ترك برس
أكد الخبير والمحلل السياسي التركي قدير أوستون، أن تعامل واشنطن مع المؤسسات الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، كأدوات لخدمة مصالحها وتوفير غطاء دبلوماسي لسياساتها، يكشف بوضوح دورها في إضعاف النظام الدولي.
جاء ذلك في تقرير تحليلي نشرته صحيفة يني شفق، تطرق فيه أوستون إلى القرار التاريخي الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بشأن اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت؛ "مما منح الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة جديدة لإبراز دعمه غير المحدود لإسرائيل".
وفي بيان صادر عن البيت الأبيض وموقَّع من بايدن، وصفت الإدارة الأمريكية القرار بأنه "فضيحة"، وأكدت رفضها لأي محاولة للمساواة بين إسرائيل وحماس، مع تجديد التزامها الدائم بدعم أمن إسرائيل.
ورأى اوستون أن هذه التصريحات، التي تنسجم مع مواقف بايدن منذ السابع من أكتوبر، تُظهر عدم اكتراثه بالآثار السلبية لهذا النهج على فرص الديمقراطيين في الانتخابات، إذ قد تكون هذه السياسة عاملاً رئيسيًا في خسارة الرئاسة لصالح ترامب.
ورغم التكاليف السياسية الباهظة لدعمه المطلق لإسرائيل، وما يترتب عليه من عزل الولايات المتحدة دوليًا، يُصر بايدن على المضي قُدمًا في هذا النهج متحديًا المعارضة المتزايدة. وتُظهر التطورات أن سياسة بايدن تجاه إسرائيل أصبحت موضع جدل واسع النطاق، وأن التمسك بسياسات نتنياهو يضع الإدارة الأمريكية في مواجهة تحديات مكلفة وصعبة. وفقا للكاتب التركي.
وتابع التقرير:
واصلت إدارة بايدن موقفها الداعم لإسرائيل بشدة، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) للمرة الرابعة في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار. ويعكس هذا الموقف التزام الإدارة بحماية إسرائيل بكل الطرق الممكنة. وعلى الرغم من كون بايدن في المرحلة الأخيرة من ولايته (ما يُعرف بفترة "البطة العرجاء")، إلا أن تمسكه بهذا النهج يُبرز البُعد الإيديولوجي لسياسة إدارته تجاه إسرائيل، لا سيما في ضوء تصريحاته السابقة التي قال فيها: "لو لم تُؤسس إسرائيل، لكان علينا تأسيسها".
منذ السابع من أكتوبر، يواصل بايدن دعمه اللامحدود لإسرائيل، معرضًا مستقبله السياسي وحظوظ حزبه الديمقراطي في الانتخابات للخطر. هذا الدعم غير المشروط، رغم تداعياته السلبية الواضحة، يعكس تصميم بايدن على الالتزام بمواقفه، حتى وإن كان ذلك على حساب فرص نجاح الديمقراطيين في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
بايدن والإصرار على حماية إسرائيل
بالنظر إلى هذا الإصرار، يمكن القول إن بايدن يسعى إلى أن يُذكر كرئيس حمى إسرائيل مهما كانت الظروف. ومع ذلك، فإن تجاهل إدارته للانتقادات المتزايدة، بما في ذلك منح الشباب الديمقراطيين بايدن لقب "جو الإبادي"، لا يمكن تفسيره فقط بأسباب سياسية. لقد رهن بايدن إرثه السياسي بدعم سياسات حكومة نتنياهو المتعلقة بالتطهير العرقي، ولم يعد لديه أي طموح جاد لإنهاء الحرب أو تحقيق وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من كل هذا، فإن محاولاته المستمرة لحماية إسرائيل من الضغوط الدولية حتى في الأيام الأخيرة من ولايته تُظهر مدى نهجه غير العقلاني تجاه إسرائيل.
تآكل الدعم الأمريكي لإسرائيل
مبادرة السيناتور بيرني ساندرز، التي طرحت على مجلس الشيوخ مشروع قانون يهدف إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، تُظهر مدى الخلاف حول إسرائيل في السياسة الأمريكية. حصول مشروع القانون على تأييد 18 عضوًا من مجلس الشيوخ يُعد مؤشرًا على القلق المتزايد بشأن الصك المفتوح الذي تحصل عليه إسرائيل بحجة أمنها. يبدو أن هؤلاء السياسيين باتوا يدركون أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يقوض مصداقية الولايات المتحدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في أماكن أخرى.
وعلى الرغم من قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل في الكونغرس، فإن تصويت هذا العدد من أعضاء مجلس الشيوخ لصالح المشروع يُشير إلى أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه. القصة التي لطالما رُوّجت للجمهور الأمريكي عن إسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والحليف الحقيقي لأمريكا، التي تكافح الإرهاب وسط أعداء يحيطون بها"، لم تعد تلقى نفس القبول.
رد إسرائيل على هجوم حماس في 7 أكتوبر لم يقتصر على إثارة الانتقادات الدولية، بل تسبب أيضًا في خسارتها لدعم شريحة كبيرة من الرأي العام الأمريكي. وأصبح النقاش حول المساعدات الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل مؤشرًا واضحًا على هزيمة استراتيجية كبرى. فقد تحولت إسرائيل من دولة محصنة ضد النقد إلى موضوع جدل واسع النطاق، خاصة بين الأجيال الشابة في أمريكا، مما يعكس نقطة تحول مفصلية تُشير إلى تغير جوهري في النظرة الأمريكية تجاهها.
النظام الدولي
ليس من المستغرب أن تُظهر واشنطن ازدواجية معايير واضحة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، بعد أن كانت في السابق تحتفي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة دول غير حليفة لها وتعلن دعمها لتطبيقها. ومع ذلك، فإن القول بأن هذا النهج يقضي تمامًا على ما تبقى من التفوق الأخلاقي والمصداقية الأمريكية ليس مبالغة. ففي مجلس الأمن الدولي، بينما تُظهر الإدارات الأمريكية نشاطًا كبيرًا عند استهداف روسيا في قضايا مثل سوريا وأوكرانيا، فإنها تحمي إسرائيل من أي ضغوط دبلوماسية حقيقية، مما يساهم في تآكل مصداقية الولايات المتحدة وثقة العالم بها.
تعامل واشنطن مع المؤسسات الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، كأدوات لخدمة مصالحها وتوفير غطاء دبلوماسي لسياساتها، يكشف بوضوح كيف تُضعف النظام الدولي. هذا النهج يصب في مصلحة دول مثل روسيا والصين، التي تسعى لتقويض النظام العالمي وتعزيز مكانتها الدبلوماسية على حساب الولايات المتحدة.
والأهم من ذلك أن قدرة واشنطن على ردع الدول المصنفة كـ"جهات فاعلة سيئة"، مثل العراق وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، من خلال التنسيق أحيانًا مع روسيا والصين، قد تراجعت بشكل كبير. وبعدما سعت الولايات المتحدة إلى عزل الصين خلال فترة ترامب، وروسيا خلال فترة بايدن، يبدو أنها تخلت الآن عن قدرتها على التفاوض مع هاتين القوتين لتعزيز انضباط دول أخرى، مما أضعف نفوذها الدبلوماسي الذي كان يشكل ركيزة أساسية لسياستها الدولية.