القائد المشتبك شهيداً.. ومعركة استنزاف العدو لم تنتهي بعد
على درب من سبقه من قادة المقاومة والجهاد.. مقبل غير مدبر، وفي يده البندقية.. البندقية فقط، فهو يدرك جوهر الصراع، بأن المواجهة المسلحة هي الطريق الأوحد لنيل الحرية..
يحيى السنوار “ابو ابراهيم”.. القائد السياسي والعسكري لحركة حماس، ارتحل مشتبكاً مع قوات الإحتلال في منطقة “تل السلطان” بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة. ولد في أكتوبر 1962، في مخيم خان يونس بقطاع غزة. وشغل مؤخرا منصب رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة منذ 13 فبراير 2017.
جاهد السنوار بنفسه في الصفوف الأمامية، فكان مثالاً لقائد يتقدم جنده في المعركة، ولم يحط نفسه بالرهائن، كما أشاع اعلام العدو، وكان يتنقل معظم الوقت في محاور القتال، وليس داخل الأنفاق.
مثّل السنوار نهجاً عسكريا وسياسياً، فعلى المستوى العسكري، لم يساوم الشهيد السنوار على نهج المقاومة نصرة للمقدسات الإسلامية، على اعتبار أن الجهاد لأجل فلسطين، هو القتال الحق في هذا العصر، وكان حريصاً على التعاون والتكامل بين أبناء الأمة الإسلامية في سبيل الوحدة الجهادية باتجاه تحرير بيت المقدس من الصهاينة.
وكانت علاقاته مع محور المقاومة ركيزة أساسية في رؤيته للصراع، فالمواجهة التي أرادها الشهيد السنوار هي “طوفان هادر”، من غزة ومن الضفة الغربية، تقتلع الإحتلال من فلسطين التاريخية، وتعيد للامة الإسلامية حضورها الريادي في هذه المنطقة، وتأثيرها على مجمل العلاقات الدولية.
وكانت الوحدة الإسلامية الجهادية هدفاً للشهيد السنوار، ومن هنا كانت علاقاته مع الجمهورية الإسلامية في ايران وحزب الله وفصائل ودول محور المقاومة.. علاقة عقدية، تتعلق بداية بالمنهج الإسلامي التوحيدي، والذي يؤدي حكماً إلى تكامل الجبهات والأجناد، فجند الشام وجند العراق وجند اليمن، ليس أحاديث في بطون الكتب فقط، بل تطبيق عملي، كان يراه السنوار واقعاً يتجسد في ساحة المواجهة الدائرة حالياً، بين محوري الحق والباطل.
وعبر السنوار عن النسق الفكري الذي عمل عليه، في رسالته إلى الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله (قده)، بأن من مبادئ حركة حماس هي “وحدة شعبنا الفلسطيني على خيار الجهاد والمقاومة، ووحدة الامة وفي القلب منها محور المقاومة في وجه المشروع الصهيوني دفاعاً عن أمتنا ومقدساتنا”.
وعلى المستوى الخارجي، نأى السنوار إلى جانب القائد الشهيد اسماعيل هنية واخوانهم في حماس، بالحركة عن الصراعات في المنطقة، خصوصاً بعد مرحلة الأحداث السورية، فكان حريصاً على تحقيق المصالحة مع الدولة السورية في دمشق، وانطلق بالحركة الإسلامية الفلسطينية إلى اخوتها في المنطقة، فمد جسور التعاون مع المقاومة الإسلامية في العراق.
وإلى اليمن، توجه السنوار بحركة حماس، ولاقته في منتصف الطريق حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، متخطياً المسافات الجغرافية والمذهبية، فالوحدة الإسلامية التي يراها السنوار واستشهد لأجلها، كانت مساراً ونهجاً عملياً، فرفعت أعلام وصور قادة اليمن في غزة، كما رفعت صور واعلام قادة حماس في صنعاء والمحافظات اليمنية. وقبل رفع الصور والرايات، كانت قلوب اليمنيين تهفو إلى فلسطين وبيت المقدس، وينظر الفلسطينيون إلى اليمن كمدد يؤكد أن شعب فلسطين ليس وحده، وغزة لن تترك وحيدة.
وفي رسالته إلى قائد أنصار الله السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي الشهر الماضي، أكد السنوار أن “تضافر جهودنا مع المقاومة في اليمن ولبنان والعراق سيلحق الهزيمة بالعدو بدحره عن وطننا بإذن الله”.
وكان بارزاً ما اشار إليه الشهيد السنوار في تلك الرسالة إلى أن “المقاومة تحضر نفسها لمعركة استنزاف، وستكسر إرادة العدو السياسية كما كسرت إرادته العسكرية”، ما يؤكد أن معركة “طوفان الأقصى” تسير وفق رؤية واضحة، سياسية وعسكرية، فالأولى تحققت يوم السابع من اكتوبر بتحطيم نظرية الأمن القومي الصهيوني، والثانية في مسار التحقيق، بعزل الكيان الإسرائيلي سياسياً، بعد أن كان على مقربة من فك طوق العزلة بالتطبيع مع السعودية.
ومن العزلة السياسية أيضاً، تهميش الدور السياسي الاسرائيلي في المحافل الدولية، رغم المحاولات الأمريكية للتقليل من نتائج ذلك على “تل أبيب”، ولعل تمزيق المندوب الاسرائيلي في مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة، مؤشر على تراجع هذا الدور.
وإلى جانب العمل المقاوم، كان للسنوار رأي فكري بالتقارب بين دول وحركات محور المقاومة، إلى جانب الشهيد القائد اسماعيل هنية، حيث أسس الرجلان ومن معهما في حركة حماس نهجاً في التقارب الحركي، القائم على توحيد جهود الأمة تحت راية فلسطين، فكان التواصل السياسي مع الحركات السياسية والثقافية، يسير إلى جانب التواصل العسكري، في ثنائية السيف والقلم، لبناء أمة رشيدة، وهذا ظهر في الندوات والفعاليات الثقافية التي شارك في أعضاء من حركة حماس في بلدان مختلفة.
كما شكلت رسالة الشهيد السنوار إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بمناسبة اعادة انتخابه، توجهات دبلوماسية للسنوار، مثمناً الدور الجزائري في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وصولاً لتحقيق حلم التحرير والعودة كما تحرر الشعب الجزائري.
أما على المستوى الداخلي، فقد سعى السنوار إلى تذليل العقبات الفلسطينية الداخلية، فكان أشد الداعين والداعمين للمصالحة الفلسطينية، وترجم موقفه بالعديد من التصريحات التي تحولت إلى أيقونة لدى الشعب الفلسطيني، ومن ضمنها عبارته الشهيرة، أنه “سيكسر عنق من سيعرقل المصالحة من أبناء حماس أو غيرها”، وشبهه الكثيرون بالراحل ياسر عرفات “أبو عمار”.
وتمضي حركة المقاومة الإسلامية على درب الجهاد، نصر أو استشهاد، كما قال الشهيد الشيخ عزالدين القسام قبل (89) عاماً. وقد قدمت على هذا الطريق شهيدها المؤسس الشيخ أحمد ياسين (2004)، عبد العزيز الرنتيسي (2004)، صلاح شحادة (2002)، ابراهيم المقادمة (2003)، نزار ريان وسعيد صيام (2009)، وصولاً إلى رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية (2024)، ونائبه صالح العاروري (2024)، واليوم يحيى السنوار.
قائمة شهداء حماس كثير، ومنهم: عماد عقل (1993)، يحيى عياش (1996)، عدنان الغول (2004) محمد الزواري (2016)، أحمد الجعبري (2012)، إسماعيل أبو شنب (2003)، جمال سليم (2001)، جمال منصور (2001)، محمد أبو شمالة (2014)، خليل خراز (2023)، جميلة الشنطي (2023)، أيمن نوفل (2023)، عز الدين الشيخ خليل (2004)، رائد العطار (2014)، فادي البطش (2018)، وغيرهم الكثير.
قدمت حركة حماس جيلاً من الشهداء، على طريق الثبات، مهدوا الطريق لأجيال من المقاومين، في فلسطين وفي المنطقة، على طريق النصر الآتي. النصر الذي وعدنا لله به، ويتحقق في ثلاث مراحل، الصبر والثبات، والنصر. ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
ترجمة السنوار
كان السنوار أحد مؤسسي جهاز حماس الأمني “مجد” في العام 1985، وهو الجهاز المخول بملاحقة جواسيس الكيان الإسرائيلي. ويعد يحيى السنوار من صقور حركة حماس، ويعتبره العدو الإسرائيلي العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى، التي كسرت هيبة الجيش الإسرائيلية، ونظرية الردع لديه، وبالتالي حطمت أمنه القومي.
ينحدر السنوار من بلدة مجدل عسقلان المحتلة، حيث لجأت عائلته لمخيم خان يونس في قطاع غزة بعد النكبة. وتنقل في مدارس مخيم خان يونس حتى أنهى دراسته الثانوية في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بغزة، فحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية، حيث عمل في مجلس الطلاب خمس سنوات، فكان أمينا للجنة الفنية، واللجنة الرياضية، ونائبا للرئيس، ثم رئيسا للمجلس ثم نائبا للرئيس مرة أخرى.
أمضى السنوار سنوات من عمره في سجون الاحتلال. اعتقل أول مرة عام (1982)، وأبقته القوات الإسرائيلية رهن الاعتقال الإداري لـ (4) أشهر. ثم اعتقل مجدداً عام (1985) لـ (8) أشهر، بعد اتهامه بإنشاء جهاز “المجد” الأمني.
وفي العام (1988)، اعتقل السنوار مجددا وصدر في حقه حكم بالسجن (4) مؤبدات، بتهم تتعلق بتأسيس جهاز “المجد” والمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري الأول للحركة “المجاهدون الفلسطينيون”. أفرج عن السنوار عام 2011 خلال صفقة “وفاء الأحرار”، بعض رضوخ الاحتلال لمطالب المقاومة الفلسطينية، حيث أطلق الاحتلال أكثر من ألف أسير فلسطيني، في مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
حياته في السجن
خلال سنوات السجن كان السنوار متابعا للمجتمع الإسرائيلي، وواظب على متابعة ما صدر في الإعلام العبري باستمرار، كما اطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية التي تناولت الوضع الداخلي الإسرائيلي، وهو ما انعكس كثيرا على أسلوبه وتعاطيه مع المؤسسات العسكرية والمدنية والمجتمع في الكيان الإسرائيلي.
أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس في المعتقلات الإسرائيلية، كما أمضى ساعات في التحدث مع الإسرائيليين، وتعلم ثقافتهم وكان متابعا للقنوات التلفزيونية الإسرائيلية، كما يؤكد مسؤول كبير سابق في خدمة السجون الإسرائيلية.
مسيرته في حركة “حماس”
بعد الإفراج عن السنوار في صفقة شاليط عام 2011 عاد إلى مكانه قياديا بارزا في حركة “حماس” ومن أعضاء مكتبها السياسي. وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي لحماس وقيادة كتائب “عز الدين القسام” (الجناح العسكري في “حماس”)، بصفته “ممثلا للكتائب” في المكتب السياسي لحماس.
وأدرجت الولايات المتحدة في سبتمبر 2015 اسم السنوار على “القائمة السوداء للإرهابيين الدوليين”، إلى جانب قياديين اثنين آخرين من حركة “حماس” هما القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى.
وفي 13 فبراير 2017، انتخب يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، فيما اختير خليل الحية نائبا له.
وفي 15 مايو 2021، أفادت التقارير أن غارة جوية إسرائيلية ضربت منزل السنوار، وقال خلال مؤتمر صحفي متحديا وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس آنذاك أنه سيعود إلى منزله بعد المؤتمر “سيرا على الأقدام”. وتحدى الشهيد السنوار غانتس باتخاذ قرار الاغتيال، حيث أمضى 60 دقيقة وهو يتجول في شوارع غزة ويلتقط صورا مع الجمهور حتى وصل إلى منزله.
وبعد ثلاثة أسابيع من الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، اقترح السنوار إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة.
يوم الثلاثاء 6 أغسطس 2024، تم اختياره كرئيس للمكتب السياسي في “حماس”، خلفا لإسماعيل هنية، بعد مشاورات عقب اغتيال الشهيد هنية في العاصمة الإيرانية طهران.