ترك برس
زادت مؤخرا وتيرة التحذيرات الصادرة تباعا على لسان مسؤولين أتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، بشأن التوسع الإسرائيلي في المنطقة، في خطوة تأتي لرفض محاولات تغيير قواعد التموضع الجيوسياسي في المنطقة التي تشهد تحولات جذرية في التحالفات والأوضاع الأمنية، ما يضع قوى إقليمية مثل تركيا في حالة ترقب وحذر من التداعيات المحتملة لهذا التوسع.
ومن بين كل التحذيرات الدولية والإقليمية من خطر اتساع رقعة الحرب، يبرز الموقف التركي بشكل واضح، إذ تحذّر أنقرة بشكل أكثر وضوحاً وجرأة، من سعي "إسرائيل" لتوسيع جغرافيا عدوانها وصولاً إلى منطقة الأناضول.
التحذيرات التركية صدرت من الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته هاكان فيدان، اللذين أكدا أن تركيا تستعد لكل الاحتمالات، في ظل هذه المخططات الإسرائيلية.
ومنذ البداية كان لتركيا موقف واضح من العدوان على غزة، وصل لحد قطع العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال، وفرض قيود اقتصادية عليها، فما خيارات أنقرة للتعاطي مع مخططات "إسرائيل"؟
تحذير متصاعد
لا يخلو تصريح من تصريحات القيادات التركية العليا مؤخراً، من تأكيد خطورة المساعي الإسرائيلية لتوسيع الحرب، وهو ما يعكس تقديراً تركيّاً خطيراً للمشهد العسكري الملتهب بالمنطقة، خصوصاً في ظل التهديدات المتبادلة بين إيران "وإسرائيل"، والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان، بحسب تقرير لموقع "الخليج أونلاين".
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال يوم السبت (19 أكتوبر)، في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني آولاف شولتس، بإسطنبول، إن هناك نهجاً واضحاً في عقلية "إسرائيل" ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهو توسيع الحرب الدائرة حالياً، وليس إبقاؤها ضمن نطاق معين.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قال في مؤتمر صحفي عقده باليوم نفسه مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، الذي زار إسطنبول، إنه لا ينبغي الاستهانة بمساعي "إسرائيل" لنشر الحرب في المنطقة بأكملها.
فيدان قال إن "إسرائيل" تخطط لمهاجمة أهداف حيوية في إيران، ومنها ما يتعلق بالطاقة والبترول؛ ما يعني أن طهران مجبرة على الرد، مضيفاً: "نحن في توتر قد تكون له تداعيات خطيرة على المستوى العالمي".
رؤية مختلفة
ويذهب أردوغان إلى أبعد مدى في تحذيره من التحركات الإسرائيلية الحالية، ليؤكد في أكثر من مناسبة، أن الخطر الإسرائيلي يستهدف أيضاً أراضي الأناضول.
ففي 1 أكتوبر 2024، قال الرئيس التركي خلال افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، إن الإدارة الإسرائيلية التي تتحرك من منطلق هذيان الأرض الموعودة، تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان.
أردوغان أردف قائلاً: "الحسابات تدور الآن حول هذا الموضوع.. من الواضح أن حكومة نتنياهو تسعى وراء حلم باطل يشمل الأناضول، وتلاحق أوهام الدولة الكاملة.. لقد أفصحت عن نواياها في مناسبات عديدة".
واستطرد قائلاً: "يتم تنفيذ خطة خبيثة في منطقتنا لا تقتصر على غزة والضفة الغربية ولبنان، ليس من الضروري أن تكون عرّافاً لتدرك الهدف النهائي لهذه الخطة، كل من يعرف التاريخ والسياسة والدين يمكنه بسهولةٍ إدراك الرابط بين هذه القضية ووهْم الأرض الموعودة".
جلسة سرية
وفي ظل هذه التحذيرات المتزايدة لقيادة الدولة التركية، ومسؤوليها، عقد البرلمان التركي جلسة سرية في 8 أكتوبر، قدَّم خلالها وزيرا الخارجية والدفاع إحاطة للنواب حول الخطر الإسرائيلي، على أن يظل محتوى النقاش من أسرار الدولة لمدة 10 سنوات.
وسائل الإعلام التركية تعاطت مع الجلسة باعتبارها تتعلق بالأمن القومي التركي، علماً بأنها حملت اسم "الاحتلال الإسرائيلي للبنان والتطورات في المنطقة".
وقبل انعقاد الجلسة، كان رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، أكد أنه لا بديل عن إقامة دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، لإنهاء الحرب.
كما دعا قورتولموش، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في (14 أكتوبر)، إلى ضرورة منع "إسرائيل" من جر المنطقة إلى الحرب الإقليمية.
قطع العلاقات
ومنذ بداية العدوان على غزة، تصاعد الموقف التركي، ففي نوفمبر 2023 سحبت تركيا سفيرها من "إسرائيل"، واستمرت في توجيه النقد اللاذع لسياسات حكومة الاحتلال العدوانية في غزة.
وفي مايو 2024 علّقت تركيا جميع التعاملات التجارية مع "إسرائيل"، كما أوقفت تصدير قرابة 54 منتجاً إليها، وهي الخطوة التي أثارت غضباً إسرائيلياً، علماً بأن العلاقات التجارية بين البلدين كانت متقدمة.
وانضمت تركيا رسمياً في أغسطس 2024، إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" بمحكمة العدل الدولية، كما طالبت أنقرة مؤخراً بفرض عقوبات على تل أبيب لوقف تصعيدها وسعيها المستمر لجر المنطقة إلى أتون الحرب الشاملة.
رسائل تهديد
ويبدو أن التصريحات التركية الأخيرة تتجاوز حدود القول، لتؤكد أن هناك تخوّفاً حقيقياً وإدراكاً لأبعاد ومخاطر التحركات الإسرائيلية الأخيرة، والتصعيد في لبنان واحتمال اتساع رقعة الصراع إلى سوريا.
وحول هذا يقول الصحفي التركي فراس رضوان أوغلو: إن "تركيا تعتبر أن الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة تجاوزت قتال حزب الله وحماس، إلى الرغبة في تغيير الواقع الجيوسياسي بالمنطقة".
وأضاف رضوان أوغلو في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن هناك "رسالة تهديد واضحة من تركيا، بأنه إذا أردتم تغيير قواعد اللعبة، وقواعد التموضع الجيوسياسي في المنطقة، فإن تركيا جاهزة لهذا التموضع وبالتحدي".
ولفت إلى أنه من المحتمل أن يكون الهدف من هذه التحذيرات أيضاً، "الضغط على دمشق للتقارب أكثر مع تركيا"، وأنه حتى الآن "لا جواب من قبل دمشق للنداءات التركية، بخصوص التصالح، لأن المنطقة كاملة في خطر، وتحديداً الخريطة السورية كما أوضحت تركيا".
واستطرد قائلاً: "وطبعاً هي رسالة غير مباشرة إلى روسيا؛ لأنه يبدو لأنها غيرت أو الآن لا تفكر في هذا التقارب بشكل مباشر".
تخوّف تركي
ويرى أن هناك مؤشرات على استعداد أنقرة لأي سيناريوهات، منها على سبيل المثال "زيادة نسبة الضرائب العائدة لصالح وزارة الدفاع وهذا شيء جديد، وكذا زيارة رئيس أركان الجيش التركي للنقاط العسكرية التابعة لبلاده والموجودة في سوريا وفي جنوب تركيا".
وأضاف رضوان أوغلو أن من تلك المؤشرات "الاجتماع غير المعلن في البرلمان التركي، والذي تم فيه إطلاع جميع النواب على المعلومات الاستخباراتية والعسكرية عن التهديدات القائمة على تركيا في هذه المرحلة".
وتابع: "واضحٌ أن هناك استعدادات وتخوفاً تركياً في المنطقة بشكل كبير"، لافتاً إلى أنه "في ظل عدم وجود تعاون من دول المنطقة، فليس أمام تركيا إلا أن تقوم بحماية جزء من مصالحها؛ لأنها لا تستطيع أن تحمي المصالح السورية والعراقية والأردنية، ما لم تقم هذه الدول بدعم نفسها أولاً، وإنشاء تحالفات لمنع التغلغل الإسرائيلي".
وأشار الصحفي التركي إلى أن هذه القراءة قد تتغير مع نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر المقبل، والتي بلا شك قد تؤدي إلى تغيير الكثير وضمن ذلك هذه التخوفات في تركيا والمنطقة.