جسور بغداد وجهة العراقيين للاستمتاع بإطعام الطيور
تحوّل إطعام الطيور فوق جسور بغداد التي تربط صوبي نهر دجلة إلى طقس يجذب العراقيين، ويشكل نشاطاً جديداً يضفي بهجة خاصة على المدينة. أصبح هذا الطقس مشهداً مألوفاً، حيث يتوافد الناس إلى الجسور حاملين قطع الخبز والطعام لإطعام النوارس التي تحلق حولهم بنشاط.
ويقف الناس، صغاراً وكباراً، ومن كلا الجنسين، مستمتعين بمنظر الطيور وهي تلتقط الطعام في الهواء، ما يخلق لحظات من التفاعل مع الطبيعة وسط المدينة الصاخبة. "مشاهدة النوارس تقترب منا وتجذب الطعام في الهواء متعة لا توصف، وكأننا نشعر بفرح بسيط وسط زحام الحياة"، هذا ما تقوله طيبة سمير التي تحرص على إطعام الطيور فوق جسر الأحرار كلما ذهبت إلى بيت عمها في الطرف الآخر من النهر.
في حديثها لـ"العربي الجديد"، تصف طيبة، وهي طالبة في كلية اللغات، إطعامها الطيور قائلة: "مشهد جميل. هذا الطقس يشعرني بأني أجيد نوعاً من التواصل مع طيور النوارس. إنه بالفعل يشعرني بسعادة غامرة ويمنحني إحساساً بالترابط مع هذه الطيور، كأنها تفهم مشاعري أو تشكرني لإطعامها باستمرارها في التحليق حولي".
هذا الشعور نفسه ينتاب جنى، شقيقة طيبة التي تصغرها بعام واحد. تقول إنها تعيش لحظات مميزة ومليئة بالمرح، حيث تجد في إطعام الطيور فوق الجسر فرصة للتواصل معها بطريقة فريدة. وتضيف: "عندما ألتقط الصور مع الطيور، أشعر وكأنها تتفاعل معي وتستمتع باللحظة كما أفعل أنا، وكأنها تحب أن تكون جزءاً من ذكرياتي الجميلة".
دانية رضا، التي مرت بظروف قاسية بعد وفاة والدتها التي قاست كثيراً من مرض عضال، تؤكد لـ"العربي الجديد" أن الجسر والنهر والطيور خففت من ألمها.
دانية التي تدرس في المرحلة الأخيرة من الدراسة الثانوية تخلفت في دراستها عامين كانت فيهما تعتني بوالدتها، تقول إنها تعودت على التوجه بانتظام إلى جسر الشهداء برفقة شقيقها لتراقب الطيور وتطعم النوارس. وتضيف أنها تقضي هناك أكثر من ساعة بين رمي الطعام ومتابعة حركة الطيور التي تحلق وتلتقطه، مؤكدة أن هذا الطقس اليومي يشعرها براحة نفسية ويمنحها فرصة للتخلص من ضغوط الحياة، خاصة أنها تسكن قريباً من النهر. وأشارت دانية إلى أن "هذا النشاط البسيط أصبح جزءاً مهماً من روتيني، فهو ليس مجرد إطعام للطيور، بل تجربة تواصل مع الطبيعة تمنحني شعوراً بالسلام الداخلي وتملأ يومي بالبهجة والطاقة الإيجابية".
تلك الجسور، التي تحكي قصة بغداد وتربط بين ماضيها العريق وحاضرها النابض بالحياة، أصبحت مواقع تجذب الناس ليس فقط بصفتها وسائل عبور، بل لكونها نقاط تجمع وتفاعل ثقافي واجتماعي، حيث يقبل الزائرون للاستمتاع بمشاهد طبيعية وتجارب مميزة. ومن بين هذه الجسور، يبرز جسر الشهداء الذي يربط أحياء تراثية مهمة في منطقة الكرخ الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة، وما لها من أثر محبب بين العراقيين لكونها إحدى مناطق بغداد القديمة، بمنطقة الرصافة التي تحتضن معالم مهمة كالمتحف البغدادي والمدرسة المستنصرية وشارع الرشيد، ويعتبر من أكثر جسور بغداد التي يقبل عليها العراقيون للاستمتاع بأجواء إطعام الطيور.
عبد المجيد الصباغ، مهندس متقاعد، يقول لـ"العربي الجديد" إنه يجد سعادة غامرة في القدوم إلى جسر الشهداء لإطعام النوارس، حيث أصبح هذا النشاط طقساً يقضي فيه الوقت مع أحد أفراد أسرته أو أصدقائه. ويصطحب الصباغ معه بقايا الطعام والخبز ويعمد إلى رميها للطيور التي تحوم حول الجسر، فيشعر بالبهجة وهو يشاهد النوارس تتسابق لالتقاط الطعام.
وأوضح أن هذا النشاط البسيط يعزز الترابط مع من يرافقه سواء كان أحد أفراد عائلته أو أصدقائه، ويضيف لمسة من الفرح والهدوء إلى يومه، مؤكداً: "هذا المكان وطقس إطعام الطيور يعطياننا فرصة لقضاء وقت ممتع مع الآخرين. إنه علاج نفسي لا مثيل له".
يلفت كريم إلى أن جسور بغداد، خاصة جسر الشهداء، أصبحت مشهداً سياحياً فريداً يجذب الزوار من داخل العراق وخارجه، موضحاً أن السيّاح باتوا يتوافدون على الجسور لإطعام النوارس والتقاط الصور معها، مستمتعين بمراقبة العراقيين وهم يشاركون في هذا الطقس اليومي الممتع. وأضاف: "مشهد النوارس وهي تحلق فوق الناس وتقترب منهم لالتقاط الطعام يجعل الجسور مكاناً مثالياً للتصوير وتسجيل الذكريات. بالإضافة إلى أن السيّاح يوثقون في مقاطع فيديو وصور تظهر مدى التفاعل بين العراقيين والطبيعة، ما يعكس جانباً إيجابياً للحياة اليومية في بغداد".