"لقد سرقوا أعيننا" وأغلقوا المعرض: عن الآثار العراقية منهوبة
في عملها التركيبي الذي يحمل عنوان "لقد سرقوا أعيننا.. لكننا ما زلنا نرى"، تسلّط الفنانة العراقية الكندية، هلا السلمان، الضوء على أعمال النهب الذي تعرضت له الآثار العراقية أثناء الغزو الأميركي لبلادها. يضم هذا التركيب الذي عرضته الفنانة لأول مرة عام 2023 في إحدى الجامعات الكندية مجموعةً من المجسمات على هيئة عين تحاكي أعين التماثيل السومرية. في العمل، وضعت الفنانة عدداً من هذه المجسمات فوق طاولة خشبية، ودعت الجمهور إلى فحصها بعناية والتعامل معها كقطعة آثار أصلية. في أعلى الطاولة، استقرت صورة حقيقية لزوجين من هذه العيون. كان متحف متروبوليتان قد حصل عليهما في ستينيات القرن الماضي بطرق غير شرعية.
العمل نفسه عرضته الفنانة مرة أخرى هذا الشهر، لكنها أضافت إليه تفصيلة صغيرة تعبر عن تضامنها مع فلسطين. عُرض العمل في مركز أورورا الثقافي في كندا ضمن معرض جماعي شارك فيه خمسة فنانين آخرين، إلى جانب هلا السلمان. الإضافة التي وضعتها السلمان كانت عبارة عن ملصق صغير يتضمن اسم إسرائيل بين قوسين وإلى جانبه اسم فلسطين. يُحاكي المُلصق تقليداً كندياً شائعاً في كتابة أسماء المدن والأقاليم باسمها المعروف بين السكان الأصليين إلى جانب الاسم الحالي.
لم يكن تركيب السلمان هو الوحيد بين الأعمال الستة المعروضة الذي يحمل إشارة تضامن مع فلسطين، فقد عرضت زميلتها شانتال هاسارد مجموعة من اللوحات تحت عنوان "مشروع الجثة الرائعة"، وهو عمل تفاعلي أُنشئ بالتعاون مع الطلاب في جامعة تورنتو. نُفذ الجانب الأكبر من عمل هاسارد في معسكر تضامن مع فلسطين في ساحة الجامعة. ضمت اللوحات رسومات للعلم الفلسطيني وصوراً لقبة الصخرة وكلمات متفرقة باللغة الإنكليزية لأسماء المدن والبلدات الفلسطينية التي تعرضت للتهجير عام 1948.
المعرض الجماعي الذي يضم هذين العملين يتناول مواضيع مختلفة، مثل الهجرة ونهب التراث الثقافي والقمع، وكان من المُقرر أن يستمر حتى نهاية الشهر الحالي، غير أن المركز ألغاه بعد يوم واحد من افتتاحه. بعد إغلاق المعرض بنحو أسبوعين، أصدر المركز بياناً يذكر فيه سبب هذا الإغلاق، مدعياً أن العملين المذكورين "يثيران مخاوف أمنية غير متوقعة". كما ادعى بيان المركز أيضاً أن بعض السكان المحليين قد اشتكوا من أن الأعمال المعروضة مُعادية للسامية، وأنه بعد المراجعة الشاملة للأعمال، خلص إلى أن احتمال الضرر الذي يسببه المعرض للمجتمع يفوق فوائد الإبقاء عليه.
تقول السلمان إن المركز لم يُخطرهم بالسبب الحقيقي لإغلاق المعرض في حينها، وأنهم ظلوا يعيشون حالة من الغموض لمدة أسبوعين تقريباً، حتى أُخبروا بالسبب الحقيقي وراء هذا الإغلاق. خلال هذه الفترة، لم يرد المركز على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالفنانين، كما لم تكلف الإدارة نفسها بالدفاع عنهم أمام الادعاءات التي روجتها بعض وسائل الإعلام الكندية بأن أعمالهم معادية للسامية، بل كان هناك اتجاه لتأكيد هذه الادعاءات المغلوطة التي رُوّج لها. تقول السلمان إن البيان الذي أصدره المركز يدعي أن إغلاق المعرض يهدف إلى حماية المجتمع، كما لو كنا كيانات خبيثة تسعى إلى تدمير هذا المجتمع. في صفحتها على "إنستغرام" تقول السلمان إن "المركز الثقافي المرموق يطالبنا بعدم التعرض للحرب على غزة في الوقت الذي نشاهد فيه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل يومياً على هواتفنا المحمولة". تتساءل الفنانة: "كيف يُطلب منا كفنانين ألّا نتطرق إلى هذه المأساة والجريمة المستمرة منذ أكثر من عام؟".
المعرض الذي أُغلق يحمل عنوان "تعبيرات عن الفكر النقدي". والمُفارقة هنا، كما تقول السلمان، أن الأسباب التي ساقها المركز لإغلاقه تتناقض مع هذا العنوان، في مفارقة ساخرة وعبثية. ترى السلمان أن إغلاق المعرض على هذا النحو يهدف إلى إسكات الفنانين ومنعهم من التعبير، ما يُعد سابقة خطيرة ووصاية على الجمهور.
وقد وصفت السلمان إشارتها إلى فلسطين بأنها الحد الأدنى من التضامن، وأن عملها لم يكن معادياً للسامية، لأنه لم يكن هناك أي إشارة إلى الدين اليهودي أو الشعب اليهودي.
أما هاسارد، وهي فنانة يهودية، فتقول إنها من المفترض أن تكون أكثر حساسيةً أمام وجهات النظر المعادية للسامية باعتبارها حفيدة أحد الناجين من الهولوكوست، لكنها لا ترى في عمل السلمان أو في عملها ما يشير إلى ذلك. اعتبرت هاسارد أن هذه الادعاءات مثيرة للسخرية والغضب، كما أنها تحريف خطير لمفهوم معاداة السامية. تقول الفنانة إن موظفي مركز أورورا الثقافي كانوا على علم بمحتوى الأعمال الفنية قبل افتتاح المعرض، ولم يلفتوا انتباه الفنانين إلى أي مخاوف من هذا النوع، ولكن يبدو أن بعض الحقائق قد تكون غير مريحة للبعض أحياناً.