ندرت أرسنال - يني شفق (30/10/2024)
لقد حان الوقت لوضع حد للنقاشات اليومية فيما يتعلق الصراع الإيراني الإسرائيلي، وربط المسألة بإطار أوسع لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
أولاً: إن الهجوم الذي شنته تل أبيب على إيران ردا على الصواريخ التي أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل، كانت عملية محدودة وغير استفزازية، لا تُلزم طهران بالرد.
ثانياً: علينا أن نتجاوز فرضية وجود "لعبة خفية" بين إيران وإسرائيل تسعى لتقاسم المصالح في المنطقة، بنوع من التفاهم الضمني أو العلاقة المتبادلة.
ثالثًا: إن توجيه إسرائيل ضربة مدمرة لإيران، أو العكس، يرتبط بتوازنات إقليمية تتجاوز علاقات الدولتين الثنائية.
رابعًا: على سبيل المثال، اعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين لا ترتبط مباشرةً بتلك التوازنات، مما يمنحها القدرة على ممارسة القمع بحق الفلسطينيين وسحق الإنسانية بلا رادع.
خامسًا: قبل الهجوم، عمدت الولايات المتحدة إلى استعراض قوتها تحسباً لرد إيرانيٍ مفاجئ وعنيف، وبذلك وضعت إطاراً لرد طهران "غير المتوقع" في حال وقوعه.
سادسًا: من جهة أخرى، مارست واشنطن ضغطًا على إسرائيل حتى لا تتجاوز الحد "المسموح به"، ما يعني أن الهجوم كان مصممًا مسبقًا من قبل الولايات المتحدة. بل إن المصادر الأمريكية والروسية، وحتى بعض التقارير الإسرائيلية، أفادت أن الأطراف المعنية أبلغت إيران بالمواقع التي لن تُستهدف.
سابعًا: ولا يمكن تصور خلاف ذلك، لا يمكننا تجاهل اعتماد إسرائيل على واشنطن في الحروب؛ فبدون الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي، لن تتمكن تل أبيب حتى من الحفاظ على وجودها، ناهيك عن الفوز في الحروب.
ثامنًا: إن الدخول في صراع كبير مع إيران قبل أسبوع من الانتخابات هو عبء يفوق طاقة إسرائيل على تحمّل تبعاته، (ينبغي أن يكون ترامب قد خسر عشر نقاط تقريبًا).
تاسعًا: لا تنخدعوا بالتصريحات المتعالية، فالوضع في إيران ليس مختلفًا كثيرًا؛ حيث صرح المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، قائلًا: "نحن لا نستهين بالتهديد الإسرائيلي ولا نبالغ فيه"، بينما أضاف الرئيس الإيراني، بزشكيان: "سنتصرف بحكمة وحذر". فكلا التصريحين يعبر عن نهج غير تصعيدي.
عاشرًا: بما أننا نتابع تطورات المنطقة عبر ملاحقة مسارات الصواريخ، بات جل اهتمامنا بمواقع سقوطها فقط. مع أنه ينبغي ألا نغفل عن رصد الحراك الدبلوماسي داخل مثلث طهران-الرياض-القاهرة. فالزيارات التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لهذه العواصم المرتبطة بالغرب لا تُحدث تغييرا في مواقفهم، لكنها بالتأكيد تترك أثرا.
أحد عشر: إذا أسفرت الانتخابات الأمريكية عن فوز كامالا هاريس بالرئاسة، فسيكون لهذا صدى إيجابي أكثر في إيران. وهذا توقع منطقي، حيث انتهجت الإدارة الحالية للبيت الأبيض سياسة بطيئة لكنها شاملة في تعاملها مع إيران حتى اندلعت الأزمة مع إسرائيل.
اثني عشر: إذا فاز ترامب في الانتخابات، ستكون السنوات الأربع المقبلة صعبة على إيران. لكن ما ينبغي عدم التغافل عنه هو إمكانية تدخل العلاقة بين ترامب وبوتين في الملف الإيراني، كما هو متوقع في سياق الوضع الأوكراني. يجب ملاحظة ذلك.
ثلاثة عشر: سواء على الصعيد السياسي أو الشخصي، لا يحبذ ترامب التطورات غير المحددة أو الانجرار إليه، خصوصًا إذا كانت تتعلق بالصراعات العسكرية، فإن شعوره بعدم الارتياح يتزايد.
أربعة عشر: قد تؤدي الحروب الطويلة إلى تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، مما سيتسبب في تراجع نفوذها الذي قد يمتد من الشرق الأوسط إلى حدود الصين. ويشمل ذلك خط إيران-باكستان-أفغانستان، بالإضافة إلى المناطق الشمالية والجنوبية.
خمسة عشر: نفس الوضع ينطبق على الشرق الأوسط. ففي كلمة للرئيس أردوغان عقب عودته من قمة "بريكس"، أشار إلى أن "انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة سيكون تكتيكيًا، وليس استراتيجيًا"، وهذا يؤكد على تقييم التهديدات المتعلقة بنا. للأسف، لم يتم الانتباه إلى هذا التحليل على الإطلاق.
وبهذا نكون قد قدّمنا رؤية مبسطة لمستقبل العلاقات الإيرانية الإسرائيلية حتى هذه النقطة، في ضوء مخاوف تركيا من امتداد الحرب إلى المنطقة، وربطنا ذلك بالانتخابات الأمريكية.
ولكن عند النظر إلى هذا الأمر من منظور أنقرة، فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد.
لنبدأ العد من جديد..
أولاً: التهديد الذي يستهدف تركيا، ويُعتبر مبرراً لدعوات الوحدة الداخلية، يحتاج إلى مزيد من التوضيح؛ إذ تسعى هذه التهديدات إلى توحيد صفوفها لتشكيل قوة مشتركة.
ثانيًا: مع زيادة الضغط الإسرائيلي باتجاه الشمال، تتزايد تأثيرات ذلك على سوريا والعراق وإيران. وعندما تتضافر هذه التأثيرات مع ديناميكيات الولايات المتحدة وتنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي، فإنها تشكل تهديداً مفاجئاً لأنقرة كأمر واقع.
ثالثاً: هناك أبعاد أخرى لجملة "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد" يجب أخذها بعين الاعتبار وإضافتها إلى الصورة الكلية.
رابعاً: تعتبر دعوة الولايات المتحدة لرئيس قبرص الرومية إلى البيت الأبيض بعد غياب 28 عامًا، مثالا على ذلك.
خامساً: قيام الجانب القبرصي بفتح قواعده وموانئه للجيش الأمريكي، وتوقيعه سلسلة اتفاقيات مع البنتاغون، واندماجه في العلاقات المعروفة بين اليونان والولايات المتحدة، وأخيراً ربط كل ذلك بالجغرافيا السياسية لإسرائيل وشرق المتوسط، كلها جزء من التهديدات التي تقيِّمها أنقرة. فهذه ليست أمورًا بسيطة.
سادسا: إن تزامن خبر الدعوة مع قيام تنظيم "بي كي كي" الإرهابي بحفل تأبين للإرهابيين الذين قُتلوا في الهجوم على توساش، وذلك تحت صور زعيم التنظيم الإرهابي أوجلان، وبإشراف الإدارة اليونانية، يوضح طبيعة التهديد المركب الذي تواجهه تركيا.
سابعاً: مع مراقبة تركيا للحدود المحيطة بها، هناك حدود جغرافية أخرى بدأت تلفت انتباها بشكل متزايد، وهي حدود جورجيا.
ثامنا: هناك إدارة مزدوجة متضادة في هذا البلد؛ فالرئيس يتبنى بوضوح توجهًا مواليًا للغرب، وينحاز إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بينما تسعى الحكومة إلى الابتعاد عن الغرب وعناصره. كما أن المعارضة تتكون من أحزاب موالية للغرب، مما يحول الصراع إلى مواجهة بين الشرق والغرب.
تاسعا: فاز حزب الحلم الجورجي الحاكم في الانتخابات التي جرت في نهاية الأسبوع بنسبة 54% مقابل 38% لأقرب منافسيه. إلا أن الرئيس والمعارضة رفضتا نتائج الانتخابات. وأثارت هذه الأحداث حالة من الاضطراب، فدعا الرئيس والمعارضة المواطنين إلى النزول إلى الشوارع، مطالبين الدول الغربية بالتدخل لحماية جورجيا والحفاظ على التوازن الجيوسياسي. وقد شوهد بعض السياسيين الأوكرانيين في شوارع تبليسي.
عاشراً: كانت هناك تحذيرات مسبقة قبل الانتخابات من روسيا وبعض الدول الإقليمية حول إمكانية حدوث تدخل غربي في جورجيا على غرار الثورات الملونة.
والخلاصة، قد يتساءل المرء عن كيفية تعامل تركيا مع كل هذه التطورات المتسارعة، ولكن لا داعي للتساؤل.