ترك برس
رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، أن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الإيجابية تجاه تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان، وتأكيده على أن "المفتاح في يد تركيا" في المنطقة، تمثل حالة ناتجة عن الواقع الجديد في سوريا، بقدر ما هي مرتبطة بتجارب فترته الرئاسية الأولى.
وأوضح إيرسانال في مقال بصحيفة يني شفق أن دور تركيا ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط قد توسع بشكل ملحوظ، وهو ما دفع الولايات المتحدة والغرب إلى توسيع رؤيتهم تجاه هذه المنطقة.
وقال إن "هذه بالفعل فرصة، ولكن الأهم من ذلك، أنها أقوى ورقة في المعركة لتحقيق السياسات المركزية لأنقرة. وهذا سيكون أكبر إنجاز استراتيجي لتركيا، وهو الهدف الذي كنا نسعى إليه".
وفيما يلي نص المقال:
لا ينبغي لنا أن نستغرب من تحصين إسرائيل للجولان، فهذا الإجراء يأتي في سياق استعدادها لـ "جارتها المستقبلية".
هناك تغييرات كثيرة ستحدث، ولا يمكن التوقف عند القول "إيران وروسيا سقطتا"، ألم تسقط الولايات المتحدة وإسرائيل أيضًا؟
إن تفسير سقوط نظام الأسد في غضون عشرة أيام فقط بعقلية "التفاهم المشترك بين واشنطن وتل أبيب"، أو الافتراض بأن انسحاب طهران وموسكو سيؤدي تلقائيًا إلى ملء الفراغ من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، ينبع إما من ولاءات سياسية متجذرة، أو جهل، أو عمى، أو حتى أمنيات وقحة. وفي بعض الأحيان، قد يكون السبب الإفراط في مشاهدة البرامج الحوارية. هؤلاء مثل الكائنات وحيدة الخلية، لا يملكون سوى خاصية الانقسام للبقاء، وغير قادرين على التطور.
نعم، لقد خسرت الولايات المتحدة وإسرائيل أيضًا لأن الظروف تغيرت.
إحدى نتائج المستجدات في سوريا هو أنها قد تخدم مصالح الغرب، لكن ليس بصورة مطلقة. فقد خسر تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإهابي في سوريا، وهذه الخسارة تمثل هزيمة لإسرائيل والولايات المتحدة معًا، فهناك استثمارات جيوسياسية تمتد لعقود، بالإضافة إلى عشرات المليارات من الدولارات، على وشك أن تذهب أدراج الرياح.
وفوق ذلك، كان سقوط الأسد خسارة لإسرائيل أيضًا، وهو ما وثّقه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريح واضح. فقد أشار إلى أن جو بايدن، عندما كان نائبًا للرئيس، أبلغ الرئيس التركي بأن الولايات المتحدة لا تريد سقوط الأسد، وكان هذا بناءً على رغبة إسرائيل. إنها خسارة كبيرة ومغيرة للمعادلات.
والمشكلة بالنسبة للغرب ستتفاقم أكثر وسنعمل على تفاقمها. هدفنا الوحيد كان حماية وطننا وشعبنا من الإرهاب، لكنهم لم يسمحوا بذلك، والآن عليهم مواجهة مشاكل أكبر بكثير.
الخسارة ليست بالضرورة حزم الأمتعة والرحيل. بل قد تعني الجلوس على طاولة المفاوضات مع أولئك الذين كانوا يُظهرون الود وهم في حقيقة الأمر في موقف أقوى لا يمكن تجاوزه، واضطراركم إلى سماع الكلمات الثقيلة. كما حدث عندما جاء وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، إلى أنقرة متلهفا ليغادر بكلمات محملة بالتهكم واللامبالاة "نتمنى لكم التوفيق". أو عندما كان هناك من يعبث بالسياسة التركية قبل أربع سنوات، متوعدًا بتغيير النظام السياسي، ليُقصى لاحقًا بإهانة واضحة. ولكن، لم نعد بحاجة إلى ذلك، فقد قام ترامب بذلك يوم الأحد، وهو يستمتع بذلك.
أما القول إن "إسرائيل حزينة على رحيل الأسد"، فهو يعكس قلقها مما قد يأتي بعده. فإسرائيل تدرك أن أي نظام جديد في سوريا، إذا ما عبّر عن إرادة الشعب السوري الحقيقية في إدارة دمشق، سيكون مدعاة لقلق تل أبيب. وهذا هو السبب وراء استمرار هجماتها المدمرة على القدرات العسكرية السورية.
ولكن لن يكون هناك حل. بل يعتقد بعض الخبراء أن تركيا تستطيع تحويل الجيش السوري إلى قوة فعالة في وقت قصير، مستشهدين بتجربة أذربيجان. فهل هذا صحيح؟ بالطبع.
الشرط الوحيد هو أن تظل المرحلة الانتقالية في سوريا خالية من الفوضى أو المخاطر التي تعرقلها.
في المجمل، يمكن القول إن السياسة الأمريكية في سوريا قد انهارت تمامًا.
نأمل أن تتمكن إدارة ترامب من تنفيذ التصريحات التي توحي بفهمها للواقع الجديد. وإن لم تفعل، فإن "المفتاح" بأيدينا. ولا أقصد بالمفتاح ما عناه ترامب، بل إننا نمتلك القفل والمفتاح معًا.
ومع اقتراب نهاية إدارة بايدن، تبرز زيادة ملحوظة في التحركات الأمريكية، تتجلى في دعم جديد ومكثف لدول مثل كوريا الجنوبية، وجورجيا، وتايوان، وأوكرانيا، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية متكررة وضخمة. هذه القائمة جمعها الاستراتيجيون من الغرب والشرق على حد سواء، ويضيفون سوريا إلى هذا السياق باعتبارها جزءًا من "النمط". إلا أن هذا التحليل يبدو قاصرًا أو حتى خاطئًا، كما أوضحنا أعلاه. لكن هل يمكن اعتبار هذه الخطوات معارضة لسياسات ترامب؟ أم أنها محاولة لإبطاء فترة حكمه القصيرة التي ستستمر أربع سنوات وإيقاعه في الفخاخ؟
ويتطلب الأمر تحليلًا لكيفية تفاعل تأثير تركيا في العراق وسوريا مع سياسات ضمان أمن إسرائيل التي اكتسبت زخمًا مع مجيء ترامب، وهذا مؤكد.
لا شك أن هناك احتمالًا لاستمرار التعقيدات الداخلية والمناورات الخارجية، لكن النقاش حول شكل النظام الذي ستؤول إليه سوريا ونوعية الدولة التي ستصبح عليها سيتحول بشكل طبيعي على المدى القصير، إلى مناقشات ذات طابع تقني.
لكن المرحلة التي يجب الوصول إليها في النهاية - والعلاقات الثنائية ستعمل بديناميكياتها الخاصة بالفعل - هو "تحالف استراتيجي" بين أنقرة ودمشق .
وعند تحقيق هذا الهدف - والذي نرى بالفعل مؤشراته منذ الآن - فإن الخريطة المشتركة بين تركيا وسوريا ستقوم بإنشاء جيوسياسية جديدة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى إيران، ومن البحر الأسود إلى إفريقيا من جهة، وتضييق الخناق على الحركات المعادية لتركيا مثل تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي، ومن جهة أخرى، يمكن أن تجعل تركيا "شريكًا إلزامياً" في مجموعة من المشاريع والخطط التي تستبعد تركيا. (مثل مشاريع الطاقة في حوض البحر الأبيض المتوسط، ومشاريع أخرى مشابهة / بديلة لـ "طريق التنمية " في العراق.)
إن الحفاظ على الهدف المثالي في الأذهان يتطلب دائمًا عدم تجاهله أو إغفاله، لكن في الوقت الراهن، فإن الديناميكيات الداخلية في سوريا ستستنزف الكثير من الطاقة. وإلا فإن توسيع خارطة الأنشطة الجيوسياسية بين سوريا وتركيا ليشمل دولًا مثل أذربيجان وأرمينيا يمكن أن يكون ممكنًا.
إن تصريحات ترامب الإيجابية تجاه تركيا والرئيس أردوغان، وتأكيده على أن "المفتاح في يد تركيا" في المنطقة، تمثل حالة ناتجة عن الواقع الجديد في سوريا، بقدر ما هي مرتبطة بتجارب فترته الرئاسية الأولى. وهي تعبير عن القبول بأن القضايا المتعلقة بمثلث تركيا والعراق وسوريا هي قضايا تخص هذه الدول وأن عليها أن تتعامل معها. كما أن قوله: "تركيا أنشأت جيشًا قويًا، ولم تضعفه الحروب" تؤكد ذلك وتعني أيضًا أن "تركيا لم تقع في الأفخاخ".
في الواقع، يبدو أن ترامب يبرئ نفسه ويؤكد على صحة مواقفه في فترته الأولى. وفي ذات الوقت، يشير إلى أن سياسة واشنطن والمنفذين هو ما كان يعيقه في ذلك الوقت.
والحقيقة أيضًا أن التطورات الحالية قد سهلت إعادة دخول الولايات المتحدة والغرب إلى سوريا دبلوماسيًا، ولكن مع وجود شريك. سنرى كيفية تنفيذ هذه السياسة مع بدء ولاية ترامب.
من المؤكد أن دور تركيا ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط قد توسع بشكل ملحوظ، وهو ما دفع الولايات المتحدة والغرب إلى توسيع رؤيتهم تجاه هذه المنطقة. هذه بالفعل فرصة، ولكن الأهم من ذلك، أنها أقوى ورقة في المعركة لتحقيق السياسات المركزية لأنقرة. وهذا سيكون أكبر إنجاز استراتيجي لتركيا، وهو الهدف الذي كنا نسعى إليه.