ترك برس
أكد الكاتب والخبير التركي يوسف أصلان، أن التأثيرات التي ستنتج عن مشروع طريق التنمية الاستراتيجي لن تقتصر على تركيا والعراق بل سيكون لها وقع كبير على الصعيد الإقليمي وحتى العالمي أيضا.
وذكر أصلان، في مقال بمجلة "كريتيك باقيش"، أن مشروع طريق التنمية يبدأ من ميناء الفاو الكبير في العراق، والذي شارفت أعمال بنائه في الخليج على الانتهاء، ويقطع مسافة 1200 كم ليتم دمجه مع شبكة النقل التركية.
ويرى الخبراء المشروع بمثابة مشروع سيغير مصير المنطقة. سيتصل المشروع بشبكات النقل البرية والحديدية والبحرية، وسيشمل بشكل غير مباشر أيضًا شبكات النقل الجوية، حيث سيربط منطقة الخليج بمضيق إسطنبول، وموانئ تركيا في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ومن ثم يربطها بأوروبا، مما يقدم فرصًا كبيرة ليس فقط للعراق وتركيا، بل أيضا لجميع الدول والاقتصادات التي ستندمج هذا الشبكة. وفقا للكاتب.
وأوضح أنه من الطبيعي أن مثل هذه المشاريع الكبيرة والمتكاملة تستغرق وقتًا طويلاً لتصبح جاهزة للاستخدام. وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 17 مليار دولار، ويجري التخطيط لإتمامه على مراحل ودمجه مع شبكات النقل القائمة.
وتابع المقال:
أحد العوامل المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار عند تنفيذ مثل هذه المشاريع باهظة التكلفة وطويلة الأجل هو الأمن والاستقرار. تصبح هذه العوامل أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بدولة مثل العراق، الذي ظل يعاني طيلة عقود من التدخلات الخارجية، والصراعات الداخلية، والإرهاب، وعدم الاستقرار في الحكومة. هذه التحديات تبدو كعوائق كبيرة أمام المشروع، لكنها في نفس الوقت تعتبر دافعًا قويًا لتنفيذه.
إن الاستثمارات التي يمكن أن تؤثر إيجاباً على الجميع، مثل مشروع طريق التنمية، هي وحدها القادرة على إخراج العراق ودول الجوار، وخاصة تركيا التي شعرت بآثار البيئة السلبية في العراق أكثر من غيرها، والمنطقة عموماً، من دوامة الإرهاب والعنف.
عند اكتمال مشروع طريق التنمية، سيتم إنشاء اتصال بري وسككي آمن وسريع ومنخفض التكلفة ومريح بين ميناء الفاو في الخليج، والذي سيكون أحد أكبر الموانئ في العالم، وموانئ تركيا في ولايات مرسين، واسكندرون، وإسطنبول، وصامصون وغيرها. هذه الروابط سوف تصل إلى الهند وجنوب آسيا عبر الخليج، وإلى أوروبا وأجزاء أخرى كثيرة من العالم عبر البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. سوف يساهم حجم التجارة الذي سينتج عن شبكة نقل متكاملة بمثل هذه الإمكانيات الكبيرة في رفاهية جميع المجتمعات المشاركة في النظام. المجتمعات التي يزداد ازدهارها، أو بعبارة أخرى، الأشياء التي قد تخسرها، سوف تطالب بمزيد من الاستقرار والنظام، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تغيير مصير المنطقة الذي لطالما كان مرتبطًا بالعنف والتخلف.
إن تطهير العراق من الإرهاب والعنف، والقضاء على وجود تنظيم “بي كي كي” قرب الحدود التركية، وإنهاء البيئة غير الآمنة وغير المستقرة الناجمة عن التمييز الطائفي والعرقي في العراق، وكذلك إخراج العراق الذي يعد من الدول الغنية بالموارد الجوفية في العالم من حالة الفقر، كل ذلك يمكن أن يتحقق فقط من خلال المشاريع التي ستدمج العراق بطرق آمنة وسليمة مع الاقتصادين الإقليمي والعالمي، وتساعده على تنويع أنشطته الاقتصادية، ويعد طريق التنمية من بين هذه المشاريع.
من ناحية أخرى، كانت تركيا تتعامل مع المشاكل الأمنية والاقتصادية الناجمة عن الوضع في العراق منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقد اضطرت إلى تخصيص مواردها المحدودة أصلاً لهذه المشاكل، ولكنها ستكتسب فرصا جديدة وكبيرة من خلال دمج قدراتها الاقتصادية الخاصة بمشروع طريق التنمية. لقد دمجت تركيا اقتصادها بالفعل مع العالم في الجوانب الحقيقية والمالية، وطورت روابط تجارية قوية مع أوروبا وروسيا وآسيا الوسطى وأفريقيا وحتى أمريكا الشمالية والجنوبية، وإذا قامت بضم أسواق الشرق الأوسط والخليج في شبكتها الاقتصادية الحالية من خلال مشروع طريق التنمية، فإن الفوائد التي ستجنيها على المدى المتوسط والطويل، ستكون أعلى من المتوقع. وحتى مجرد زوال التهديد الإرهابي الموجه من داخل الأراضي العراقية تجاه تركيا سوف يخفف وحده العبء الضخم عن كاهل الاقتصاد. كما أن العائد الاقتصادي من الدور الذي سيتولاه قطاع التمويل والبناء، الذي أثبت قدرات تركيا الدولية في عمليات تصميم وبناء وتشغيل طريق التنمية، واختبره العراق في الماضي واليوم، سوف يبدد أيضا المخاوف المتعلقة بتكاليف البناء المتوقعة.
وسوف تتمكن دول المنطقة مثل سوريا، التي دخلت في عملية إعادة إعمار بعد 13 عاما من الحرب، ولبنان، الذي أصبح هيكل الدولة فيه هشا للغاية جراء الهجمات الإسرائيلية والتدخلات السياسية الإيرانية، من الحصول على حصتها من القيمة المضافة التي سيخلقها مشروع طريق التنمية. كما سيوفر المشروع فرصًا جديدة للوصول إلى أسواق بديلة لدول الخليج مثل الكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان.
أما بالنسبة للدول التي تمثل قوة معينة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية وإيران، فإنها قد تنظر إلى مشروع طريق التنمية للوهلة الأولى على أنه تهديد لنفوذها الإقليمي. ولكن أجواء الاستقرار الاقتصادي والسلام التي سوف تنشأ في الأمد المتوسط والطويل لديها من القدرة من يكفي ويزيد لجذب هذه الدول أيضاً. إن التأثير الذي سيحدثه طريق التنمية عبر خطوط الاتصال الحالية والمستقبلية في المنطقة، سوف يخلق جاذبية تفوق التوقعات.
نأمل أن يتم تنفيذ مشروع طريق التنمية بنجاح دون أن يتم تعطيله عبر تدخلات خارجية، وأن يشكل الأرضية اللازمة لضمان مستقبل أكثر ازدهارًا ورخاء لمنطقتنا التي تعاني من الآلام والأحزان منذ مئة عام.