كنا سنلين معه إلى حد ما، إلا أن العنف والقسوة التي أظهرها تجاهنا، لم نشهده أبداً يظهرها ضد إسرائيل.
وفي الواقع، عندما حقق حزب الله انتصاراً على إسرائيل في لبنان عام 2006، احتضن العالم السني هذا الانتصار وتبناه، دون النظر إلى انتمائه الشيعي، وهذا يدل على أنه لم يكن هناك أي تحيز طائفي في العالم السني ضد إيران أو حزب الله. إلا أن الأحداث التي تلته في سوريا والعراق سببت آلاما وجراحاً عميقة يصعب التئامها.
ومع ذلك، يجب على الجميع أن يوجهوا مشاعرهم واستعداداتهم ومواقفهم بشكل صحيح في مواجهة إسرائيل، التي تمثل التهديد الأكبر اليوم للبشرية دون أن يحيدوا عن وجهتهم ويضلوا طريقهم. وبغض النظر عن الخلافات مع حزب الله، وخاصة مخاوف العالم السني والشعب السوري، فإن استهدافه من قِبل إسرائيل هو أمر يتطلب مزيداً من التأمل واستخلاص العبر، وتحليل الحسابات والاعتبارات الخفية وراء ذلك بعناية وبصيرة.
لقد صرح الرئيس رجب طيب أردوغان، ربما لأول مرة، بشكل واضح وقوي بأن سياسات الاحتلال الإسرائيلية تستهدف تركيا. وهذا في الواقع ليس موضوعاً يخفى على أحد لديه أدنى إلمام بالأيديولوجية الصهيونية التي تستند إليها إسرائيل. فالجميع يعرف أن تركيا كانت هدفاً في مرحلة ما من المخطط الكبير الذي أُعد لتأسيس إسرائيل.
والحقيقة أن هناك دورا محددا قد رسم مسبقاً لتركيا في سياستها الداخلية والخارجية ضمن خطة التوسع الإسرائيلية، وكانت تركيا تتحرك وفقًا لهذا الدور. ومع تولي أردوغان السلطة، بدأت تركيا في الاعتراض على هذا الدور والابتعاد عنه تدريجياً. ولكن برنامج الإرهاب الذي تم تفعيله ضد تركيا من قبل تنظيم "بي كي كي" الإرهابي منذ عام 1984 لم يكن سوى خطوة تكاملية من خطوات التوسع الإسرائيلي. كما أن خلق مسافات بين الأتراك والعرب، وبين العرب والأتراك، من خلال خطاب الكراهية وتطبيق السياسات العلمانية، يعد أيضاً من العناصر الأساسية لهذا البرنامج.
وكان تنفيذ البرنامج الديني المتعصب لإسرائيل مشروطاً بتحول تركيا إلى دولة علمانية متطرفة. فالخطة واضحة تماماً: هم سيعيشون حياتهم وفقاً لكتابهم المقدس، ونحن سنبتعد عن القرآن.
إن وجود هذا الدافع والهدف الديني وراء عدوان إسرائيل ليس بالأمر الجديد، ولكنها حتى الآن نجحت في إبقاء هذا الهدف بعيدًا عن الأضواء في سياق درامية "حق الوجود". ومع تصعيد عدوانها اليوم، لم تعد قادرة على إخفاء هذا الهدف وخططها التوسعية.
إن بدء الرئيس أردوغان في التعبير عن هذا الخطر بشكل واضح وصريح، وكذلك تصريح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي عن نفس التهديد في صباح اليوم ذاته، يعكس مؤشرات جدية حول كيفية تطور الوضع بالنسبة لإسرائيل في المستقبل.
وبالطبع إن هذا العدوان الذي يستهدف تركيا لا يقتصر على لبنان والأردن والكويت والعراق وسوريا ومصر، بل إن باقي أنحاء العالم ليس بمنأى عن تبعاته. فالفهم القائم على نبوءات دينية متعصبة ووعود وهمية يشكل أكبر تهديد للسلام العالمي.
لقد حان الوقت للتفكير في اتخاذ تدابير أكثر فعالية وكفاءة وحكمة لمواجهة هذا التهديد. إن دعوة أردوغان للعالم بأسره، وخاصة العالم الإسلامي، للاتحاد وتجاوز كافة الخلافات بينهم، هي نتيجة لهذا النهج المسؤول والحكيم.


عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>