أحاديث التغيير السياسي في العراق تقلق القوى الحاكمة
أبدت القوى السياسية في العراق مخاوفها من حصول التغيير السياسي في العراق بفعل الأوضاع في سورية، في وقت بدت فيه واثقة من قدرتها الأمنية، بفعل استمرار نفوذ القوى القابضة على السلطة في بغداد عقب الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003. وهو ما ظهر في تصريحات مشدّدة على الاستقرار، وعلى "رسوخ" النظام الديمقراطي في العراق. وتحدث خلال الأيام الماضية زعماء أحزاب وسياسيون بشأن ما تم تداوله حول احتمال حصول التغيير السياسي في العراق بين النشطاء العراقيين ووسائل الإعلام. وأبرز هؤلاء كان عمار الحكيم ونوري المالكي وعزت الشابندر وهوشيار زيباري، وأخيراً رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتراوحت تصريحاتهم بين التحذير من التغيير الخارجي، ونفي وجود خطر أو استهداف للنظام السياسي في العراق.
قلل السوداني من أهمية الحديث عن التغيير السياسي في العراق عازياً ذلك إلى وجود ديمقراطية في البلاد، على عكس ما كان الأمر في سورية. وأضاف في كلمة له في بغداد، السبت الماضي، إن "الحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق مجرد وهم، والعراق يتمتع بنظام ديمقراطي تعددي يضم الجميع ويسمح بكل إصلاح وتصحيح لأي خلل فيه، وأنه ليس من حق أحد، مهما كان، أن يفرض علينا التغيير والإصلاح في أي ملف اقتصادياً كان أم أمنياً". وأضاف أن "هناك من حاول ربط التغيير في سورية بأوهام وأمنيات في عقول العاجزين وذلك بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته لأننا نمتلك وبكل ثقة نظاماً ديمقراطياً تعددياً يضم الجميع ويسمح بكل إصلاح وتصحيح لأي خلل أو ارتباك ما دام تحت سقف الدستور والقانون، إلى جانب الآليات الديمقراطية التي تضمن التداول السلمي للسلطة". وأكد السوداني أنه "ليس من حق أحد مهما كان أن يفرض علينا التغيير والإصلاح في أي ملف اقتصادياً كان أم أمنياً، مع إقرارنا بوجود حاجة لعملية الإصلاح في مختلف المفاصل، إذ لا بد لنا وبعد مرور أكثر من عقدين على عمر النظام السياسي الجديد مراجعة ما أنجز وما تأخرنا فيه"، مشيراً إلى أن "الإنجازات هي أكبر وأكثر، لأننا أسسنا لنظام سياسي يمثل جميع العراقيين".
محيي الأنصاري: النظام السياسي العراقي انحاز لمحور إيران بشكل واضح
لكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حذر مما قال إنها مؤامرة تستهدف العراق. وقال المالكي في كلمة له خلال مهرجان بمدينة النجف، السبت الماضي، إن "العدو يحرضكم ويحرض أبناءكم للقيام بأعمال تخريبية على أساس القدرة على تغيير واقع الدولة الذي نحن فيه، لكنهم يعملون وسيفشلون فشلاً ذريعاً، وستبقى هذه الدول متضافرة الجهود في ما بينها من أجل حماية المنطقة". وأضاف: "حالياً مهمتنا تعقدت، سابقاً كنا نريد الحفاظ على غزة فقط وجنوب لبنان، اليوم واجبنا أن نحافظ على المنطقة التي تعرضت بسبب سقوط سورية إلى مزيد من التجاوز والعدوان واحتمالات إعادة رسم خريطة العراق مجدداً". واعتبر أن "الذي حصل في سورية ربما يكون مقدمة للاستمرار في عملية تقسيم دول المنطقة وإضعافها إلى دويلات صغيرة غير قادرة على أن تقف بوجه الصهيونية".
رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم قال بدوره، الخميس الماضي، حول احتمال حصول التغيير السياسي في العراق إن "ما يُشاع عن وجود خطة لتغيير النظام في العراق لا يعدو كونه كلاماً على مواقع التواصل الاجتماعي". لكنه دعا في جلسة مفتوحة مع نشطاء وصحافيين أقيمت ببغداد، الجمعة، إلى "الحذر واليقظة والتهيؤ لكل طارئ يمس أمن العراق واستقراره، لأن المنطقة تشهد تحولات كبيرة".
في المقابل، برزت مواقف معاكسة، ومنها للسياسي مشعان الجبوري، الذي كتب على منصة إكس (تويتر سابقاً)، الجمعة الماضي، أنه "نحن جزء من النظام السياسي الحالي، وقبل ذلك كنا جزءاً من المعارضة التي انبثق منها هذا النظام. ورغم معارضتنا الشديدة لبعض ممارساته، واستهدافنا المتكرر من دولته العميقة وبعض رموزه وأدواتهم، إلا أننا وقفنا للدفاع عنه بوجه الخطر الداعشي، وسندافع عنه مجدداً ضد أي محاولات تعتمد القوة المسلحة في التغيير". وأضاف: "في الوقت ذاته، ندرك تماماً الحاجة الملحة لإصلاح النظام، وإيقاف الفساد الذي دمر البلاد وأثقل كاهل العباد. ندرك ضرورة إطلاق سراح الأبرياء من السجون، وتحقيق العدل والمساواة بين جميع العراقيين. هذه الأهداف تتطلب، في مقدمتها، أن يتنحى العديد ممن يتصدرون مشهد السلطة اليوم". وأكد أن "التغيير الحقيقي يجب أن يتم عبر الوسائل التي حددها الدستور والقانون. وإذا تعذرت تلك الوسائل، فلا بد أن يكون الاحتجاج السلمي هو البديل، مع الالتزام بالقانون والدستور لتحقيق الإصلاح وإدارة جديدة يختارها الشعب عبر الانتخابات النزيهة وبإشراف أممي". وأرفق الجبوري منشوره بصورة جمعته مع النائب السابق فائق الشيخ علي، المؤيد لفكرة إسقاط النظام العراقي بالتدخل العسكري.
من جهته، اعتبر رئيس حراك "البيت العراقي" محيي الأنصاري في شأن احتمال حصول التغيير السياسي في العراق أن "التهديد الحقيقي للنظام هو النظام نفسه، إذ لم يستطع إنتاج حالة تستحق، بل تحول من نظام ديمقراطي شكلياً إلى حكم محاصصة طائفي علني، تعتاش عليه أطراف محددة، حولت الدولة حفلة لتوزيع المغانم". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المنظومة الحاكمة لم تتمكن منذ 21 عاماً من إكمال البنية الدستورية للدولة واحتالت على الدستور، وكيّفت القوانين الشمولية للحفاظ على حاكميتها ومنع انتقال السلطة بالسلوك الطبيعي للديمقراطيات. وهذا ما أفقدها مشروعيتها الداخلية بالنظر لحالة البراءة الشعبية منها، التي يمكن قياسها بتراجع نسب المشاركة في الانتخابات، وتداخل السلاح واستغلال أموال الدولة في العملية السياسية".
علاء مصطفى: التعليقات من زعماء الأحزاب بشأن وضع النظام العراقي حمالة أوجه
وأكمل الأنصاري أن "النظام السياسي العراقي انحاز لمحور إيران بشكل واضح واندثرت هويته منذ احتجاجات الربيع العربي، فأصبح النظام الحاكم محسوباً على محور مهزوم تتساقط أذرعه، في مسعى دولي واضح لتقليم أذرع إيران وتجفيف منابع وكلائها، لذلك تشعر هذه الحاكمية بأن موعدها قد حان". ورأى أنه "إذا لم يتجه النظام إلى معالجات حقيقية لفصل البلاد عن التبعية السياسية والاقتصادية لإيران ومحورها، الذي أثقل العراق وجعله مستباحاً ومستهلكاً في صراعات تخدم مصالح طهران على حساب العراقيين ومقدرات بلدهم، فإن المصير قد يكون خطيراً".
وحول احتمال حصول التغيير السياسي في العراق مستقبلاً، أشار أستاذ الإعلام في جامعة بغداد علاء مصطفى إلى أن "التعليقات من زعماء الأحزاب بشأن وضع النظام العراقي حمالة أوجه، لأن هناك قوى سياسية تستشعر وجود قائمة عقوبات أميركية تتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وقد لا تكون وضع شخصيات على قائمة الإرهاب فقط، بل عقوبات اقتصادية أيضاً، ومنها بعض المصارف التي تعود إلى الأحزاب"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هؤلاء الساسة يريدون تحسين صورتهم لكسب ود الإدارة الأميركية الجديدة". ولفت مصطفى إلى أن "الخطاب بشأن حماية النظام له أهداف عدة، من بينها اعتبارها حملات انتخابية مبكرة، إذ لا يوجد أي تهديد للنظام من الداخل لأن القابضين على النظام هم شركاء وبينهم علاقة مكاسب واضحة، أما التيار المدني فقد جرّب في أيام التظاهرات طبيعة وخطورة التصدي والتحدي لأطراف النظام الحالي، وهو يترقب التغيير من الخارج، ومن ثم التعبير عن نفسه".