وزير البيئة العراقي يستقيل مع تفاقم تلوث الهواء في بغداد
قدّم وزير البيئة العراقي نزار آميدي استقالته من منصبه إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، من دون أسباب رسمية واضحة. ولم تعلّق الحكومة العراقية على استقالة آميدي الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، ولم تعلن موافقتها عليها ولا رفضها لها، علماً أنّها الاستقالة الأولى التي تُسجَّل في الحكومة الحالية. لكنّ مصادر وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) أفادت، أمس السبت، بأنّ ّ"الوزير آميدي قدّم استقالته (...) من أجل التفرّغ للعمل الحزبي والسياسي".
وأفاد رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي هريم كمال آغا بأنّ "استقالة آميدي تأتي لتنفيذ توصيات المؤتمر الخامس للحزب". أضاف، في تصريح صحافي، أنّ "آميدي قدّم ترشيحه لعضوية المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، وقد قدّم استقالته على أثر هذا الالتزام الجديد".
وعلى الرغم من استقالة وزير البيئة العراقي، لم يقدّم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق بديلاً عن آميدي لشغل منصب وزير البيئة، مع الإشارة إلى أنّ هذا المنصب يقع من ضمن حصّة الحزب الكردي، وفقاً لمبدأ المحاصصة الحزبية المعمول به في البلاد. وقد اجتمع زعيم الحزب بافل طالباني مع قادة الحزب للتوصّل إلى حلّ بشأن هذا الموضوع.
لكنّ استقالة وزير البيئة في العراق أُعطيت تفسيرات أخرى، من بينها تردّي الواقع البيئي التي زاد الحديث عنه في الفترة الأخيرة، وتحديداً مع انتشار الروائح الكريهة، من بينها رائحة الكبريت التي انتشرت في العاصمة بغداد ومناطق من جنوبي البلاد ووسطها.
وقد برزت انتقادات عديدة وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، في الأسابيع الماضية، تتّهم وزارة البيئة بالتقصير في معالجة الملفات البيئية الحرجة والتي تمسّ حياة العراقيين، ولا سيّما أنّ رائحة الكبريت وتلوّث الهواء في بغداد أدّيا إلى نقل مئات من العراقيين إلى المستشفيات.
وزاد غضب أهالي بغداد بعد ما أشار إليه عضو مجلس محافظة بغداد علي المشهداني الذي أكّد "انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة"، شارحاً أنّ سببها "معامل الطابوق (الآجر) وغيرها في الأحياء السكنية والقريبة من تلك الأحياء". من جهته، تحدّث الخبير في الأحوال الجوية والبيئة صادق عطيّة، عن "زيادة في تركّز ثاني أكسيد الكبريت في أجواء بغداد بلغت نحو 60 مليغراماً بالمتر الواحد، وسبّبت انتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت". وتناول كذلك "حرق الوقود الأحفوري الذي يُعَدّ المصدر الأوّل لثاني أكسيد الكبريت، إذ يصل التلوّث الناجم عنه إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطات التي تعمل على الفحم ومن مصافي النفط، وفي المناطق ذات الطابع الصناعي".
في الإطار نفسه، قالت عضو جمعية إغاثة البيئة العراقية حنان الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة البيئة لم تتمكّن من ضبط أيّ مخالفات بيئية، حتى تلك التي أعلنت أنّها سيطرت عليها. فقد عاودت الإساءة إلى البيئة، وأدّى ذلك إلى تدهور الوضع المناخي في البلاد، وجرّت معها مشكلات كثيرة". وأشارت إلى أنّ "وزارة البيئة من الوزارات غير المهمّة" عند السلطات، "لذلك لا يجري التعامل مع أيّ من المستجدّات في داخلها بطريقة التعامل نفسها الخاصة بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع".
وأضافت أنّ "استقالة وزير البيئة نزار آميدي، من المفترض أن تكون بداية لتأسيس وزارة بيئة بطريقة صحيحة، عبر اختيار شخص متخصّص في هذا الملفّ، ولا سيّما أنّ العراق مقبل على المشاركة في مؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة والذي يُعقد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في أذربيجان".
من جهته، قال الناشط في مجال البيئة ورعاية الحيوانات النادرة محمد حسين لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع البيئي في العراق متدهور بطريقة غير اعتيادية. وعلى الرغم من أنّ تغير المناخ أصاب كلّ دول العالم بنسب متفاوتة، لكنها بمعظمها أخذت على عاتقها الشروع في خطط استراتيجية لمعالجة المشكلات البيئية أو أجزاء منها، أو التكيّف معها على أقلّ تقدير". وتابع حسين أنّ "في العراق، لم يجرِ استحداث أو التزام بأيّ من مقررات المؤتمرات والاجتماعات العالمية، ولا سيّما في مسألة التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، لأنّ البلاد لا تملك أيّ خيارات أخرى لضمان استمرار اقتصادها غير النفط".
ولفت إلى أنّ "من غير الممكن التعويل كثيراً على وزارة البيئة في الأزمة التي يمرّ بها العراق، لأنّها خاضعة لرؤية سياسية ومحاصصة حزبية. حتى المشاريع التي من المفترض تخصيصها للأزمات البيئية أو لرعاية المجتمعات الهشّة والمتضررة من الأزمات، لا نعرف أين تذهب؛ هي تختفي في ظروف غامضة. لذلك فإنّ المجتمع المدني والناشطين في مجال البيئة والمناخ يعوّلون على دعم المنظمات الدولية".
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة العراقية كانت قد أطلقت، في الأشهر الماضية، مبادرات مختلفة لمواجهة تغير المناخ، شملت مبادرة لتعزيز أمان المياه وتقليل المفقود، وأخرى تتعلّق بزراعة خمسة ملايين شجرة، بالإضافة إلى مبادرة لدعم برامج التكيّف مع الأزمة البيئية في مناطق الشرق والجنوب، لكنّها ما زالت متردّدة في الالتزام الكامل بالتخلّص من الوقود الأحفوري، علماً أنّها سبق أن وقّعت على خطة الاستغناء عنه تدريجاً في المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، كون البلاد تعتمد بطريقة شبه شاملة على الهيدروكربونات. يُذكر أنّ الهيدروكربون مركّب يتكوّن بالكامل من ذرّات كربون وهيدروجين مترابطة، بحسب ما يُعرَّف.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني قد بيّن، في وقت سابق، تضرّر سبعة ملايين عراقي بسبب تغير المناخ، وشدّد على أنّ حكومته ماضية في برنامجها الذي يولي معالجة تأثيرات تغير المناخ أهمية خاصة. وشرح أنّها وضعت معالجات عدّة لتخفيف الآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي تمثّلت بارتفاع درجات الحرارة وشحّ الأمطار وزيادة عواصف الغبار وتقلّص المساحات الخضراء، علماً أنّ عدداً منها يهدّد الأمن الغذائي كما الصحي والبيئي، فيما تهدّد الأمن المجتمعي.