اليوم التالي في سورية
لم تعد قصة سقوط نظام الأسد مادة تحليل سياسي مهم، فهي اليوم صفحة من الماضي، وقد تؤرخ لاحقاً بأغلى تكلفة لـ«عدم جلوس»، حين تعنّت الأسد على الجلوس والمصالحة مع الأتراك بالتزامن مع عدم قراءة لتأثيرات واقع الأحداث، في غزة وما نتج عنها من تقويض قدرات حزب الله، ورغبات روسيا في تكرار سيناريو 2015، مع تجاهل آثار حربي إسرائيل وأوكرانيا على الاثنتين تباعاً.
لكن المجهول وربما المقلق هو مستقبل سورية، التحرك السريع لقوات المعارضة المسلحة والتي أطلقت على نفسها «هيئة تحرير الشام»، ووصلت إلى دمشق معلنة سقوط نظام الأسد، هي قوات خرجت من رحم النصرة، وإن كان خطابها اليوم اختلف تماماً، وشددت على تجنب الممارسات الطائفية خاصة المراقد الشيعية، والتعامل مع المسيحيين وغيرهم في المدن التعددية كحمص.
كان هناك الكثير من الإشارات الإيجابية من الجولاني، ومنها الطلب من رئيس الوزراء الاستمرار في تسيير الأعمال، وربما هذا من الدروس المستفادة حيث فشلت إدارة الحكم المحلي في عدة محافظات خلال إدارة المعارضة لها لسنوات، لكننا لا نعلم هل ستبقى أفعالها مرتبطة بخطابها أم سيتغير الوضع بعد أن تضع الحرب أوزارها.
وهناك سؤال ثانٍ يتبادر إلى الذهن، وهو إلى أي مدى لن تنخرط هذه القوات في عمليات ضد القوات الكردية «قوات سورية الديموقراطية» قسد، خاصة إذا ما رغب الأتراك الداعمون لـ«هتش» إلى خلق شريط حدودي عازل بين تركيا ومناطق الأكراد، وهل ستدعم أمريكا الأكراد ضد قوات مدعومة من دولة في الناتو، أم سيستذكر الأكراد مقولة حسني مبارك «المتغطي بالأمريكان عريان».
وعلى مستوى الجيران، حصّنت العراق والأردن حدودهما، ولكن اضطر العراق لاستقبال عناصر من الجيش السوري، لم ترَ أنه من الحكمة إتمام المعركة، وبالمجمل إذا لم تشهد سورية استقراراً سياسياً مبنياً بشكل رئيسي على المشاركة، فإن ذلك من المرشح أن يفاقم أزمة اللجوء، خاصة أن سورية وقبل سقوط الأسد تعاني من أزمات غذائية كبيرة، وبالطبع لن تكون مشكلة اللجوء مسألة تخص الجيران، فأوروبا وتركيا خبرتا مشكلة اللجوء جيداً، حيث لم يتوقف بعضهم إلا في ألمانيا.
إسرائيلياً تقدم الجيش داخل الجولان، ولم يتبين بعد هل هي هواجس للحفاظ على الجولان فقط، أم شهية مفتوحة لقضم مساحات جديدة من الجسد الجريح، ولا شك أن صانع القرار في تل أبيب لا يعتبر «تحرير الشام» أفضل الجيران الذين قد يحظى بهم، ولم يتبين بعد بشكل حاسم بعد في مناطق شيعية محددة في سورية، هل سيعود حزب الله ويشتبك مع هذه القوات أم أن انسحابه بلا رجعة؟
اليوم لا يوجد في سورية ما هو أهم من التعلم من دروس الآخرين، فالحكمة لا تُسمع وقت المدافع، والحكمة ليست جهورية كالشعارات الرنانة التي لا تطعم خبزاً، لكن دائماً ما يتلو الطمع الندم، حولنا دروس كثيرة حين تقاتل المنتصرون على الغنيمة قبل أن تنضج، وفي أحايين خسروا كل شيء كما في النموذج الأفغاني، أخرجوا السوفييت ثم تقاتلوا حتى أتت طالبان من الخفاء وابتلعت البلد، والنموذج السوداني اليوم مؤلم أيضاً، «فكلنا كاسب» هو ترياق النجاة وليس حماقة «من كسب أكثر».
سورية بلد مليء بالخيرات سواء على مستوى الثروة النفطية أو الزراعية والمواشي، وهو بلد معروف بتطور صناعاته اليدوية، وبالطبع بحضارة ضاربة في أطناب التاريخ، كأحد عوامل الجذب السياحي فيها، بالإضافة لموقع نموذجي يطل على البحر الأبيض المتوسط، كل هذا يمثل فرصة لكنه أيضاً قد يحولها لفريسة.