ترك برس
تناول تقرير تحليلي للكاتب والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أسباب مسارعة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لزيارة تركيا بعد تقدم فصائل المعارضة السورية في محافظة حلب.
وأشار بستان في تقريره بصحيفة يني شفق إلى أن إيران تجد صعوبة في تقبل حقيقة أن تركيا ليست وراء هذه الأحداث، وإنها متمسكة بهذا التصور وغير قادرة على تجاوزه.
وقال بستان إن النظام السوري، وعلى الرغم من كل هذه التطورات، يرفض بشكل قاطع الحوار مع المعارضة، متصرفًا بطريقة غير عقلانية. وإيران تتبنى موقفًا مشابهًا، حيث تقدم دعمها الكامل لدمشق.
وفي الوقت نفسه، تصدر عن إيران تلميحات غريبة ضد تركيا تتعلق بالإرهاب. في هذه الأثناء، طالبت كل من موسكو وطهران أنقرة بعقد قمة أستانا، والتي من المقرر أن تُعقد في الدوحة. وفقا للكاتب.
وتابع التقرير:
المواضيع المطروحة حساسة، وسأناقشها لاحقًا، ولكن قبل ذلك أحتاج إلى توضيح بعض النقاط الأساسية:
أولا: إيران، من خلال نشر ميليشياتها في الميدان ودعوة روسيا للتدخل، هددت حياة ملايين الأبرياء. وفي الوقت ذاته، تركت تركيا تواجه أزمة لاجئين هائلة بمفردها. ومع ذلك، تعاملت أنقرة مع الموقف بحكمة ونضج، ولم تؤثر هذه الأزمة على العلاقات بين البلدين.
ثانيا: نجحت أنقرة في إحباط محاولات القوى الإقليمية والدولية لتطويقها، وحققت عودة إقليمية قوية. فقد انتقلت من "العزلة الاستراتيجية" إلى موقع التفوق الإقليمي. بدأت هذه العودة من شرق البحر المتوسط، ثم امتدت إلى ليبيا، وقره باغ، والعراق، والخليج، وطريق التنمية، ووصلت إلى إفريقيا عبر الصومال. كما أحرزت تقدمًا كبيرًا في مكافحة الإرهاب، وتوغلت بعمق في طرفي معادلة روسيا والغرب. ومع ذلك، لا تزال سوريا تشكل الحلقة المفقودة في هذه المعادلة.
ثالثًا: هزيمة أرمينيا في مرتفعات قره باغ كانت بمثابة خسارة استراتيجية كبيرة لإيران، التي لم تُظهر رد فعل متزنًا كما كان متوقعًا، بل لجأت إلى التصعيد العدائي. شرعت طهران في تبني سياسات تهدف إلى معاقبة تركيا، حيث أدارت شبكات تعاون تجمع بين الحشد الشعبي، وتنظيم بي كي كي الإرهابي، وعائلة طالباني. كما زودت بافال طالباني والتنظيم الإرهابي بطائرات مسيرة انتحارية. وأصبحت معسكرات التنظيم الممتدة على طول الحدود الإيرانية تشكل تهديدًا مباشرًا لتركيا. بالإضافة إلى ذلك، جاءت انتخابات كركوك المفاجئة وإسقاط طائرة مسيرة تركية في المدينة ضمن سلسلة من التحركات المريبة. أليس هذا نفاقًا واضحًا؟
رابعًا: في سوريا، تصرفت إيران بأنانية مفرطة للحفاظ على الوضع الراهن، وهو وضع أضر بالجميع وقاد البلاد إلى حافة التقسيم، وفتح المجال أمام التنظيمات الإرهابية والوجود الأمريكي.
لقد ضغطت طهران على الأسد لمنعه من التقارب مع تركيا، وأصرت على أن انسحاب القوات التركية من سوريا يجب أن يترافق مع انسحابها من العراق أيضًا. اللافت أن من يتهم تركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة بعد سيطرة المعارضة على حلب، هم أنفسهم من عطلوا الحوار بين أنقرة ودمشق، والذي كان من شأنه أن يؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. أليس هذا تناقضًا صارخًا؟
خامسًا: ما زاد من عدائية إيران هو تراجع نفوذها في لبنان وسوريا. تواجه إيران انسحابًا إقليميًا تدريجيًا، بينما تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل، بموافقة ضمنية من روسيا، وجودها في سوريا. في ظل هذا المشهد، جاءت سيطرة المعارضة على حلب لتدق ناقوس الخطر في طهران، وتثير مخاوفها من فقدان المزيد من المكاسب الاستراتيجية.
اقتراح أستانا جاء من روسيا وإيران
السبب الذي دفع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى زيارة دمشق أولًا، ثم أنقرة، وبعدها موسكو، يتعلق مباشرة بهذا الموضوع. خلال وجوده في أنقرة، أرجع عراقجي هجوم المعارضة إلى "مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة والصهيونية". ويبدو أنه كان يردد في الكواليس بأن "المعارضة لا يمكنها تنفيذ مثل هذا الهجوم دون دعم تركيا".
رد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريحه بأن "تفسير الأحداث بالتدخل الخارجي ليس صحيحًا"، كان على الأرجح ردًا على هذا الادعاء. ورغم تأكيد أنقرة بأنه "لا توجد علاقة قيادة أو سيطرة بيننا وبين هيئة تحرير الشام"، إلا أن طهران ما زالت متمسكة بمواقفها التقليدية. إيران لا تدرك أن الهدف الأساسي لتركيا هو منع تقسيم سوريا والقضاء على التنظيمات الإرهابية. وكما ذكرت، يبدو أنهم عالقون في هذه النقطة.
كان أمام الأطراف المعنية أربع سنوات كاملة لحل هذه المشكلة، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة. وعندما بدأت الأمور تسوء، عادوا إلى ملف أستانا الذي تركوه مهملًا لسنوات. وهكذا جاء اقتراح "عقد قمة أستانا" من موسكو وطهران إلى أنقرة.
ومن المرجح أن البلدين فضّلا عقد القمة في أستانا، لكن الاجتماع تقرر إجراؤه في الدوحة. كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد خطط مسبقًا للمشاركة في منتدى الدوحة المقرر عقده يومي 7 و8 ديسمبر. ومن المعروف أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيشارك أيضًا في المنتدى. أما الوزير الإيراني، فيبدو أن مشاركته أُضيفت مؤخرًا إلى برنامجه. عندما ينعقد الاجتماع الثلاثي هناك، قد تتضح الصورة بشكل أفضل وتنكشف بعض التفاصيل.
تصحيح وتوضيح مطلوبان
لا يمكن تجاهل التطورات المتعلقة بعملية أستانا وكأن شيئًا لم يحدث. لقد دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة، وأصبح من الضروري الآن أن يبدأ النظام السوري حوارًا مباشرًا مع المعارضة. يقال إن: "عملية أستانا كانت تهدف إلى توفير الظروف الميدانية التي تسمح بتقدم العملية السياسية، لكنها لم تكن بحد ذاتها عملية سياسية. العملية السياسية يجب أن تتم بين النظام والمعارضة. وعلى الدولتين المعنيتين العمل على إقناع دمشق بدعم هذه العملية."
أما التصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن طهران، فهي بحاجة إلى مراجعة. على سبيل المثال، تصريح مستشار السياسة الخارجية للمرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، بأن "تركيا أصبحت في الآونة الأخيرة أداة بيد الولايات المتحدة والصهيونية"، لا يتماشى مع تقاليد الدولة الإيرانية وخبرتها السياسية، وهو تصريح يحتاج إلى تصحيح.
وبالنسبة لتقرير وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية الذي أشار إلى أن "السياحة تُعد مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الاقتصاد التركي، وأن الإرهاب قد يتغلغل في الداخل التركي ويتسبب في خسارة هذه الإيرادات، مع التأكيد على نفوذ الأسد على الأكراد"، فإن هذا الخطاب يحمل نبرة تهديدية واضحة. مثل هذه التصريحات تتطلب توضيحًا دقيقًا وتفسيرًا لتجنب أي تصعيد.