ترك برس
ذكر الخبير والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن إسرائيل تسعى إلى إبقاء الولايات المتحدة في سوريا وتقسيم هذا البلد إلى أربعة كانتونات، بحيث يكون الشمال تحت سيطرة تنظيم "بي كي كي" (حزب العمال الكردستاني) الإرهابي، بينما يسيطر على الجنوب مجموعات تدعمها الولايات المتحدة.
وأشار بستان في مقال بصحيفة يني شفق إلى أن إسرائيل تطالب تنظيم بي كي كي الإرهابي بعدم إلقاء السلاح في سوريا، وقد منح وزير الخارجية الإسرائيلي، ساعر، تطمينات لإلهام أحمد، القيادية في تنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي، بتاريخ 4 يناير.
في الوقت نفسه، رفض التنظيم الإرهابي عرض دمشق المتمثل في إلقاء السلاح والانضمام كجزء من سوريا. أما قائد التنظيم الإرهابي فرحات عبدي شاهين، فقد طالب بتحقيق دولي بشأن المهجرين من عفرين، كما دعا إلى "محاسبة الجيش الوطني السوري". وفقا للكاتب.
وفيما يلي نص المقال:
منذ توليه منصبه، أجرى وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو اتصالات مكثفة شملت لقاءات مع حوالي عشرين نظيرًا من وزراء الخارجية حول العالم. بدأت هذه الاتصالات بدول محيطة بالصين، تلتها إسرائيل، ثم دولتين من منطقة الخليج، هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. أما في أوروبا، فقد اقتصرت الاتصالات على بولندا وتركيا.
وبعد 20 يناير، بادر العديد من وزراء الخارجية في المنطقة إلى تحديد مواعيد للقاء روبيو، إلا أن معظم هذه الاجتماعات لم تُعقد بعد. في هذا السياق، لفتت الأنظار مكالمة روبيو مع نظيره التركي هاكان فيدان، حيث أثارت تساؤلات لدى الدول التي تنتظر اتصالات مماثلة من واشنطن حول طبيعة هذه المحادثة. وحسب المعلومات المتوفرة، فإن واشنطن هي التي بادرت بالاتصال. ولكن الأهم من هوية الطرف المبادر بالاتصال هو أن هذه اللقاءات تكشف عن أولويات السياسة الخارجية الجديدة للإدارة الأمريكية.
سخرية القدر بالنسبة للألمان
بدأت تظهر ملامح استراتيجية الرئيس الأمريكي ترامب في ثلاثة ملفات رئيسية. الملف الأول يتعلق بسياساته تجاه الاتحاد الأوروبي، التي يبدو أنها تهدف إلى تقويض فكرة الاتحاد وإضعاف وحدته. يسعى ترامب لدعم صعود شخصيات سياسية عنصرية ومناهضة للمهاجرين، مما يساهم في إضعاف الاتحاد الأوروبي ويعيق مساعيه للاستقلال. في هذا الإطار، تدخل الملياردير إيلون ماسك بشكل مباشر في الانتخابات الألمانية لدعم حزب "البديل من أجل ألمانيا" العنصري، وهي خطوة لا يمكن تفسيرها إلا كجزء من هذه الاستراتيجية.
كما وجه ماسك رسالة مثيرة للجدل للألمان قال فيها: "لا داعي لأن تعيشوا حياتكم كمذنبين بسبب الهولوكوست"، وهي رسالة أثارت غضب إسرائيل. بالنسبة للألمان، الذين حاولوا لسنوات التأثير على السياسة التركية عبر مؤسسات ومنظمات مختلفة، فإن هذه التطورات تمثل مفارقة عجيبة وسخرية من القدر.
توافق استراتيجي مع إسرائيل
الملف الثاني يتعلق بإسرائيل وأهدافها المعلنة، حيث تعمل على تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية (وسط خطط سابقة تضمنت إنشاء معسكرات في سيناء)، بالإضافة إلى محاولات القضاء على إمكانية حل الدولتين، وضم الأراضي الفلسطينية بشكل كامل إلى سيادتها. تصريحات ترامب الأخيرة كشفت عن توافقه مع الأجندة الإسرائيلية، حيث دعا كلًا من الأردن ومصر إلى "استيعاب الفلسطينيين".
ويبدو أن ترامب يسعى لتحقيق أهداف إسرائيل من خلال إحياء نموذج "تحالف الكرة الأرضية"، الذي طرحه سابقًا، والمتمركز حول الرياض وتل أبيب لمواجهة إيران. هذا التحالف قد يتم تعديله بما يتماشى مع الظروف الراهنة، مع تقليص التواجد الأمريكي المباشر في المنطقة. ولهذا السبب، أعلن ترامب نيته القيام بأول زيارة خارجية له إلى السعودية مقابل استثمارات تصل إلى تريليون دولار. كما يرى ترامب أن "سوريا الجديدة" ستكون جزءًا من هذا التحالف، حيث تدعم أنقرة تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق ولكن لأسباب مختلفة. وفي إطار هذا التحالف، يبدو أن واشنطن تتوقع من أنقرة ألا تعرقل المعادلة الجديدة التي يسعى ترامب إلى ترسيخها.
تنظيم بي كي كي الإرهابي في حضن إسرائيل
هذا التطور لا يعني أن ترامب سيوافق على كل شيء تريده تل أبيب في المنطقة. في الملف الثالث، تسعى إسرائيل إلى إبقاء الولايات المتحدة في سوريا وتقسيمها إلى أربعة كانتونات، بحيث يكون الشمال تحت سيطرة تنظيم بي كي كي الإرهابي، بينما يسيطر على الجنوب مجموعات تدعمها الولايات المتحدة. في هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عبر قناة سعودية لتلفت الانتباه، حيث قال: "هناك أكثر من 80 ألف عنصر مسلح من الجماعات القريبة من تركيا. دعوناهم للانضمام إلى الجيش الوطني. ونأمل أن تقوم المجموعات في الجنوب بالمثل". هذه أول مرة يُذكر فيها عدد 80 ألف عنصر، وهو ما يُعد من جهة أخرى رسالة قوة.
من ناحية أخرى، تطالب إسرائيل تنظيم بي كي كي الإرهابي بعدم إلقاء السلاح في سوريا. وقد منح وزير الخارجية الإسرائيلي، ساعر، تطمينات لإلهام أحمد، القيادية في تنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي، بتاريخ 4 يناير. في الوقت نفسه، رفض التنظيم الإرهابي عرض دمشق المتمثل في إلقاء السلاح والانضمام كجزء من سوريا. أما قائد التنظيم الإرهابي فرحات عبدي شاهين، فقد طالب بتحقيق دولي بشأن المهجرين من عفرين، كما دعا إلى "محاسبة الجيش الوطني السوري".
بات التنظيم في حضن إسرائيل بشكل واضح. مطالبته بتحقيق دولي تحمل بصمة إسرائيلية، كما أن التركيز على الجيش الوطني السوري يستهدف تركيا بشكل مباشر. يبدو أن إسرائيل تسعى لمعاقبة تركيا على موقفها المناهض للإبادة الجماعية من خلال دعم تنظيم بي كي كي الإرهابي.
ومع ذلك، فإن ترامب قام بتعيين مارك ديمينو، الذي يدعو إلى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا، كمساعد وزير الدفاع المسؤول عن سياسات البنتاغون في الشرق الأوسط. هذا التعيين يشير إلى توجه لن يرضي إسرائيل.
ماذا ناقش فيدان في بغداد وقالن في دمشق؟
صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لأول مرة بشكل واضح حول الإرهابي فرحات عبدي شاهين قائلًا: "هذا الشخص يشغل منصب مدير أحد الفروع التابعة لتنظيم بي كي كي الإرهابي." وأضاف: "وأيضا توجد شخصيات أخرى مثل صبري أوك وفهمان حسين، ولا يمكنه اتخاذ أي قرار دون موافقتهم."
تأتي هذه التصريحات بالتزامن مع الحديث عن زيارة ثانية قام بها وفد من حزب DEM إلى سجن إمرالي، حيث كان من المتوقع أن تصدر دعوة من إمرالي خلال هذه الزيارة، لكن ذلك لم يحدث، مما يعكس تبني موقف الترقب والانتظار. وفي النهاية، يبدو أن قيادة قنديل لا ترغب في أن تتخلى امتداداتها في سوريا عن السلاح.
وفي هذا السياق، أعلن أحمد الشرع أنه يجب على تنظيم واي بي جي الإرهابي تسليم أسلحته. كما أفادت مصادر من وزارة الدفاع التركية أن "الوحدات التركية الموجودة في سوريا قد يتم إعادة توزيعها للقيام بمهام جديدة في مناطق مختلفة."
وفي خضم هذه التطورات، حدثت زيارتان مهمتان في وقت متزامن. فقد توجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد، بينما قام رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن بزيارة دمشق.
تكتسب زيارة فيدان إلى بغداد أهمية كبيرة من حيث التعاون في مكافحة تنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي، لا سيما فيما يتعلق بتصنيفه كمنظمة إرهابية ومعالجة وجوده المستمر في منطقة سنجار، بالإضافة إلى بحث مستقبل مخيمات تنظيم داعش في سوريا. أما زيارة قالن إلى دمشق، فمن المرجح أنها ركزت على قضايا متعلقة بتنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي.
من المتوقع أن تؤدي هذه اللقاءات الدبلوماسية والاستخباراتية إلى تصعيد ملحوظ على المستوى العسكري في المستقبل القريب، ما يشير إلى اقتراب لحظة الحسم.