عاجل

تفكيك مشروع أدونيس ريادةً وتنظيراً

عكاظ

تفكيك مشروع أدونيس ريادةً وتنظيراً

  • منذ 1 أسبوع
  • العراق في العالم
حجم الخط:

عندما ينشأ الإنسان مصاباً بعقدة ما، تصبح هذه العقدة بمرور الزمن جزءاً من شخصيته حتى يكون من الصعب بمكان أنْ تفصل هذه العقدة عن شخصيته، وبالتالي تكون ملازمة لها، وبمرور الزمن وكأنّها تتحول إلى (جين) يحدد ملامح شخصيته (فيسلو-ساكولجي) تفكيراً وتطبيقاً، وهي -بلا أدنى شك- مسألةٌ مرضيّةٌ يعاني منها كلُّ من ينشأ أو يكتسبُ عقدة النقص هذه، ومنذ فجر التأريخ والإنسان ما فتئ يصاب بمثل هكذا عقد، فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد بدأت (عقدة جلجامش) وسعيه للبحث عن الخلود، إلى عقدة أوديب إلى عقدة فرويد حتى نصل إلى عقدة أدونيس (الريادة)، فعلى سبيل المثال من يصاب بعقدة الكذب فهذا مرض يكذب مرة وأخرى وأخرى حتى يصبح الكذب جزءاً من شخصيته لا يستطيع الانفكاك منه، حتى إن حاول مرة سيجد نفسه مرغماً (فيسلو-ساكولجي) إلى العودة إلى عقدته القديمة في الكذب، حتى إن شعر مرة أو اثنتين بتأنيب الضمير لكنّه لا يستطيع الانفكاك من هذه العقدة؛ لإنّها طبعت شخصيته وعُرف بين الناس بها، وبالتالي من الصعب التراجع أو التنصل عنها حتى إن حاول هذا.

لم أضع يدي على مقولة أو رأي لأدونيس ألا ورأيتُها منتحلةً أو مسروقةً، ولم أستعرض رأياً تنظيريّاً واحداً له إلا وجدتُه وقد تراجع عنه، إنّ التنظيرَ عمليّةٌ معقدةٌ جداً كجراحة معقدة في القلب أو الدماغ، تتطلب مهارةً فائقةً وخبرة كبيرة جداً لإجرائها، ولا يمكن أنْ تخضع لأهواء أو نزوات أو تجارب عابرة. التنظير يتطلب وعياً متقدّماً وعقلاً يستشرف البعيد يزن الأمور بمهارةٍ فائقةٍ وعقلية متفتحة، التنظير بحاجة إلى عقلية لها رؤية فيلسوف ورأي حكيم وذهن صافٍ يستشرف البعيد ويقرأه بدقة ووعي، ببساطة التنظير ليس تجريباً، فعندما يتراجعُ المنظّرُ عن آرائه هذه يعني إنّه قد أدرك خطأها، وإلا لماذا يتراجع عنها؟ منطقيّاً أليس هو من نادى بها وتبناها؟ وحتى أبرهنَ على فشل مشروع أدونيس منظرّاً وشاعراً سأضع الأدلة بين يديّ القارئ وأترك الحكم له:

1- نظّر أدونيس (40 عاماً) إلى الغموض على حساب الوضوح، ثم ترك الغموض وعاد إلى الوضوح!

2- نظّر أدونيس (40 عاماً) إلى اللفظ على حساب المعنى، ثمّ ترك اللفظ وعاد إلى المعنى!

3- نظّر أدونيس (40 عاماً) إلى الشكل على حساب المضمون، ثمّ ترك الشكل وعاد إلى المضمون!

وعندما أقول الشكل أنا لا أقصد هنا اللفظ، بل أقصد تلك الترسيمات التي كان يرسمها لتهشيم البيت الشعري التقليدي (سواءً من الشعر العمودي أو من شعر التفعيلة) كما ورد على سبيل المثال لا الحصر في ديوانه (الكتاب)، إذ كان يدخل القارئ متعمدّاً في متاهة لا يعرف لا النقاد الأكاديميون أو النقاد المهنيون الكيفيّة التي يقرأون بها هذه الترسيمات الهندسيّة! لكننا وجدنا بعد (40 عاماً) من اللُهاث وراء هذه الترسيمات والأشكال الهندسيّة وهذا التنظير وهذا التجريب، فجأةً يتخلّى عن كلّ هذا ويعود إلى الطريقة التقليدية في الكتابة، وخلال هذه الرحلة الطويلة (40 عاماً) ضلّل أجيالاً بأكملها وأساء أيّما إساءة إلى الشعر العربي والأدب العربي معاً، حيث قلّد أسلوبَه الكثير من الأجيال في الوطن العربي، مستلهمين طريقته سواءً في انحيازه إلى اللفظ على حساب المعنى، أو استنساخ طريقته في الغموض المطلق، بل وفي تناول تلك الترسيمات الهندسية، هذه الأجيال انقطعت تماماً عن جمهور القراء الذين أصبحوا في وادٍ ثانٍ ولم يعد يقرأ لهؤلاء إلا أنفسهم؛ أي أنهم يقرأون لبعضهم فقط، لأنّ الهوّة أصبحت كبيرة جداً بين الشاعر والقارئ، ولم تعد القصيدة لها جمهور بالمطلق، كل هذا نتيجة اتباعهم لأدونيس وتنظيراته ودواوينه الشعرية ولسان حالهم يقول «إذا كان الغراب دليل قوم.. مضى بهم إلى دار الخراب».

ترجمة مصطلح قصيدة النثر

1- كان شوقي أبو شقرا قد استخدم مصطلح قصيدة النثر بتأريخ 28-4- 1959 في قصيدة قام بترجمتها منشورة في جريدة النهار البيروتية بعنوان ربُّ البيت الصغير، حيث وضع تحتها تسمية قصيدة نثر.

2- لكن بعد تقريبا تسعة أشهر قام أدونيس باستخدام هذا المصطلح، كجزء من ترجمته للفصل الأول من كتاب سوزان برنار (قصيدة النثر من بودلير إلى أيامها)، ونشرها في مجلة شعر البيروتية بالتسمية ذاتها (قصيدة النثر) عام 1960، وادّعى أنّه هو أوّلُ من ترجم المصطلح عن سوزان برنار، متجاهلاً ما قام به شوقي أبو شقرا من استخدامه السبق في إطلاق هذا المصطلح أولاً، وهو ما أشعل الخلاف بين الرجلين، الذي قاد إلى الصدام والتشهير بينهما.

3- في لقاء تلفازي موثق عبر التلفاز السوري برنامج تدق الساعة الكلمة تدقُّ، حوار مع محمد رضا نصرالله، يتحدّثُ أدونيس عن قصيدة النثر والشكل الجديد للشّعر، حيث قال: «أنا أول من سمّى هذا النوع من الكتابة قصيدة النثر، وهذه العبارة قصيدة النثر أنا شخصياً وضعتها، أخذت كلمة قصيدة لأمّيز هذا النوع من الكتابة عن النثر العادي لا أكثر»، هذا نص ما قاله في هذا اللقاء، وهو هنا طبعاً يتحدّثُ عن ابتكار هذه التسمية ولم يتحدث عن ترجمتها هذه المرة، لكن الغريب أنّ أدونيس قد نسي أنّه قد ادّعى ترجمة المصطلح وليس ابتكاره في عام 1960.

سرقات أدونيس

يقول الكاتب جهاد فاضل في مقال له في صحيفة الراية القطرية في 25 يناير عام 2014: «أدونيس المنتحل الأوّل وصاحب السرقات الأشهر في القرن العشرين، ويزيد في جسامة ما فعل أنّه ساعٍ وراء أعظم جائزة أدبيّة في العالم وهي جائزة نوبل، فهو ما فتئ من حوالى ربع قرن يدسُّ اسمه في عداد مرشحي هذه الجائزة، لعلّ وعسى، وقد زار السويد، عاصمة جائزة نوبل، مرّات لا تحصى خلال ربع القرن الماضي للاجتماع بأعضاء اللجنة المانحة دون أن يحصد النجاح الذي توقعه».

من الصعب أن أحصي عدد الذين كتبوا عن سرقات أدونيس، لكن منهم على سبيل المثال لا الحصر: كاظم جهاد، عبدالقادر الجنابي، د.عبد الواحدة لؤلؤة، المنصف الوهايبي، جهاد فاضل، د.رسول عدنان، عادل عبدالله، صلاح نيازي، والقائمة تطول، وهنا أتذكر حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «ما اجتمع الناس على حمد رجلٍ إلا وكان محموداً، وما اجتمع الناس على ذمّ رجل إلا وكان مذموماً»، فلا أعتقد أنّ كلّ هؤلاء المفكرين والأدباء والأدلة الدامغة الواضحة، يمكن أن تكذبْ أو يتمّ القفز عليها، وسآخذ جزءاً من هذه الأمثلة وبما يسمح به المقال:

1- عام 1978 نشر شاعر عراقي اسمه عادل عبدالله مقالاً في مجلة الطليعة الأدبية عنوانه «من كتب تحوّلات العاشق: أدونيس أم النفري»؟ المقال يثبت لأوّل مرة عبارات ومقاطع كثيرة يأخذها أدونيس حرفيّاً من النفري.

2- 1987 المنصف الوهايبي يقول: قول أدونيس مخاطباً القارئ: «وأنت أفهمني أيّها الضائع، أيتها الشجرة المنكوسة، يا شبيهي» من ديوانه مفرد بصيغة الجمع من قصيدة تاريخ ص 554) إن هو إلا إدغام لبيت بودلير الشهير «أيها القارئ المرائي، يا شبيهي ويا أخي» (قصيدة إلى القارئ في أزهار الشر).

3- كتاب أدونيس منتحلاً لكاظم جهاد.

4- كتاب عبدالقادر الجنابي رسالة مفتوحة إلى أدونيس في الصوفيّة والسوريالية ومذاهب أدبية أخرى.

بعد صدور كتابين غاية في الأهمية حول سرقات أدونيس وهما (أدونيس منتحلِاً) لكاظم جهاد و(رسالة مفتوحة إلى أدونيس) لعبدالقادر الجنابي، وأيضاً أطروحة الدكتوراة للمنصف الوهايبي، تم فضح جميع سرقات أدونيس في شعره وفي طروحاته وفي مقولاته، ممّا دعا أدونيس إلى (إعادة صياغة لقصائده)، وقام بحذف هذه السرقات التي أشار إليها الشاعران العراقيان في كتابيهما أو تحويرها وما جاء في أطروحة المنصف الوهايبي، وهكذا سيجد قارئ أدونيس أنّ هنالك صياغتين في شعره، الصياغة القديمة وهي المسروقة والصياغة الجديدة وهي التي قام بإعادة كتابتها تحت مسمى (صياغة نهائية) وهي حيلة أو أسلوب أو محاولة منه للتنصّل من السرقات والفضيحة، حتى وصل الأمر بي الى تتبع أشهر بيت لأدونيس الذي طالما تباهى به قوله: «قلْ كلمتَكَ وامضِ زد سعةَ الأرضِ».

ولأنني ليس لي أيّة ثقة به أو بأيٍّ من أقواله مطلقاً، قمتُ بتتبع هذا البيت فوجدتُه مسروقاً أيضاً وكما يلي: قاله أوّلاً الفيلسوف الروماني لوكيوش سينكا، ثمّ أمين الريحاني، وقاله الألباني، وأخيراً قاله الشاعر التركي ناظم حكمت، ثمّ أخذه أدونيس وادّعاه لنفسه بعد أن زاد ثلاث مفردات.

وبعد أن تمّ اكتشاف السرقة، قام أدونيس بإعادة صياغة لهذه المقطع فحوّرها من:

«قلْ كلمتَكَ وامضِ زد سعةَ الأرضِ» إلى

«عِش ألقا وابتكر قصيدة وامضِ، زد سعة الأرض».

هل هذه هي الحداثة؟ هل هذا هو التحديث؟ أم أنّه تخبّطٌ وسرقاتٌ وفضائح، كيف يمكن أن يكون شخصاً كهذا شاعراً حداثويّاً وقد بنى مجده الشعريُّ على النقل وليس على الخلق؟



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>