ترك برس
تشكك المعارضة التركية في وجود مطامع إسرائيلية بأراضي البلاد، على الرغم من المخططات التي تُعرف بـ "الأرض الموعودة". تأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث تثير هذه المخططات جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية.
أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي حذر فيها من مطامع إسرائيل في الأراضي التركية جدلا واسعا على المستويين السياسي والشعبي في تركيا، حيث شككت المعارضة في وجود تهديدات جدية من جانب إسرائيل لتركيا.
وطالبت شخصيات معارضة توضيحات من الحكومة بشأن نوايا إسرائيل تجاه بلادهم مشككين فيما إذا كانت إسرائيل راغبة فعلا في التحرش بالأراضي التركية.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال خلال كلمة لكتلته البرلمانية إن الحديث عن أن “إسرائيل ونتنياهو يريدان مهاجمة دولة مثل تركيا غير منطقي بالمطلق”.
وطالب أوزال حكومة بلاده بالكشف عن أي معلومات تتعلق بتهديدات حقيقية لتركيا، وهو ما استجابت له الحكومة بعقد جلسة برلمانية استثنائية شهدت إفادات سرية من وزيري الدفاع والخارجية، الأسبوع الماضي.
وقال دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، الحليف الرئيسي لأردوغان، إن “من المرجح أن تصل الفوضى في الدول المجاورة إلى حدودنا وأن تتحرش إسرائيل بتركيا” في المستقبل القريب، بحسب ما نقلته "الجزيرة مباشر".
لكن الجلسة المغلقة التي امتدت ساعات عدة وصُنفت مداولاتها على أنها أسرار للدولة التركية لا يمكن الإفصاح عنها قبل مرور 10 سنوات، لم تنجح في إقناع المعارضة التي اتهمت على لسان رئيس أكبر حزب فيها الرئيسَ التركي بالهروب من المشاكل الاقتصادية إلى الحديث عن التهديدات الإسرائيلية.
وكان أردوغان قال في مايو/أيار الماضي تعليقا على استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة “إذا لم تُوقف هذه الدولة الإرهابية ستطمع عاجلا أو آجلا بأراضي تركيا مستندة إلى أوهام الأرض الموعودة”.
إسرائيل والشمال السوري
ومع إعلان إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية على لبنان وتصعيد ضرباتها في سوريا عاد الحديث عن المطامع الإسرائيلية في تركيا إلى الواجهة مجددا، حيث قال أردوغان للصحفيين خلال عودته من زيارةٍ الى ألبانيا وصربيا قبل أيام “إسرائيل ستأتي إلى الشمال السوري لحظة احتلالها دمشق”.
وحذر الرئيس التركي من أن تمركزات قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تبعد عن أراضي تركيا سوى 170 كيلومترا فقط.
هل تتدخل تركيا؟
وعلى المنصات الإلكترونية واصل كثير من الناشطين الأتراك التذكير بخريطة إسرائيل الكبرى التي يستخدمها بعض الإسرائيليين وتضم أراضي تركية جنوب فرع نهر الفرات التركي.
ويصاحب كل توسع للحرب الإسرائيلية في المنطقة ارتدادات في الداخل التركي، إذ بات كثيرون في الحكومة وفي قطاعات واسع من المواطنين الأتراك ترى في تحركات إسرائيل استهدافا مباشرا لنفوذ تركيا بل ولأراضيها.
وأثارت تصريحات أردوغان قبل شهور جدلا واسعا حيث لمح إلى التدخل ضد إسرائيل كما فعلت بلاده في ليبيا وفي إقليم ناغورني كاراباخ الذي كان متنازعا عليه بين أذربيجان وأرمينيا.
وقال أردوغان في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم بمدينة ريزا مسقط رأسه، في يوليو/تموز الماضي “يجب أن نكون أقوياء للغاية حتى لا تتمكن إسرائيل من فعل هذه الأشياء السخيفة لفلسطين. تماما كما دخلنا ناغورني كاراباخ وليبيا، قد نفعل شيئا مماثلا”.
وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وواحدة من أشد المنتقدين عالميا للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
وأوقفت تركيا التجارة مع إسرائيل وتقدمت بطلب للانضمام إلى قضية إبادة جماعية مرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية.
تهديدات جدية
ويرى المحلل السياسي أحمد حسن أن هناك تهديدات جدية لتركيا من جانب إسرائيل، بحسب وجهة نظر الاستخبارات التركية والخارجية التركية، وهو ما دفع البرلمان إلى تخصيص جلسة سرية لمناقشتها.
وقال حسن للجزيرة مباشر إن هذه التهديدات بعضها متعلق بداخل تركيا من ناحية “العمليات الاستخباراتية الأمنية، إذ تخشى أنقرة من نشاط إيراني إسرائيلي داخل تركيا لجمع المعلومات عن شخصيات وأهداف لكل طرف منهما، وهذا التهديد يؤخذ بجدية عالية في تركيا”.
وأضاف حسن أن هناك تهديدات أخرى تتعلق بـ”نشاطات اسرائيل في دول المجال الحيوي التركي (الدول الناطقة بالتركية والقوقاز ودول المحيط الإيراني والتركي)، إذ يمكن لهذه النشاطات أن تهدد المصالح الحيوية التركية أيضا”.
ووَفق حسن فإن “تهديدات متعلقة بتفجير الوضع الأمني والعسكري في الإقليم والشرق الأوسط، بما يسهم في تقسيم المقسّم في دول النزاعات ويسهم في ترسيخ المشاريع المؤقتة وتحويلها لكيانات دائمة، وهذا تهديد للأمن القومي التركي، وخصوصا في الدول التي لها حدود طويلة مع تركيا (العراق وسوريا)”.
أما المحلل السياسي على أسمر فأرجع التفاوت في تقدير الموقف بين الحكومة والمعارضة التركية إلى “قصر نظر المعارضة مقارنة ببعد نظر الحكومة إلى المسألة”.
وأضاف للجزيرة مباشر “المعارضة دائما ما تقوم سياستها على إهمال الأخطار والتعامل معها بعد حصولها، أما الحزب الحاكم فيحاول تطبيق مصطلح (التكتيك الوقائي) الذي يتعامل مع الأخطار قبل حصولها”.
ورغم أن أسمر رأى أنه من الممكن أن يكون هناك “تضخيم” من قبل الحزب الحاكم لهذه التهديدات، فإنه اعتبر أن هذا التضخيم هو “أفضل من لامبالاة المعارضة”.
لكن أسمر استبعد أن يكون هناك صدام مباشر بين تركيا وإسرائيل “بحكم وجود تركيا في حلف الناتو”، مضيفا أن “الخطر على تركيا يتمثل بحزب العمال الكردستاني وأذرعه في المنطقة”.
وأضاف أن تركيا ترى أن “الغرب وإسرائيل يعملان على تغيير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة بحجة محاربة إيران وأذرعها في سوريا ولبنان”.
وتابع قائلا “هناك هدفان للحرب الإسرائيلية: الهدف المباشر هو القضاء على أذرع إيران في المنطقة، والهدف غير المباشر هو رسم خريطة جديدة في الشرق الأوسط، وتركيا قلقة من هذه الخريطة الجديدة التي سيكون من أكبر ملامحها تقسيم سوريا، وبالتالي إنشاء دولة كردية في خاصرة تركيا وهذا ما سيشجع مستقبلا على تقسيم تركيا أيضا”.
واعتبر أسمر أنه لهذه الأسباب فلا ضير من اتخاذ تركيا “إجراءات وقائية” لمنع امتداد هذه التغييرات إليها.