طه كلينتش - يني شفق (30/10/2024)
إن الصورة التي تصدرت الصفحة الأولى من صحيفتنا أمس كانت تختصر العديد من الدلالات: فقد تضمنت التظاهرة التي نظمها أنصار تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في مدينة كولونيا الألمانية العديد من الأعلام الإسرائيلية. هذا التجمع، الذي اكتفت الشرطة الألمانية بمراقبته دون تدخل، لا يعكس فقط اعتماد حزب العمال الكردستاني على إسرائيل في مستقبله، بل يكشف أيضًا عن تزايد ظاهرة التعاطف مع إسرائيل في صفوف الأكراد العلمانيين.
ويمكن ملاحظة مظاهر هذا الإعجاب بإسرائيل بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي. فهناك العديد من الحسابات الكردية التي تدعم وسم "I stand with Israel" (أنا مع إسرائيل) وتذهب هذه الحسابات إلى أبعد من ذلك، حيث تصنف حركة حماس على أنها "منظمة إرهابية"، وتعتبر ما حدث في غزة كجزء من "مكافحة الإرهاب". وفي هذا السياق، نشر أحد النشطاء الأكراد الذين يتمتعون بقاعدة جماهيرية واسعة، رسالة وجهها إلى الرأي العام الكردي مؤخراً، جاء فيها:
"لقد احتلكم الأتراك والفرس والعرب. أي ضربة توجه لهم تمثل كسر حلقة سلاسل العبودية التي لفت حول أعناقكم.. عليكم النظر إلى الشرق الأوسط من هذا المنطلق، وفهم كل تطوراته وفق هذا التصور. أعداؤكم معروفون وأنتم كذلك. وكل من يضرب أعداءكم، فهو صديق لكم. عليكم النظر للأمور من هذا المنظور."
عندما يتم تفسير كل حدث في الشرق الأوسط بهذه الطريقة، فإن النتيجة الحتمية هي الإعجاب الأعمى بإسرائيل وتملقها. والهدف النهائي من هذا التوجه القبول بالذل بأن يكون المرء مجرد أداة في يد إسرائيل. ويشهد على ذلك ما يقوم به يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، من نشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى يحاول من خلالها كسب تأييد الرأي العام الكردي. فهو يزعم أن "كردستان محتلة من قبل تركيا وإيران والعراق وسوريا"، ويشدد على أن تركيا ترتكب إبادة جماعية بحق الشعب الكردي. ومن المؤسف والمقلق أن هناك فئة واسعة من الأكراد تقع في هذا الفخ الرخيص.
ورغم أن الشعور بالقومية أو الانتماء إلى العرق أمر فطري، إلا أن ما يُفرض على الأكراد اليوم لا يعدو كونه مشروعاً إمبريالياً علمانياً مغلفاً بثوب القومية. إذ يضم هذا المشروع في مكوناته الفرعية أشكالاً متنوعة من معاداة الإسلام، وكل ما يتناقض مع التاريخ العريق والثقافة الأصيلة للأكراد يتم تقديمه للجماهير باسم "القومية الكردية". أما الشخصيات التي تدّعي تمثيل الأكراد والساحة السياسية الكردية، فالأغلبية العظمى منها تتبنى نمط حياة لا يمت بصلة للقاعدة الدينية، بل تعارض هذه القيم علناً. إن الأنماط الثقافية الجديدة التي يتم تقديمها للأكراد تحت مسمى "نمط الحياة العصري" تؤدي إلى تشويه هويتهم العريقة وتفكيك جذورها.
من جهة أخرى، يتم صناعة تاريخ كردي جديد مُبتكر، بعيد كل البعد عن الحقائق التاريخية. حيث يتم توسيع المناطق التي عاش فيها الأكراد على الورق بشكل مستمر، ويُعلن عن العديد من الشخصيات التاريخية على أنها "كردية"، ويتم اختراع ماضٍ بديل مُختلق تمامًا للأكراد، ويتم التلاعب بالتوازنات والأرقام الديموغرافية. إن هذه العملية، التي يساهم فيها بعض الباحثين الغربيين المزيفين بكل طاقتهم، لا تهدف في النهاية إلا إلى فصل الأكراد عن واقعهم وجعلهم بلا جذور تاريخية وجعرافية.
إن القومية الكردية المنفصلة عن الإسلام، شأنها شأن القومية التركية المنفصلة عن الإسلام والتي فقدت بوصلة اتجاهها، حيث تُعتبر من الألغام المزروعة على خريطة جغرافيتنا. ورغم كل التحريضات المعاكسة، ينبغي أن تكون هذه هي النقطة الأساسية التي ينظر بها الأكراد إلى الشرق الأوسط ويتعاملوا معها. فقد عانت منطقتنا على مدى عقود من شتى أنواع القوميات الجافة التي تفتقر إلى العمق الديني والمسؤولية التاريخية. وهناك العديد من الأمثلة المؤلمة لهذه الحالة في العالم العربي. لم تكن أي من هذه الأمثلة علاجًا لآلامنا ومعاناتنا؛؛ بل على العكس، عمقت الجراح وحولتها إلى قروح مستعصية.
واليوم، كما هو حال جميع شعوب منطقتنا يقف الأكراد على مفترق طرق. ينبغي عليهم تجنب الوقوع في فخ الإغراءات الإمبريالية، وتطوير وجهات نظر أكثر شمولية واحتواءً من أجل حل المشكلات، وإدراك أن القومية الكردية المنفصلة عن الإسلام هي في الأساس فخ حديث نُصب للأكراد أولاً ومن ثم للمنطقة بأسرها. هذا هو الموقف الذي يجب تبنيه وإن كان صعباً.