غرائب في عشوائيات العراق كشفها المسح السكاني

العربي الجديد

غرائب في عشوائيات العراق كشفها المسح السكاني

  • منذ 2 يوم
  • العراق في العالم
حجم الخط:

شهد العراق في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إعلان نتائج أول إحصاء سكاني شامل أجري منذ نحو 30 عاماً، وتعوّل السلطات على هذا الإحصاء الذي يعتبر العاشر منذ تأسيس الدولة الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، للمساعدة في رسم صورة دقيقة عن المؤشرات الحيوية للمجتمع مثل الفقر والبطالة والأمراض والأمية والخدمات، ونسب القوى العاملة، لكنه كشف قصصاً لم يكن سيعرفها أحد لولا دخول موظفي الإحصاء المنازل، خصوصاً في مناطق العشوائيات التي تضم ملايين.
لم يعرف العراق العشوائيات قبل الغزو الأميركي في عام 2003، وقد شيدت تلك المناطق التي تعرف محلياً بـ"أحياء التنك" (الصفيح) على أراضٍ مملوكة للدولة، وتتصدر بغداد والبصرة المدن التي تحتضن هذه الظاهرة التي يغلب على سكانها الفقر والأمية والأمراض.
يتحدث خليل علي، رئيس إحدى لجان الإحصاء السكاني، لـ"العربي الجديد"، عن "قصص لا يمكن تصديقها في مناطق العشوائيات تظهر بعضها درجات من الجهل وانعدام الثقافة، ولولا أنني دخلت منازل هذه العشوائيات لأخذ المعلومات الخاصة بالتعداد لما استطعت تصديق ما شاهدته وسمعته. غالبية السكان أُميون، ولا يملك بعضهم أوراقاً ثبوتية، ويتعاطى قسم منهم المخدرات، والمنازل التي يعيشون فيها لا تصلح حتى كمخازن".
ويضيف: "من بين القصص عدم تأكد أب من عدد أولاده الذكور، فحين ملأت استمارة عدد أفراد أسرته أبلغني أن عدد أبنائه أربعة، ثم تفاجأت بقول جاره إن عددهم خمسة، فاعتذر الأب، وأبلغني أنه نسي بسبب مشاكل الحياة".
ورُصدت في عشوائيات بغداد، حالات زواج خارج المحكمة، وخارج العقود الدينية، وبعضها انتهت تاركة أولاداً بلا أوراق أو سجلات، وبالتالي فإنهم بلا مدارس. تخبر أم رضا "العربي الجديد" أنها متزوجة منذ 20 عاماً من دون عقد شرعي، أي أن زواجها غير مسجل في محكمة الأحوال المدنية، ما يحرمها أي حقوق رغم أنها أم لأربعة أولاد، وهي تعيش في مسكن بمنطقة عشوائيات بعدما هجرها زوجها قبل عشر سنوات.
وتوضح موظفة بفرق المسح أن "هناك مئات من الحالات المماثلة في مناطق العشوائيات، والأكثر سوءاً أن عصابات الجريمة المنظمة تستمد قوتها من التواجد بهذه المناطق، وتأخذ ما تريد من الأفراد، من نساء ورجال وأطفال".
وتكشف سميرة أيوب، وهي موظفة في وزارة التخطيط، عن العديد من القصص، من بينها تسجيل طفلة باسم شقيقتها المتوفية، وأنها تعيش حالياً بأوراقها وشخصيتها بعدما أوصى وكيل للمواد الغذائية مقرب منهم بذلك. ومن القصص الأخرى العثور على عائلة تضم خمس زوجات لرجل واحد يسكنون في منزل عشوائي مع أطفال كثر. وتقول: "حين قلنا لهم إن هذا يخالف القانون والدين، رد الزوج بأن الزوجة الأولى (مخاويها)، أي أنها على ذمته على الورق فقط، لكنه يعتبرها أختاً له باعتبار أنها في عمر متقدم. لا يعرف الرجل أسماء أبنائه، ولاحظنا تسميته الأطفال بابن فلانه كي يميّز بينهم. كان عدد الأطفال 27 بين ذكور وإناث".

ويقول المتخصص في الشأن الاجتماعي أسعد المنهل، لـ"العربي الجديد"، إن "الفقر والجهل وغياب الدور الحكومي وارتفاع أسعار العقارات أسباب تقف وراء تراجع هذه العائلات فكرياً ومجتمعياً ومعيشياً. المناطق التي تعيش فيها هذه الأسر غير قانونية، وأسعارها منخفضة لأنها ضمن مساحات متجاوزة تكفلها العشائر، وغالبية سكانها بلا تحصيل علمي. غياب الدور الحكومي واضح على صعيد توفير الخدمات لهذه المناطق، وعدم متابعة الوضع الصحي الذي يلعب دوراً كبيراً في انتشار الأمراض بسبب طفح الصرف الصحي وكثرة النفايات والأوساخ بين المنازل، وحتى في داخلها".
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح، لـ"العربي الجديد" أن "قطاع السكن في العراق يعاني أزمة قديمة، وأكثر من ثلاثة آلاف عشوائية يسكن فيها نحو أربعة ملايين شخص تنخفض فيها متطلبات العيش اللائق، وتتجمع نصف هذه العشوائيات في أطراف بغداد، والنصف الآخر في بقية مدن البلاد، والحكومة الحالية تسعى إلى توفير ثلاثة ملايين وحدة سكنية تمهيداً لتقليل ارتفاع معدلات العيش في مناطق مماثلة".
وتشير وزارة التخطيط إلى أن "نحو أربعة ملايين مواطن يسكنون في بيوت عشوائية تُعرف ببيوت التجاوز التي تنخفض فيها معايير العيش اللائق". ويقول المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي لـ"العربي الجديد": "أضافت الوزارة إلى التعداد السكاني استمارة لإحصاء كل ما يتوفر في المنازل من متطلبات الحياة كي يتسنى لها معرفة الحالة المعيشية للأسر، والنتائج ستضمن العمل على تنمية شاملة في جميع القطاعات ضمن سياسات بعيدة المدى لتحقيق العيش الكريم والرفاهية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها تظهر فرص استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من أعباء تنموية إلى محرّكات تنموية فعّالة توفر مُتطلبات الحياة الأساسية استناداً إلى التغيّرات التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين".

وبحسب وزارة العمل تهدف عملية التعداد السكاني إلى تحديث بيانات ومؤشرات خط الفقر في العراق. وقال وزير العمل أحمد الأسدي، في بيان: "التعداد السكاني عملية تنموية كبيرة ستساهم في تحديث بيانات ومؤشرات خط الفقر في العراق، ودعم هيئة الحماية الاجتماعية في تطوير إستراتيجيات تعتمد على الأدلة الواقعية. والمسح الاقتصادي والاجتماعي لوزارة التخطيط سيساهم في تحديد المناطق الأكثر حاجة، وتوجيه الدعم إليها بدقة من أجل تحسين آليات الاستهداف، ومواكبة تغيّرات الدخل والوضع المعيشي للأسر".
وتزداد الدعوات لوضع حلول جذرية وعاجلة للعشوائيات التي تشكل ظاهرة خطيرة على المستويين المعيشي والصحي، وتتسبب في تحديات إنسانية واجتماعية وأمنية وصحية، إذ تشكل بؤراً للفقر وانتشار الأمراض والمخدرات، وتعد من أكبر المشاكل التي تواجه الدولة والتطور المجتمعي.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>