في عقل العدو (2).. المقامر حتى على “الثالوث مقدس”
اللايقين يبدو سيد الموقف والمجهول، في أكبر المتغيرات في المعادلة الدولية. هكذا يبدو المشهد لمن ينطلق من مسلمة أن أميركا لا تريد حرباً اقليمية، أو أنها تخاف على كيان العدو من شر نفسه أو من مغالطة أن الانتخابات الأمريكية تؤثر في السياسة الخارجية الأمريكية.
كان التقدير العقلاني الأرسطي لرد فعل العدو على طوفان الأقصى يملي بحتمية عدم التوغل البري في غزة، وها نحن تجاوزنا العام والعدو يصر على التورط برياً في ساحة أشد وأدهى هي لبنان. وهذا يعني أن هذا المنطق غير دقيق لتفسير وتقدير نوايا العدو.
منذ استشهاد القائد الشهيد السيد فؤاد شكر والجدل حول نوايا العدو يزداد استقطاباً، فريقٌ يعتقد أن العدو الصهيوني لن يوسع الحرب ويبني حجته على مبدأ الردع وآخر صغير ينظر لأن العدو يعد العدة للمواجهة الشاملة، والردع موجود بالفعل ولكن نحن هنا ننظر لنصف الكأس الملآن، لتكتمل الصورة علينا أن نفكر بمنطق العدو وهو منطق المقامر الذي لا تهمه الخسائر القادمة بقدر المغامرة أملاً في تعويض الخسائر القائمة.
والصهيوني لا يقامِر بقدر ما يقامَر به من السيد الأمريكي، هذا الرأي على قلة مريديه موجود لدى معسكري الحرب، ومنهم الصهيوني اران اديليست الذي يرى أن “اسرائيل” تورط نفسها لأنها أصبحت مقاول اغتيالات للولايات المتحدة الأمريكية، وأنها مرتهنة للمصالح الأمريكية بشكل يجرها إلى الهاوية. ستضحي أمريكا بآخر صهيوني لتحقيق مصالحها اذا لزم الأمر وسنكون مخطئين إذا ما ظننا أن حياة الصهيوني أثمن من حياة الأوكراني لديه، ولمن يعتقد أن أهمية كيان العدو الجيواستراتيجية هي ما تمنع أميركا من دفعه لهكذا مغامرات فهو لم يفهم حرب تموز جيداً ولا يعرف تعقيدات العلاقات الاستعمارية، ولذلك فأنت مدعو الى متابعة سلسلة “في عقل العدو” إلى نهايتها.
حجر العقد وثالوث مقدس
الموضوع الملح الذي سيناقش هنا هو ما ستخسره الإمبراطورية الأمريكية إذا لم توسع الحرب، أو لماذا تقامر أمريكا بإغراق حاملة طائراتها التي لا تغرق في حرب إقليمية شاملة؟ الإجابة هي أن ما ستخسره في حال عدم توسعة الحرب أكبر بكثير مما ستخسره في المواجهة الإقليمية الشاملة (بمنطق حساباتها)، وهو عمادها الإمبراطوري المثلث الذي تتكئ عليه لفرض هيمنتها على العالم: السلاح، المال والبحار. وكيف ينعكس تهديد هذه الثلاثة على الحرب اليوم خصوصاً فيما يتعلق بالاعتداء الصهيوني المرتقب على الجمهورية الإسلامية في إيران.
قبل الخوض في كل عنصر من عناصر الهيمنة الامبراطورية، من الضروري فهم معضلة أميركا المضاعفة التي تكمن بأن ثالوثها الامبراطوري المقدس -المدنس- هذا يتكئ على بعضه بعضاً وكل طرف فيه يعمل كحجر العقد أو مفتاح القنطرة الذي إذا ما تحرك يسقط السقف بأكمله.
ان تفاعل السلاح، المال والبحار يذهب لما هو أعقد من ذلك، فكل واحدة منها تشكل الغاية كما تشكل الأداة (أو المادة -المدخل الأولي) والوسط (1) لتحقيق العنصرين الآخرين في آن، بمعنى: تشكل البحار الأداة والوسط الفيزيائي (2)، الذي تسيطر فيه الإمبراطورية على العالم اقتصادياً وعسكرياً، بينما يشكل المال “الدولار” الأداة والوسط التبادلي الذي تسيطر فيه على الاقتصاد العالمي من جهة والذي ترهن فيه الدول وتخضع لأجل صفقات الأسلحة (3)، ويشكل السلاح الاداة والوسط القيمي الذي تخضع تحت سطوته اقتصادات الدول وبحار العالم.
البحار.. إنّي أرى رؤوساً قد أينعت!
الأصل في العقيدة الامبراطورية الامريكية منذ أكثر من قرن هو محاصرة بحر الصين، لأن الأمريكيين بحساباتهم كانوا ينظرون لشرق آسيا على أنها منجم الثروات لكل الصناعات وأن السيطرة عليها يجب أن تحصر بهم وحدهم، لحصد الثروات من ناحية ولمنع الخصوم والحلفاء من الاستفادة منها ومنافستهم، بحسب نظرية ميرشايمر حول السياسة الخارجية للدول العظمى، فإن أميركا تشعر بالتهديد لصعود أي قوة اقليمية تفرض نوعاً من السيادة على البحار المحيطة بها، لأن ذلك سيعد تهديداً لحرية الملاحة البحرية الأمريكية فتعريف هذه الحرية بالنسبة لهم هي أن تكون أميركا سيدة البحار الوحيدة وأن تفرض إرادتها عليها بشكل منفرد.
أما السبب الثاني والأهم لأولوية بحر الصين -وهذه النظرية بدأت في الوقت الذي كانت الصين فيه في قاع قرن الإذلال القومي تحت عدد من الاحتلالات- يتمثل في القوة الكامنة للشعب الصيني الذي يتسيد مساحة شاسعة من الأرض ذات الأهمية الاستراتيجية، ويمتلك بحسب ألفرد ماهان ثقافة متجانسة تجعله تهديداً مهولاً للغرب إذا ما تمكن من العلوم الغربية، بالفعل لقد كان ماهان رؤوياً، وقد استشرف صعود التنين الصيني بدقة.
وتعد الاستدارة الكبرى الى الشرق في عهد أوباما أهم مصداق على تبني الدولة العميقة في أميركا لنظرياته. وهكذا فقد كانت قراءات المحللين حول حتمية خروج الأمريكيين من غرب آسيا والتفرغ للصين دقيقة في حينه، إلا أن متغيرين أساسيين فرضا نفسها على الساحة.
الأول هو التنافس المحموم بين الغرب وعلى رأسهم اميركا والصين وروسيا على إفريقيا لكونها أكثر خطراً كمنجم ثروات لصناعات الثورة الصناعية الرابعة4 الأمر الذي ترجم بانقلابات وحروب أهلية على امتداد منطقة الساحل الافريقي من النيجر الى السودان، ومن المرجح أن تتسع الصراعات هنا، الثاني والاهم هو دور اليمن في طوفان الأقصى من جهة في فرض سيطرته على هذا البحر الأحمر دعماً لغزة، ولكنه في الوقت الذي يقطع فيه الإمدادات عن العدو الصهيوني فهو يفرض نفسه كقوة اقليمية تفرض سيادتها على بحارها المطلة على أحرج مناطق التنافس الدولي اليوم: البحر الأحمر وأهم المداخل الشرقية للكوريدور الخطير الذي يشق افريقيا أفقيا والمسمى بالساحل! فما بالنا إذا ما أضفنا أن يد اليمن تطال المحيط الهندي وتهدد مشروع ممر الهند الاقتصادي التطبيعي الذي لملمته أميركا على عجل للحفاظ على حلفائها الخليجيين وتجنيدهم مع الهنود والصهاينة لمواجهة الصين! أضف إلى ذلك تطور قدرات المقاومات اليمنية والعراقية واللبنانية في فرض إرادتها على شرق المتوسط، نحن لا نتكلم فقط عن كسر سيادة أميركا على البحار أمام خصوم كالصين وروسيا، بل فتح الباب لهم لمنافستها في أفريقيا منجم الثورة الصناعية الرابعة (4). كل هذه العوامل تجعل من الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة “الاندوباسيفيك” والتوجه شرقاً نحو الصين، غير مجدية وتجعل من بحارنا الأهم في الصراع العالمي لكسر الامبراطورية الامريكية.
السلاح.. سمعة الإمبراطورية على المحك!
للمرة الأولى في تاريخها أصدرت أميركا العام الماضي ما يسمى بالاستراتيجية الوطنية للصناعات الدفاعية، وهذا أمر جلل لكونها وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع، وتسعى لأن تقوم الحكومة الأمريكية بشكل مركزي بالقيادة والتخطيط والإدارة للصناعات العسكرية.
هذه مسألة تبدو طبيعية بل بديهية لأي دولة، إلا أميركا التي تلعب فيها شركات السلاح الخاصة دور القائد والمدير وتكون فيها وزارة الدفاع زبون وزبون خاضع في أغلب الأحيان، والتحول المهول (5) الذي دفع الأمريكيين لنشر هذه الوثيقة، ورد في مقدمتها: الحرب في ساحات فلسطين وأوكرانيا. لماذا؟ بسبب الرأسمالية (وهذا سيتم توضيحه في المقالات المقبلة).
بحسب الوثيقة فإن هاتين الحربين أظهرتا عيوباً مزلزلة للصناعات العسكرية الأمريكية تستدعي التغييرات الجذرية، وأهمها: تشرذم سلاسل التوريد وسيطرة الخصوم على موارد وتكنولوجيا استخراج المواد الأولية الحرجة، بطء الإنتاج وطول زمن الاستبدال، تضخم الأسعار الجنوني، ارتفاع كلفة اليد العاملة وشحها وشح الخبرات فيها، ولكن اهم من كل ذلك والذي لا يجرؤ أحد على التفوه به هو سقوط سمعة السلاح الأمريكي مقابل أسلحة الخصوم الروس والصينيين والإيرانيين وكل أطراف محور المقاومة لناحية سرعة الإنتاج، انخفاض الكلفة والفعالية في الميدان.
وهنا خطورة ثنائية الأبعاد، يفقد السلاح الأمريكي أسواقه وما يعنيه ذلك من انعكاسات على عنصري المال والبحار، والأخطر هو أن يفقد سمعته وقدرته على الردع (6)، فالأمريكيون ينظرون بجزع وهم يرون منظومات الدفاع الجوي الأمريكية (7) تفشل أمام كل حركات المقاومة العربية والايرانية بمختلف أسلحتها من الصواريخ الفرط صوتية والبالستية الى المسيرات الرشيقة منخفضة التكلفة، أو حين يرون الصينيين يراقبون أنصار الله وهم يسيطرون على البحر الأحمر ويهزمون الأساطيل الأمريكية وتوابعها، تارة بالبالستي وتارة بالاشتباك المباشر والسيطرة على القطع البحرية عبر زوارق سريعة. ينظر الخصوم الكبار لأميركا وسلاحها يذل ببساطة وهي عاجزة عن حمايته ونفسها.
بالتالي لا يمكن للأمريكيين السماح بهزيمة سلاحهم على أيدي حركات المقاومة مجتمعة أو منفردة، وجدية الاندفاع الأمريكي لتوريط العدو في حرب إقليمية مع إيران تتأكد مع نشرها لمنظومة ثاد للدفاع الجوي في النقب المحتل مع مئة جندي أمريكي. وهي المرة الأولى التي ستستخدم في صراع حقيقي، وفي الوقت الذي تطال فيه المنظومة أطراف خصوم كروسيا والصين، تدور التحليلات حول اتساع نطاق الأسلحة الجديدة باستخدام أسلحة صينية وروسية لا من باب الدعم المحض ولكن لانتهاز الفرصة واختبار القدرات بشكل واقعي دون الخوض في مواجهة مباشرة. وبالتالي فإن العم سام لا ينقذ اسرائيل بالسلاح الأمريكي، بل أن كيان العدو يدافع عن السلاح الأمريكي بالمزيد السلاح الأمريكي.
المال.. يمكنك طباعة العملة ولكن لا يمكنك طباعة القيمة!
التحول الأخطر الذي تخوضه أميركا في الداخل والخارج في آن هو دينها الداخلي.. فمع بداية الحرب على “الإرهاب” والدين الامريكي في تضخم، ولكنه كان مضبوطاً لأن اميركا كانت تطبع الدولارات والسندات بدون فوائد تذكر، إلا أن السنتين الماضيتين شهدتا انقلاباً تمثل برفع سعر الفائدة لرفع الطلب على الدولار والسندات والأصول الأمريكية ولجم سعر الذهب الذي تخزنه القوى الصاعدة في العالم لفك هيمنته عملة الامبراطوية.
نتج عن ذلك مضاعفات عديدة خطيرة على الاقتصاد الأمريكي أهمها ارتفاع خدمة الدين سنوياً بقيمة 400 مليار دولار لكل نقطة. ولتقريب الصورة على الأمريكيين القيام بصفقة قرن سنوياً مع حلفائهم مقابل كل نقطة، رفع سعر الفائدة بنقطتين يعني صفقتي قرن سنوياً! بطبيعة الحال حتى حلْب كل الحلفاء لن يأتي بهذا العائد والنتيجة هي ارتفاع الدين الامريكي بقيمة تريليون دولار كل ثلاث إلى أربع أشهر!
المعنى الأعمق لهذه الأزمة والذي سيغير أميركا بنيوياً هو ارتهان السلطة التنفيذية بشكل شبه شهري للسلطة التشريعية، لأن الرؤساء قبل بايدن كانوا يحتاجون موافقة الكونغرس مرة أو مرتين على الأكثر خلال الفترة الرئاسية لرفع سقف الدين، ولكن كما شهدنا في إدارة بايدن فإن الأزمة مزمنة ومتواترة، وتعطي القدرة للكونغرس على التدخل في تفاصيل السلطة التنفيذية. يبدو هذا الكلام تفصيلياً ولكنه خطير بالنسبة للدولة العميقة التي تضع ثقلها في السلطة التنفيذية تاريخياً.
من المؤكد أن الدولة العميقة الأمريكية لن تترك الأمور على عواهنها، ويجب عليها اعادة القيمة للدولار بدل الاستمرار في طباعته، أما كيف فهنا لا ملجأ لنا للاستشراف سوى التاريخ، الذي قد لا يتكرر بشكل متطابق إلا أن آخر مرة سقط فيها الدولار هذا السقوط المدوي نتيجة الاستنزاف في حروب الهيمنة، والصرف العسكري المفرط والمتضخم (8)، شهدنا فك الارتباط عن الذهب وصعود البترودولار وعلاقة هذين الحدثين بقطع النفط السعودي عقب حرب أكتوبر.
غالباً ما يذكر بتغييب اللاعب والمستفيد الأهم في هذه اللعبة وهو من كان رأس الدولة العميقة (ديفيد روكفيلير ومساعده هنري كيسنجر، (ومن المعروف أنهما التقيا أنور السادات قبل الحرب بأيام). العبرة هنا أن صراعاً اقليمياً وحصراً للنفط تمت إدارته أمريكياً لإعادة الاعتبار لاقتصادها المالي، في ذلك الوقت لم يكن الدولار بذات القيمة والقدرة الجيوسياسية ذاتها وفعلت كل ذلك لإنقاذه، فماذا تفعل اليوم وقد أصبح أحد أكثر أسلحتها فتكاً وأهم وسائط فرض الهيمنة. ماذا ستفعل أمريكا لانقاذه؟ أي شيء بالطبع، ولكن ما هو بالضبط؟
الحقيقة أن لا اجابة واضحة، ولكن في الميدان الأوروبي متغيرٌ ضخم كشر عن أنيابه: تعطش أميركا لتصدير الطاقة، وهي كما نعلم من أكبر المنتجين في العالم، ولكنها أيضاً أكبر المستهلكين. الأمر الذي وضعها دائماً مؤخرة مصدري النفط. ولكي ترفع من قدرتها على التصدير تحتاج لعاملين:
الأول، رفع الأسعار لتصبح مصادرها الصخرية مجدية اقتصادياً.
ثانياً، تحتاج إلى أن تعطش الاسواق بشكل حاد، بمعنى أن تفنى البدائل، كما فعلت مع حلفائها الأوروبيين بقطع كل الإمدادات الشرعية الرخيصة لهم من النفط الروسي.
هذه المعطيات تعزز فرضية دفع أميركا للعدو بأن يضرب منشآت النفط الإيرانية -وإن لم يتم ذلك بالضربة الأولى- كثيرون يستبعدون هذا الاحتمال نظراً لخطورته على النفط الخليجي، ولكنهم يستندون هنا الى حسابات ومنطق ربما قد أصبح من الماضي.
تريد أميركا زج الخليج في المواجهة ضد إيران اليوم، وعلاوة على ضرب إيران اقتصادياً ستفيد أزمة النفط الدولية في رفع مكانة أميركا كمصدر للنفط، ولقطع إمدادات النفط لعدوها اللدود في الصين، ولتعيد أميركا فيلمها الطويل مع صدام لكن هذه المرة بلكنة خليجية.
هذا السيناريو يهدف لاعادة رسم العالم ومنطقه ومعادلاته وقوانينه وليس فقط المنطقة. قد يبدو هذا عكس كل ما تعلمناه ودرسناه عن أميركا ومصالحها وكيفية عملها، إلا أن هناك مؤشرات كثيرة ترجح هذه الكفة وقد تثبت صحتها في المستقبل القريب.
“لا تدع كارثة جدية تذهب هباءً”
ناقش المقال السابق نافذة الفرص لناحية انكشاف الجبهة الداخلية، لكن بالنسبة للأمريكيين هناك نافذة فرص اضافية اكثر حرجاً وأهمية وهي أن هذه الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو وليس إيهود أولمرت المتردد في حرب تموز، ونتنياهو بعد الطوفان ليس نفس الرجل الذي كرس حياته السياسية لجر أميركا وحلفائها لمواجهة إيران، اذ أدرك مع الطوفان أن اميركا لا تدافع عن أحد وعليه أن يقاتل عن نفسه وعنها.
بل هي تملك حقاً حصرياً بالتضحية بالآخرين: الحلفاء على وجه الخصوص. وينظر الأمريكيون للقيادة الصهيونية بأنها اليوم في قمة سكرها ونشوة الانتصارات التكتيكية وسهلة الانقياد كما أنها مرتهنة لأميركا بشكل غير مسبوق. الاندفاع الصهيوني لتنفيذ حرب اقليمية أمريكية شاملة في المنطقة لا يمكن قراءته فقط من خلال محللين مستائين من امثال اران اديليست، بل من خلال مقالات كثيرة منها ما قاله الون بن ديفيد حول الضربة الصهيونية المرتقبة ضد ايران، يبدو كلامه متحفظاً وانهزامياً ولكن ما يقوله في العمق، الضربة بالضربة لن تفيد، علينا القضاء على ايران مرة والى الأبد.
هنا يبدو الجمع المعادي في قمه زهوه وعنجهيته، وقد نكون مخطئين إذا ما قللنا من قدرة الأعداء على القتل والتدمير والإرهاب، ولكنهم لا يفهمون شعوبنا العصية على كي الوعي واستشراقهم المتعالي ضدنا يعمي عيونهم، وكما ناقش المقال السابق فكرة أنهم من حيث لا يدرون يخلقون قاتلهم، وعندما يقول الشيخ نعيم قاسم لشعوبنا “ونحن من سيمسك رسنه ويُعيده إلى الحظيرة” فهو يصف واقع الميدان والصراع أدق توصيف، وهم يعتقدون بأنهم سيسحقوننا بالحديد والنار ولا يعرفون أنهم يولدون أمتنا من جديد تحت هذا الضغط الكوني تماماً كما يصنع الألماس!
1- هنا يجب الإحالة إلى نظرية الشبكة والفاعل، تفوق أهمية الشبكة على اهمية الفاعلين للتأثير والسيطرة.
2- تعلمت أميركا هذا الدرس الامبريالي من الامبراطوريتين البريطانية والرومانية وكان ألفريد ثاير ماهان هو من نظر لكون هذه الهيمنة هي الأكثر حيوية وحرجاً للسيطرة والتوسع، وتعد الحرب الاسبانية الأمريكية نهاية القرن التاسع عشر أول مصداق وتطبيق لنظرياته وتطلب من اميركا التخطيط والصراع لمدة سبعين عاماً لتبدأ هيمنتها البحرية في العالم مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
3- يعتبر الباحث مايكل هدسون أن هيمنة الدولار والمؤسسات المالية الدولية وأنظمة الإقراض لدول العالم الثالث مدخل أساسي لمبيعات السلاح الأمريكية، لكون الأنظمة التابعة مالياً للأمريكيين تمر بمسار تدمير ذاتي اقتصادي واجتماعي يستلزم بالنهاية التسلح الأمريكي خوفاً من فقدان الشرعية الداخلية واستعداء دول الجوار، وهذا ماثل لدينا في المنطقة في دول مثل العراق وإيران ومصر أو حتى السعودية الامارات. وهذا التسلح ليس نتيجة عرضية، بل نتيجة مأزق مسبق التصميم تنصبه أمريكا لحلفائها.
4- بدأت الدولة العميقة الامريكية بتنظيم عملها أول الأمر بعمل دراسات محاسبية حول العناصر الأكثر حرجاً لصناعات الأوليغارشية الأمريكية بين الحربين العالميتين، وتطور الأمر مؤسسياً ليظهر على شكل التقرير السنوي للعناصر الحرجة على الامن القومي الامريكي، قراءة هذا التقرير وفهمه يمكن المرء من رسم خطوط الصراع الامريكية انطلاقاً من جيوبوليتيكا المواد والذي يؤكد أن أفريقيا هي درة التاج التي ستقتتل القوى العظمى للسيطرة على ثرواتها.
5- من مصاديق التحولات الجذرية في العقيدة العسكرية للغرب الجماعي أيضاً وعدوانيتها، انقلابها على مبدأ الشعوب البيضاء المرفهة وما صدر في الإعلام ومراكز التفكير من ضخ لفكرة ضرورة اعادة التجنيد الإجباري لدول الأطلسي وحلفائهم.
6- عندما ضربت امريكا قنبلتي هيروشيما وناغازاكي لم يكن ذلك لإخضاع اليابان، فكما ثبت في السنوات الماضية، قام الأمريكيون بهذه الجرائم للجم طموحات السوفيات الحلفاء حينها في تقاسم كعكة نصر الحرب العالمية الثانية، لم يكن أداء الأمريكيين العسكري جيداً بأي مقياس من المقاييس إلا أنها فرضت وحسمت إرادتها بالسلاح النووي لتحقيق شيء واحد: السمعة ثم السمعة ثم السمعة وها هي سمعة السلاح الأمريكي اليوم تمرغ على مدى ساحات الطوفان بانه غير مجدي لفرض أي إرادة وحسم أي معركة بل هو بحاجة لمن يدافع عنه.
7- الدفاعات الجوية الصهيونية بكل طبقاتها هي أمريكية التطوير والتمويل والصنع وهو ما سيناقش في المقالات القادمة إلى جانب تعقيد العلاقات العسكرية بين الطرفين، وكيف أضرت هذه العلاقات بكيان العدو بنيويا واجتماعيا واقتصاديا.
8- تستثمر الدولة العميقة الأمريكية في الكونغرس في لجان الخارجية والدفاع والتسلح والمالية بشكل دائم ولجان خاصة أخرى عند الحاجة فقط.
9- وهو اليوم أكثر تغولاً اذ تقارب ميزانية الدفاع الامريكية ال900 مليار دولار- دون ذكر بنود الصرف السرية.
للمزيد: