العالم يصافح المرأة السورية
لفتني تصريح وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بعد الجدل الذي أثير حول قضية المصافحة باليد مع مسؤولي الإدارة السورية الجديدة في دمشق وعلى رأسهم أحمد الشرع، وضمن توضيحها للموقف قالت: «إن قضية حقوق المرأة ليست مجرد قضية تتعلق بحقوق المرأة، بل إن حقوق المرأة مؤشر على مدى حرية المجتمع»، وسواء اتفقنا مع الوزيرة أو اختلفنا أو اتفقنا واختلفنا مع قضية المصافحة وأهميتها في الأعراف الدبلوماسية فإن الواقع السوري اليوم لن يكون بمعزل عن الواقع العالمي الذي تتسارع وتيرته بشكل كبير نحو عالم متحضر تتسيده الإنسانية والشراكة الفعلية بين جميع الطوائف والأعراق من جهة، وبين الجنسين من جهة أهم.
في هذه الفترة المفصلية في تاريخ سوريا، وترسيخاً لأهمية دور المرأة السورية ومواقفها عبر التاريخ المعاصر والقديم فمن المهم تسليط الضوء على بعض الوجوه والأسماء النسائية وأحقية المرأة السورية في التمكين وإعلاء الشأن والمشاركة في صناعة وبناء الدولة الجديدة، وسوريا ليست دولة على رقعة الجغرافيا بأهميتها الاستراتيجية العالمية فحسب، بل سوريا حضارة وتاريخ ممتد لمحطات سياسية واجتماعية هامة، وهي موطن علم وأدب وإرث ثقافي وفني كبير، والمرأة فيها سجلت بنتاجها أسماء عظيمة في تاريخها الأدبي العربي والثقافي والعلمي، بدءاً من نازك العبد وسلمى الحفار الكزبري وأميرة الحسيني. ولعل أكثر ما ساهم في استمرار الإبداع الأدبي النسائي في سوريا هو وجود أديبات وشاعرات سوريات وضعن أسس الأدب النسوي منذ ما قبل ستين عاماً، كغادة السمان، وكوليت خوري، وليلى بعلبكي، وقمر كيلاني، وألفت الإدلبي، وجورجيا حنوش، ومن منا يتجاهل اسماً كاسم شهلا العجيلي صاحبة رواية صيف مع العدو، ورواية «ألماس ونساء» للروائية لينا هويان الحسن؟
وعلى موانئ الفن والمسرح والغناء ترسو أسماء عمالقة الفن منى واصف سيدة الدراما السورية، ونجاح حفيظ، وصباح جزائري، وصاحبة الصوت الشجي اسمهان، ونورهان، وميادة، وكذلك نجمات الدراما اللامعات اليوم سلافة معمار، ويارا صبري، وغيرهن.
السرد أعلاه هو عصف للذاكرة فقط، وأجزم أن التاريخ يحفل بأسماء كثيرة من صانعات المجد السوري سواء على الصعيد الاجتماعي أو الأدبي والفني أو النضال السياسي ضد الظلم والاستبداد ووحشة السجون والمعتقلات، وهنا للتاريخ أيضاً وقفة نأمل أن تتبلور في سوريا تجاه المرأة السورية التي حملت على كاهلها هموم عقد ونيف من الأسى وضيق العيش والفقد والحروب والترويع، حفيدات زنوبيا يستحققن الحياة الكريمة، وهن أجدر النساء بـ(التمكين) فإن لم تصافحهن السياسة، فالعالم برمته يصافحهن، والتاريخ لن يتخطى دورهن!