السعودية باختصار
من بين العديد من الدول في منطقتنا، تميّزت السعودية بتحقيق نجاحات باهرة في رسم صورة واعدة لخريطة منطقة الشرق الأوسط. نتابع في كل تصريح يخرج من كبار الساسة في الإقليم بل وفي العالم ضم اسم المملكة في الحديث عن السلام ويتبع ذلك زيارات كبارهم إلينا. بمعنى آخر العالم وصل إلى قناعة راسخة أكثر من أي وقت مضى بأن رأي هذه البلاد محوري ومهم بل وضامن لأي مجهود يؤدي إلى الأمن والمستقبل الواعد للشعوب.
السعودية تحقق هذه المكانة العالية لا بسبب دعمها لمرتزقة خونة هنا وهناك بالمليارات النقدية والسلاح كما يفعل البعض لعدة عقود مضت وانهارت خلال بضعة أشهر، بل بسبب توجهها الحميد لتنمية المنطقة بدءاً في السعودية نفسها. صحيح أن للمملكة مكانة اقتصادية مكّنتها من الانضمام إلى دول العشرين. وصحيح أن قدرات المملكة العسكرية من قوات برية وجوية وبحرية كبيرة ومؤثرة، غير أن ذلك وحده لم يكن كافياً لولا ما حدث ويحدث داخل البلاد من تغيير ومؤثرات ملهمة وغير مسبوقة.
المنتمون لنهضة المملكة ملايين الشعب السعودي بأكمله. إنها تلك القوة الناعمة التي أبهرت العالم. هي هذا الانفجار الهائل في قدرات المواطن السعودي الذي استجاب بشغف لدعوة قيادته للبناء. طاقات أبهرت جيلنا الستيني نحن السعوديين قبل أن تبهر الخارج. هم من يتطوع للعمل في مركز الملك سلمان للإغاثة، وقد أصبح بلا شك من بين المراكز الإغاثية الأضخم في العالم. فوق كل ذلك هي هذا الولاء الشعبي المبهر لقيادته والتفاؤل برؤية الغد والعزم والتصميم على تحقيقها بأقصر زمن ممكن.
النموذج السعودي الذي ظهر للعالم في السنوات القليلة الماضية حمل آثاراً جانبية عظيمة تجاوزت حدود الوطن. خلال السياق الزمني الذي عاصره جيلي منذ عام النكسة ١٩٦٧ لم تعرف المنطقة وأجيالها المتعاقبة أي نموذج مشابه بزخمه وأهميته. لنبدأ بزمن الرئيس عبدالناصر، مروراً بالقذافي، ثم حافظ الأسد وصدام حسين والربيع العربي والإرهاب السني والشيعي وحسن نصر الله. كان الفشل والإفلاس هو المنتج الوحيد الذي اشتركت به تلك الأسماء الرنانة. كل ما كان شائعاً من أناشيد شعبوية وانتصارات وهمية وقنوات إعلام مأجورة لعدة عقود لم يتجاوز الخطابات الفارغة والخيانات ودماء تسيل بلا توقف. أجيال المنطقة فقدت أي بصيص للأمل في قيادات وطنية أمينة وصادقة وذات قوة وعزم وتصميم.
من هنا نقول إن المملكة شرّعت منافذ جديدة داخل الوجدان العربي وزرعت الأمل أمام شباب وشابات المنطقة عربهم وعجمهم. الجميع أصبح يردد ويفصح عن رغبته في الاقتداء بالمملكة، ويتمنى لو أن قيادتنا هي قيادتهم وملهمنا هو ملهمهم. يجب أن ندرك أيضاً أن هذا التفوق أثار حفيظة البعض ممن يسعون بلا كلل لمحاولة تخوين السعودية ونشر الأكاذيب في محاولات مستميتة لإفشال مشاريعها. رأيي في هذا السياق مع الاحترام لكل من يخالفه، أنه عندما تصبح الإنجازات بهذا الزخم وهذه الضخامة يصبح الرد على مثل هذه التفاهات مضيعة وقت لا أكثر.
أثبتت المملكة ودول الخليج العربي أن بناء الدول يتطلب التخطيط والمتابعة واختيار الاكفأ وإبعاد المتقاعس دون مجاملات. أثبتت أن الفساد المالي والإداري لا مكان له في ساحات البناء، وأن الإبقاء عليه يهدد بسقوط الهيكل بأكمله، ولهذا واجهته بكل قوة. أثبتت أن مشاركة جميع فئات المجتمع لبناء الإنسان والوطن ضرورة وليست ترفاً، وأن هذه المشاركة أخرست في خضم العاصفة التنموية كل أصوات النشاز من الموتورين المؤدلجين. أخيراً وليس آخراً أثبتت السعودية عبر العديد من مواقفها أنها عصية على الابتزاز والتهديد حتى لو أتى من أقوى دول العالم، وأن مواقفها ترتكز على المبادئ الراسخة التي تؤمن بها وتتناسب مع مكانتها العالمية ومسؤولياتها وهذا ما أكسبها احترام الخصوم قبل الأصدقاء.
ما يحدث في المملكة وجيرانها في الخليج ليس بسبب وجود جينات مختلفة لدى شعوبها ولا قدرات عجيبة خارقة، إنه فقط الشعور الحقيقي بالمواطنة والانتماء للأرض والدفاع عن مكتسبات الأوطان. أتساءل بكل أمل وأسف هل من لازال ينتمي للمليشيات في بعض دول المنطقة والتي نعرفها ونعرف من يقف خلفها وقد أصبحت قلة ولله الحمد، يقرأ ويستوعب ويستيقظ من الأحلام والأوهام والخرافات ويعود تائباً عن الخيانة ويقطع التعامل مع من يوظفه لتدمير مكتسبات بلاده. الموضوع ببساطة إعادة تموضع وترتيب مختلف تتصدره الأولويات الحميدة النافعة وفي طليعتها المصالح العامة ومستقبل الأجيال. هذه الأجيال التي لن تسمح، ولن تتناسى من كان السبب في دمار بلادها وإضعافها وتخلفها رغم توفر القدرات الشابة الطموحة والموارد الطبيعية الهائلة.