غياب قادة الفصائل في العراق عن الظهور الإعلامي: تفسيرات متعددة
منذ أيام، تشهد الساحة السياسية والإعلامية في العراق غياباً واضحاً لقيادات الفصائل المسلحة القريبة من إيران على المستوى الإعلامي، وكذلك الاجتماعي، وحتى حضور بعض الاجتماعات السياسية، كما كان معتاداً خلال الأشهر الماضية، فيما تؤكد مصادر عراقية مختلفة أن هذا الغياب يعود لإجراءات أمنية اتخذها قادة الفصائل خشية من الاستهداف الإسرائيلي.
ومنذ عدة أيام، تتناقل وسائل إعلام محلية في العراق ومنصات على مواقع التواصل تسريبات حيال سبب الاختفاء المفاجئ لزعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، بين تعرضه لمحاولة اغتيال وأخرى تحدثت عن مرضه، لكن مصادر مقربة منه نفت ذلك، من دون أن تقدم أي معلومات موثقة بشأن مصيره، حيث يتواصل اختفاؤه منذ ما يزيد عن أسبوعين.
ومع هذا الغياب غير المسبوق لجهة طوله الزمني، وعدم وجود أي تبرير من مكاتب قادة تلك الفصائل، ذهبت وسائل إعلام وناشطون عراقيون لنشر معلومات أقرب ما تكون إلى التكهن أو نسج قصص حول سبب اختفائهم.
وفي السياق، نفى المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء" كاظم الفرطوسي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، "خروج أي من قادة الفصائل من العراق"، مضيفاً: "لا يوجد غياب لقادة الفصائل، لكن هناك ضروريات أمنية في عدم ظهور قادة الفصائل المسلحة، حيث تجب الاستفادة من تجارب الآخرين في التحوط الأمني، وهذا أمر مهم جداً للحفاظ على سلامتهم". وأكد أن "قادة الفصائل في العراق اتخذوا إجراءات أمنية احترازية لتجنب تكرار تنفيذ عمليات اغتيال بحقهم كما حصل مع قادة حزب الله اللبناني، رغم أن هناك فرق كبير بين البلدين. الكيان الصهيوني لديه خطوط تماس مع لبنان، واخترق شبكات الهاتف، ولديه تقنيات كبيرة يمكن أن يعمل بها، بينما في العراق الوضع مختلف تماماً، لكن مع ذلك، هناك إجراءات واحتياطات واجبة".
من جهته، أوضح النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق مختار الموسوي، لـ"العربي الجديد"، أن غياب قادة الفصائل المسلحة عن الظهور يعود إلى "أسباب أمنية وأخرى شخصية، ومن المؤكد أنه في نفس الوقت، هناك خشية من استهداف هؤلاء القيادات من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة". وبيّن أن "قيادات مهمة في الفصائل بدأت منذ مدة بإجراءات مشددة أثناء تحركاتها أو في الأماكن التي توجد فيها، خاصة أنهم في حرب مباشرة ومعلنة مع إسرائيل، ولهذا غياب هؤلاء القادة في هذا التوقيت أمر مهم جداً وهو طبيعي في نفس الوقت، وليس بالشيء الجديد أو المستغرب".
في المقابل، قلّل الخبير في الشأن العسكري اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، في حديث مع "العربي الجديد"، من فاعلية تغيب القيادات البارزة في فصائل مسلحة عن الظهور، وقال: "من ناحية أمنية، تغيبهم عن الفعاليات أو الاعلام لا يعني تخفياً"، معتبراً أن "هذا الغياب لن يحميهم".
وبيّن الأعسم أن "هذا الغياب ربما يكون لأسباب سياسية أكثر مما هي أمنية، من خلال ضغوطات كبيرة عليهم، خاصة في ظل وجود ضغط أميركي كبير رافض وجودَ أي من الفصائل المسلحة في العراق خلال المرحلة المقبلة، والسعي لحلها وتفكيك الفصائل وفق الرغبات الأميركية". وأضاف أن "الجانب الأميركي متمكن من الوصول إلى قادة الفصائل عبر تقنيات متطورة سبق أن جربها، ولهذا غيابهم عن الظهور الإعلامي أو الاجتماعي لن يحميهم من أي استهداف، لكن نعم، قادة الفصائل اتخذوا إجراءات أمنية مختلفة خشية من أي استهداف".
وجاء غياب قادة الفصائل المسلحة في العراق بالتزامن مع لقاءات المبعوث الأممي الخاص محمد الحسان، التي يجريها منذ أسبوعين، بعد تقارير وتسريبات صدرت عن سياسيين ومستشارين في الحكومة تحدثت عن ضغوط دولية على العراق لتفكيك الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والتهديد بعقوبات دولية على بغداد.
وأجرى رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى العراق محمد الحسان، خلال الأسبوعين الماضيين، سلسلة من اللقاءات المهمة في بغداد والنجف التي زارها مرتين على التوالي، وعقد اجتماعاً مع المرجع الديني علي السيستاني ونجله محمد رضا السيستاني، قبل أن ينتقل إلى طهران للقاء مسؤولين إيرانيين، وركزت لقاءاته على الملف العراقي تحديداً، كما عقد الحسان حزمة واسعة من الاجتماعات مع قيادات سياسية شيعية مختلفة في بغداد، لم يُكشف عن مضمونها.